الذاكرة الأكاديرية حبلى بمواقف وذكريات استحال على معاصريها نسيانها بقدر ما هي اليوم جزء من كينونتهم التي يعيشون معها ويفتخرون بإدراكها وتقاسم تلك اللحظات معها، أحداث في حلوها ومرها كانت تؤثث الذاكرة الجماعية للاكاديريين خاصة إن كان صناع تلك الأحداث أو المواقف أعلام بشرية تعجز الذاكرة عن إسقاطهم من مخيلتهم فقد صنعوا الحدث الرياضي وبرعوا في التعريف بمدينتهم لدى الآخرين وعكسوا وجه المدينة التي استيقظت من سبات ليلة 29 فبراير 1960 أو مدينة حديثة العهد بالاستقلال أو اكتوت بنيران سخرة الاستعمار. من كل هذا وذاك مازالت اكادير تنعي وجوها كروية تركت بصمة بالمشهد الكروي لأكادير فنعت بالأمس القريب بوجمعة حديف "كرتيت" والحاج الطيب نابولسي وأحمد اسكان "بنعيسى" واليوم تواسي في محنتهم الصحية وتسأل الشفاء لعبد العالي باطشي ولأحمد الرموكي. والقائمة طويلة في طابور الحياة وسنتها تخطف منا الأيام أعلاما بشرية كأجساد وحضور فعلي لكن تبقى معنا نوستالجيا أيامهم ومواقفهم. وحديثنا اليوم عن لاعب شاب جلب الأنظار إليه وهو فتي لم يحد ريعانه من فرض مكانته كلاعب متميز وجناح سريع غير أنه بقدر ما أن شرارة تألقه قد تأججت بسرعة بقدر ما أن مشيئة الرحمان أبت إلا أن تخمدها بعد صراع مع المرض الخبيث. قلة من يتحدثون عنه وحتى المعلومات بشأنه شحيحة إنه الراحل المختار بنان بن مبارك الاب الذي غادر العائلة المكونة من أربع ذكور واربع بنات في عهدة زوجته كلثوم أيت بنعبد الله من فونتي، على إثر حادثة شغل. ليجد المختار الابن البكر نفسه في أيادي أمينة لأم عصامية مناضلة ومكافحة من أجل ابناءها. اشتغل المختار بالشركة العامة المغربية للأبناك قبل أن يهاجر إلى الديار الفرنسية. فارق اخوته حميد وحسن الحياة وهم في ريعان شبابهم وحفظ له الرحمان رفقة أخيه محمد. نبذة اجتماعية مقتضية عن أسرة من أصول الجرف بانزكان استقرت بفونتي وشكلت أحد لبنات الرقعة الديموغرافية لأكادير ما قبل الزلزال وبعده. وكان المختار بنان لاعبا مميزا كجناح أيسر بصفوف حسنية أكادير فقد بدأ مشواره الكروي بالقسم الأول منذ 1963 وفي عمر 17 ربيعا واستطاع أن يبهر الجمهور بسرعته بتقنياته البارعة وقذفاته القوية . وكان للصدفة أيضا دورا مهما في تألق بنان إذ تأهل فريق الحسنية إلى نهائي كأس العرش وكان اللاعب الشاب ضمن دكة الاحتياط. غير أن المشوار الكروي لبنان كانت بدايته في الملاعب والساحات الشاسعة بالحي الصناعي بأكادير حيث صقل مواهبه بسرعة جذبت إليه الأنظار وجعلته مطلوبا على الرقعة الخضراء من قبل مسيري الحسنية ولقد كان المدرب الفرنسي بافو PAVOT الفضل الأكبر في اكتشاف قدراته وفسح المجال أمامه لإبراز مؤهلاته الرياضية. ليكون فريق الحسنية بداية من موسم 1964 بفريق من جناحين اسمهما نار على علم اللاعب أحمد عمار كجناح أيمن والمختار بنان كجناح أيسر. فأضحى بذلك لاعبا أساسيا في تشكيلة الفريق مبدعا رياضيا بمختلف ملاعب المملكة وساهم قوامه الرياضي الممشوق في إبراز كفاءاته ومهاراته حتى إن أسئلة عدة طرحت لما لم تتم المناداة على اللاعب بنان المختار لحمل القميص الوطني وهو الذي توفرت فيه شروط اللاعب المتكامل. ملكات رياضية وهب بها بنان غير أن العارفين به يسجلون عليه تملصه من الحصص التدريبية التي كانت دوما موضوع تأفف بينه وبين المدربين ولم تمنعه قط من المشاركة بحكم مهاراته النادرة. استمر المختار في مشواره الرياضي إلى سنوات السبعينات قبل مغادرته إلى الديار الفرنسية. و بعودته خذلته الأوساط الرياضية المحلية وآثر الابتعاد وهو اللاعب الفذ رافق لاعبين من طينة بومبا وعبد القادر والحسن شيشا وكوشام ومارس مع اجيال من اللاعبين كبنعيسى وغالي وعبد السلام ومشتا وزاز وريفقي ونبو المحجوب واخيه عبد السلام. هذه الجمرة الكروية في توهجها سرعان ما خبت وما سردنا عنه إلا نزر قليل لا يشفع لما يذكره البعض من انجازات كروية لا نستحضر منها اليوم إلا الاسم.