احتفلت القناة الامازيغية كما هو معلوم يوم فاتح مارس الماضي بعيد ميلادها الاول و بهذه المناسبة المتميزة اتقدم باسمى عبارات التهاني الى كافة اطر هذه القناة الادارية و الصحافية و التقنية . تقييم واقع الامازيغية في الاعلام المغربي ما قبل خطاب اجدير و قبل أي حديث عن القناة الامازيغية لا بد في رايي المتواضع من السفر عبر الزمن الى الوراء لنقيم واقع الامازيغية في اعلام السمعي البصري الوطني بشكل حقيقي حيث كان حصارا فظيعا على الثقافة و الهوية الامازيغيتان خصوصا ما قبل خطاب اجدير التاريخي لان المغرب منذ استقلاله المبارك اعتبر كل ما هو امازيغي يحيل مباشرة الى التفرقة و التنصير و اعتبر العروبة عاملا للوحدة و ضمان استمرار الاسلام في بلادنا بعدما تم تاويل ظهير 16 ماي 1930 من طرف اعداء الامازيغية التاريخين و كان الغرض من هذا التاويل او التضخيم هو اماتة الامازيغية نهائيا و تحويلها من هوية اصيلة للمغرب الى مشروع اجنبي يهدد الاسلام كدين اغلبية الشعب المغربي و يهدد الوحدة الوطنية . ان هذا المخطط الايديولوجي لدولة فجر الاستقلال كان له انعكاسات خطيرة على الامازيغية في عدة ميادين حيوية و جوهرية مثل التعليم و التنمية البشرية و الاعلام بكل ابعاده المكتوبة و السمعي البصري حيث كانت الاذاعة الامازيغية مع كامل احتراماتي لها مجرد وسيلة لانتاج خطاب التخلف القروي كما اسميه و كذا وسيلة لنشر الفكر السلفي في صفوف الامازيغيين في المدن و البوادي التي تصلها بث هذه الاذاعة بمعنى ان الاذاعة الامازيغية كانت مجبرة بحكم الظروف على زيادة الظلام في العقول و منعها من ادراك اهمية هويتها الامازيغية في تلك العقود. و هذا لا يمنع من وجود مبادرات اذاعية فريدة انطلقت منذ اواسط التسعينات تروم التعريف بالثقافة الامازيغية مثل برنامج تاوسنا تامزيغت المعروف على الصعيد الوطني يقدمه الاستاذ محمد اكوناض و برنامج حول الشعر الامازيغي كان يقدمه الاستاذ الحاج عبد الله طالب علي الخ من هذه المبادرات المعددة على اصابع اليد الواحدة في ذلك الوقت يصعب التحدث عن الثقافة الامازيغية بشكل صريح كما هو الحال اليوم و على مستوى التلفزيون المغربي فالكلام حول تعامله الاقصائي مع الامازيغية هو كلام طويل يحتاج الى التفصيل العميق غير انني ساختزل هذا الكلام في بعض النقاط الاساسية و هي اولا اقصاء الامازيغية لغة و ثقافة الخ من التلفزيون المغربي لعقود طويلة حيث ما كان يقدم لصالحها يدخل في اطار الفلكلور الشعبي بمعناه القدحي لا يرتقي الى مستوى الثقافة الامازيغية بمفهومها الحقيقي في ذلك الوقت. ثانيا تغييب البعد الديني لدى الامازيغيين في التلفزيون المغربي بشكل فظيع للغاية حيث ان هذا الجهاز ظل يحيي أسطورة الظهير البربري القامعة لبعدنا الديني الضخم من حيث التاريخ و التراث و المعمار و التقاليد الاجتماعية و القائمة مازالت طويلة للغاية . و كنت طفلا في اواسط التسعينات و كنت اعتقد حينها بان الطرب الاندلسي يعتبر الموسيقى الدينية الوحيدة في بلادنا لانني اشاهد هذا الفن يبث على الشاشات في كل مناسباتنا الدينية مثل وقت الافطار في شهر رمضان و صباح الاعياد الفطر و الاضحى و المولد النبوي الشريف لكن عندما كبرت و وصلت الى هذا المستوى المتواضع اكتشفت الحيف التي تعانيه فنوننا الامازيغية و المهتمة بالدين مثل فن الروايس المعروف بالمئات من القصائد الدينية في المستوى الرفيع تناولت الاسلام كالدين و الاركان و القيم الخ......... ثالثا ان التلفزيون المغربي ساهم في تشجيع الثقافات الاجنبية على حساب ثقافتنا الام حيث كان يبث المسلسلات المصرية الحاملة لثقافتهم المحترمة و البعيدة عنا و يبث هذا الاخير المسلسلات المكسيكية الحاملة لتقاليد تلك البلاد المسيحية و هنا لست ضد المسيحية او اليهودية كذلك لكن في ذلك الوقت كان اعداء الامازيغية يعتبرون ان اية محاولة للنهوض بهويتنا احياءا للظهير البربري الهادف الى تنصير البربر و فرنستهم بينما ان تلفزيوننا الوطني كان يشجع المسلسلات المكسيكية التي تحمل مضامين غريبة عن مجتمعنا المحافظ بمعناه الايجابي . و خلاصة القول ان التلفزيون المغربي كان لا يعترف بوجود ثقافة و هوية تسمى الامازيغية بل اعترف بعد خطاب 20 غشت 1994 التاريخي بنشرة اللهجات المعروفة ليس الا. و بالاضافة الى برنامج كنوز الداخل بشكل معين في اطار الفلكلور الشعبي مع كامل احتراماتي للاستاذ عمر امرير الذي اقدره تقديرا كبيرا . تقييم الامازيغية في التلفزيون المغربي بعد خطاب اجدير و بعد خطاب اجدير التاريخي و تاسيس المعهد الملكي للثقافة الامازيغية بدا التلفزيون المغربي يتعامل بنوع من التردد مع الثقافة الامازيغية كمسؤولية وطنية و استمر هذا التردد طيلة سنوات بين التاجيل و الرفض لفكرة ادماج الامازيغية في التلفزة نهائيا. و فعلا هناك مبادرات متميزة مثل برنامج تيفاوين على القناة الاولي الخاص بالثقافة الامازيغية بمفهومها الجديد و برنامج ياز على قناة الرابعة الخاص بتعليم اللغة الامازيغية و برنامج اسايس على القناة الثانية الخاص بالفنون الامازيغية و برامج التوعية الدينية و الامداح النبوية بالامازيغية على قناة السادسة لوحدها و انطلقت هذه البرامج في حدود عام 2007 . غير انني سجلت تراجعات كثيرة في عملية ادماج الامازيغية في التلفزيون المغربي بمختلف قنواته منذ سنوات حيث ان هذه القنوات اصبحت تبث البرامج الامازيغية في العاشرة صباحا و التغيير المستمر لمواعد بعض هذه البرامج دون أي اعلام للمشاهدين و بالاضافة ان بعض البرامج هي دون المستوى المطلوب بالاعتبار ان هذه الاخيرة تحاول انحصار كل ما هو امازيغي في البوادي البعيدة عن مراكز التحضر و المتمدن مما سيجعل المشاهد العادي يعتقد بان الامازيغية هوية مرتبطة أساسا بما هو قروي متخلف علما انها هوية امنت منذ قرون بالديمقراطية و العلمانية المحلية الخ من هذه المعاني السامية. ماذا حققت القناة الامازيغية في عامها الاول و بعض التطلعات المشروعة على العموم فالقناة الامازيغية استطاعت ان تحقق عدة مكاسب رمزية في عامها الاول لم تكن موجودة اصلا منذ ميلاد التلفزة المغربية سنة 1963 مثل الامداح النبوية بالامازيغية عند بداية ارسال القناة بشكل يومي و مثل اللغة الامازيغية بتنوع فروعها الثلاث حيث بدا المشاهد العادي يتعرف عن كيف يتحدث اهل الريف و اهل الاطلس المتوسط و اهل سوس مما سيسمح على المدى المتوسط و البعيد في توحيد هذه الفروع من اجل احداث لغة امازيغية موحدة و مفهومة من طرف ابناءنا و احفادنا . و مثل الرسوم المتحركة بالامازيغية و برنامج اسبوعي خاص بالاطفال . و مثل برنامج اسبوعي خاص بالسهرة حيث يجتمع فناني الامازيغية عبر الوطن مع حضور مجموعات الفن الشعبي المغربي ان صح التعبير. و كما ظهرت القناة الامازيغية في رمضانها الاول بمظهر مشرف من حيث البرامج المقدمة ذات ابعاد مختلفة كالتوعية الدينية و الحياتية و بث سهرات فنية متميزة و انتاج عملان في صنف الفكاهة الاول من سوس يتحدث عن يوميات صاحب المقهى مع زوجته التي استطاعت تاسيس تعاونية زيت الاركان و هذا المسلسل الحامل لعنوان تيويسي أي التعاون قد حاول ابراز دور المراة في المجتمع و ابراز قيم التضامن. اما العمل الثاني فهو من الريف يتحدث عن الحياة اليومية باحدى القرى الريفية. و بالاضافة الى برنامج الكاميرا الخفية الذي قدمه الاستاذ نور الدين نجمي المعروف على صعيد الاذاعة الامازيغية و الذي نجح حسب رايي في تنشيط هذا البرنامج الترفيهي من خلال فعل المقالب لمجموعة من النجوم الامازيغيين سواء على الصعيد الفني و على الصعيد الاعلامي الخ. و كما قدمت القناة الامازيغية برنامجا هاما حول التوعية بالحوادث المنزلية و هو من تقديم ممثل امازيغي معروف داخل السينما الامازيغية و الجميل في هذا البرنامج هو استهداف فئات عريضة من مجتمعنا الامازيغي عبر التراب الوطني من خلال استعمال فروع اللغة الامازيغية الثلاث تحقيقا لمبدا القرب . و على صعيد البرامج الدينية فنادرا ما أتابعها في قناة تامزيغت غير انني لاحظت بان مازال الكثير من الاشياء لم تتحقق بعد مثل تمزيغ المصطلحات الدينية كما كنا نسمع عند برامج الاستاذ جهادي اباعمران الاذاعية و بالاضافة الى ضعف خطاب هذه البرامج الديني في بعض الاحيان او الاعتماد على بعض المصطلحات القدحية بالنسبة لهذه المرحلة مثل الشلوح و طارق بن زياد البربري الخ من هذه الاخيرة و هناك مشكل كبير يعانيه الخطاب الديني الموجه الى الامازيغيين الا و هو عقدة السلفية و تحقير الثقافة الامازيغية الى ابعد الحدود و تعظيم العروبة و السلفية معا منذ عقود من الزمان لكن على المدى القريب جدا من الواجب على قناة تامزيغت ان تساهم في تطوير برامجها الدينية تكريسا لروح العصر و حاجته و تكريسا لروح خطاب 9 مارس التاريخي بكل المقاييس. و عملت القناة الامازيغية على انتاج عدة برامج ثقافية في المستوى مثل برنامج اغبولا الذي يقدمه الاستاذ المعروف عبد النبي ادسالم حيث اهتم هذا البرنامج بالثقافة المغربية عموما و الامازيغية خصوصا بحضور مجموعة من الاساتذة من المعهد كالاستاذ احمد عصيد الغني عن التعريف و الاستاذ حسن اد بلقاسم الغني عن التعريف الخ من هؤلاء الاساتذة الكرام . و هناك حضور فعاليات جمعوية و فنية امازيغية للحوار و لتنوير الراي العام. و هناك برنامج يات س يات الذي يقدمه الاستاذ الكبير عمر امرير و اهتم هذا البرنامج برموز الثقافة الامازيغية مثل اسماء الاماكن عبر الوطن و دلالاتها التاريخية و الحضارية و الفنون الامازيخية المختلفة و الاعراف الامازيغية التي كانت السائدة في مجتمعنا منذ قرون من الزمان. و على مستوى السينما الامازيغية في قناة تامزيغت فعندي راي يقول ان هذه القناة من المفروض عليها ان تساهم بدورها في انتاج المزيد من الافلام و المسلسلات في المستوى المطلوب من حيث السيناريو و من حيث المواضيع كتاريخ المغرب كأولوية كبرى في هذه المرحلة و التعريف بمظاهر الثقافة الامازيغية عبر البلاد و تشجيع الافلام الاولى التي ظهرت في اوائل تسعينات القرن الماضي كتحدي نضالي صرف دون أي دعم مادي و معنوي من طرف الجهات الوصية على الثقافة انذاك حسب رايي المتواضع . و عموما ان قناتنا الامازيغية قدمت برامج اجتماعية في المستوى بالنظر الى الاطر العاملة في الاعداد و تقديم هذه البرامج مثل الاستاذة امينة بن الشيخ مديرة جريدة العالم الامازيغي و التي تقدم برنامج لكل الناس المتميز باعتباره اول محاولة تخاطب الفئات العريضة بلغتهم الام و تتناول مختلف قضاياهم الاجتماعية كزواج القاصرات في الاطلس المتوسط و الاغتصاب و التذكير بتقاليد اجدادنا في اعيادنا الدينية الخ . و كما احتفلت قناة تامزيغت بحلول السنة الامازيغية 2961 ببرامج ترصد عادات الامازيغيين عبر بلادنا في هذه المناسبة الاصيلة و التي تصادف يوم 13 يناير من كل عام و كما بثت هذه القناة في ذلك اليوم السعيد سهرة راس السنة الامازيغية بحضور اسماء بارزة في سماء فننا الامازيغي مثل الرايسة الكبيرة فاطمة تاباعمرانت و الفنانة خديجة من الاطلس المتوسط و الفنان المعروف من الريف و الذي قال كنا ننتظر هذه اللحظة منذ 30 سنة و هذا الكلام العميق يحمل معاني الفرح و الاعتزاز بما حققه العهد الجديد لصالح الامازيغية الى حد الان . اختم هذا التقييم المتواضع بالقول ان المغرب انطلق انطلاقته الثانية بعد خطاب 9 مارس التاريخي نحو الاصلاح الجذري و الامازيغية تدخل في صلب هذا الاصلاح الذي لم يكن المغاربة يحلمون به منذ اكثر من 50 سنة . توقيع المهدي مالك [email protected]