الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع تازة تقرير حول أحداث الأربعاء 4 يناير 2012 منذ ما يقرب من عشرة أشهر، تعيش تازة حالة من الاحتقان والغليان الاجتماعي، حالة ترجمتها مختلف الحركات الاحتجاجية سواء تلك التي كانت وراءها حركة 20 فبراير أو قطاعات نقابية، جمعوية (نقابات العمال، حركات المعطلين...) أو مختلف شرائح المجتمع محليا: سكان الأحياء، عمال، طلبة، متقاعدون، جماعات قروية (تايناست، بني فراسن، وادي أمليل...). وقد واجهت السلطات المحلية وعامل الإقليم هذا التوتر وهذا الاحتقان تارة بحوارات مغشوشة وتارة أخرى بالتسويف والتماطل وفي أحيان كثيرة باستخدام سياسة القمع وتسخير البلطجية من أجل التنكيل بالمحتجين (حالة بني فراسن، واحتجاجات 20 فبراير...) وفي هذا السياق أتت أحداث الأربعاء 4 يناير 2012 لتؤكد بالملموس نمط تعاطي الأجهزة المخزنية مع مطالب الجماهير الشعبية وطبيعة مقاربة المسؤولين للقضايا والمطالب الاجتماعية للمواطنين . إن التدخل الهمجي لقوى القمع بمختلف تلاوينها ليومه الأربعاء 4 يناير 2012 في حق معتصمي كل من الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين ومجموعة المجازين المعطلين بتازة كانت الشرارة التي أشعلت انتفاضة شعبية عارمة شهدها حي التقدم (الكوشا) بتازة العليا، وهي الانتفاضة التي شهدت مواجهات عنيفة بين قوى القمع والمواطنين من ساكنة حي الكوشا والمعطلين قبل أن يلتحق بها طلبة كلية محمد بن عبد الله المتعددة التخصصات. وبالعودة إلى كرونولوجيا الأحداث فإن المسؤولية ثابتة في شخص الأجهزة القمعية والتي بادرت إلى استخدام العنف في حق المجازين والمعطلين وذلك بأمر من عامل الإقليم. فأمام مقر العمالة اعتصمت مجموعتين من حاملي الشواهد: الأولى أمام الباب الرئيسي وتتكون من منخرطي الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين، أما الثانية فتمركزت أمام مدخل الحي الإداري المحاذي للعمالة والخاص بسكن العامل وأعوانه الأقربين. وبعد محاولة المجموعة الثانية اقتحام العمالة، وعلى إثر تهديدات سابقة لعامل الإقليم للمجموعة والتي قال فيها (إلا دخلتو للعمالة غادي نقطع رجليكم أو نرسلكم لديوركم فلكرارس ديال المعاقين، واش نتوما صحروا باش يوظفكم توظيف مباشر...)وكذا استفزازات قوات القمع المشكلة من عناصر الأمن والقوات المساعدة، وعلى إثر صفع أحد عناصر قوات القمع لمعطلة حامل في الشهر الرابع،وهو ما تسبب لها في نزيف بسيط ، وكسر يد إحدى المعطلات ، دخل باقي أفراد المجموعة في مواجهات مع عناصر القمع بدعم من معتصمي الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين استعملت فيها الحجارة والزجاجات الحارقة وتم خلالها إحراق الإطارات المطاطية ووضع متاريس لعرقلة حركة سيارات القوى القمعية لكن سرعان ما تطورت الأمور بعد ذلك حيث التحقت ساكنة حي التقدم (الكوشا سابقا)، وهو أحد الأحياء الهامشية والمتضررة من ارتفاع فواتير الماء والكهرباء ومن غياب البنيات التحتية، بعد مطاردة المعطلين والمجازين داخل هذا الحي عند هذه اللحظة اتخذت الأحداث منحى أكثر عنفا، إذ زادت وتيرة القمع وأفرطت القوات القمعية في استخدام العنف والتنكير بالمواطنين وستعرف المواجهات أوجها بعد الزوال خاصة عند التحاق طلبة كلية محمد بن عبد الله المتعددة التخصصات بعد أن انتهوا من وقفة احتجاجية أمام محكمة الاستئناف حيث تتم محاكمة الطالب الروسي أحد مناضلي الفصيل القاعدي بأوطم. هنا ستعمل الآلة القمعية باستخدام كل الوسائل العنيفة والتنكيل بالمواطنين دون تمييز بينهم. وقد عاينت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان –فرع تازة- بمعية إطارات ديمقراطية أخرى حجم العنف اللامبرر ضد المحتجين، إذ كانت سيارات القمع لا تتردد في صدم المواطنين ودهسهم، وفي الضرب المبرح للمحتجين في أماكن حساسة من أجسادهم وخصوصا الرأس والجهاز التناسلي ، بل إن قوات القمع لم تكن تتورع في الاستفراد بالمواطن الواحد وضربه جماعة دون أدنى إحساس بالإنسانية. كما عاينت كيف تم تحويل حي التقدم (الكوشا) إلى ميدان لتعنيف المواطنين وتبادل الرشق بالحجارة وكل ما تطاله الأيادي، وإلى ميدان مسيج بالإطارات المشتعلة وبالمتاريس لمنع تقدم القمع ومطاردتها للمحتجين وقد سجلت الجمعية فرع تازة، حجم الإحساس بالمسؤولية لدى المواطنين المحتجين إذ بالرغم من وجود محطة للوقود محاذية للعمالة ومدخل حي التقدم، فقد تجنبوا إضرام النار أمامها كي لا تنفجر، كما سجلت التعامل اللامسؤول واللاإنساني لفرق الوقاية المدنية والتي لم تحرك ساكنا تجاه ضحايا القمع الشرس واكتفت في مقابل ذلك بنقل المصابين في صفوف قوى القمع فقط. واستمرت المواجهات بين المتظاهرين والأجهزة القمعية إلى حدود الساعة السادسة مساءا ولم تتوقف إلا بعد تدخل لجنة مشكلة من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وباقي الفعاليات التي كانت شاهدة على الأحداث، وهو التدخل الذي أفضى إلى تهدئة الوضع وفض الاشتباك بين الطرفين عبر إقامة منطقة فاصلة بينهما. لكن في حدود الساعة السابعة مساءا ستعرف الساحة المقابلة للعمالة إنزالا كثيفا لفئات أخرى من قوى القمع تم استقدامها من فاس... وخصوصا من قوى البلير والسيمي المدججة بمختلف أدوات القمع، الشيء الذي جعل من واجهة العمالة أشبه بثكنة عسكرية تعج بمختلف أدوات القمع وأجهزة القمع السرية والعلنية. وقد سجلت المواجهات التي دامت ما يقارب الست ساعات خسائر مادية وبشرية . فعلى مستوى الخسائر المادية فقد عاينت الجمعية عملية إحراق عربة سطافيت الخاصة بالأمن وإتلاف واجهات وزجاج عربات أخرى، كما سجلت فقدان عناصر القمع لخودات وعصي وآلية الاتصال sans fils وتهشيم نوافذ بعض المنازل. أما على مستوى الخسائر البشرية فقد تم إحصاء أزيد من 17 مصاب ومصابة في صفوف مجموعة المجازين وأكثر من 100 إصابة في صفوف سكان الكوشا أغلبهم تفادى العلاج في المستشفى الإقليمي خشية من الاعتقال، و30 مصابا في صفوف قوى القمع، وقد تراوحت الإصابات بين خفيفة وأخرى خطيرة في صفوف المحتجين على وجه الخصوص. وعلى خلاف ما تناقلته بعض المواقع الالكترونية من أخبار ومعطيات لا أساس لها من الصحة، فإن فرع تازة يؤكد عدم سقوط أي شهيد خلال المواجهات وإن كان الأمر واردا مستقبلا بالنظر لطبيعة التنكيل الذي ووجه به المواطنون وقد كانت الجمعية شاهدة على حالتين تعرضتا لضرب مبرح وهمجي في الرأس قد يؤدي إلى نزيف داخلي. كما لم تسجل الجمعية إلى حدود الآن أية حالة اعتقال في صفوف المحتجين، غير أن الأمر وارد مستقبلا، كما تؤكد أن السلطات لم تستخدم الدخيرة الحية أو المسيلة للدموع أو عناصر الجيش في قمع المحتجين، وفي الختام نؤكد على أن تواجد الأطفال خلال المواجهات لم يكن إلا تواجدا عرضيا ولم يتم استخدامهم من طرف أية جهة، وهو تواجد موضوعي بالنظر لوجود مدرستين وإعدادية أمام مدخل حي الكوشا، كما نؤكد على أن الأوضاع مرشحة لمزيد من التصعيد بالنظر للتوتر الحاصل في الإقليم ولحجم الإنزال القمعي الذي باتت تعرفه المدينة. الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع تازة.