مع اقتراب موعد الانتخابات المقررة اجراؤها يوم 25 نونبر المقبل لا تزال الصورة غير واضحة والمشهد السياسي يكتنفه غموض، خاصة ان العدد من الاحزاب لم تحسم بعد في وكلاء لوائحها لهذه الانتخابات، فقط وجوه قديمة تستعد للعودة لقبة البرلمان واخرى تقيم الولائم هنا وهناك من اجل استمالة الناخبين اتجاهها، دون ان يحدث شيء مهم يدل على اننا فعلا عازمون على تطبيق الدستور الجديد، وعازمون على صناعة الحدث لتحويل مغرب اليوم، بكل سلبياته، الى مغرب الغد الذي يتصالح مع ذاته ومع مواطنيه من اجل استرجاع الثقة للفعل السياسي ولمجلس النواب. ونحن نتأمل ما يجري ببلدنا بمناسبة الاستحقاق المقبل يأتينا المثال من فرنسا، الدولة المستعمرة لنا مدة من الزمان، والدولة التي نأخذ منها العديد من النمادج في تشريعنا واقتصادنا وتعليمنا وغيرها من امور حياتنا العامة وفي بعض امورنا الخاصة كذلك. فهاهو الحزب الاشتراكي الفرنسي يحتل صدارة نشرات الاخبار العالمية ومكانة بارزة في اهم الصحف المحلية والدولية، باقدامه على تنظيم انتخابات بالاقتراع السري والمباشر لاختيار من سيمثل الحزب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لتشاهد مقرات الحزب على طول بلد موليير يوم الاحد الماضي حركة غير عادية من اجل انجاح هذا الاستحقاق الحزبي الديمقراطي، مرشحان تقدما للانتخابات وقاما بحملة انتخابية داخل حزبهم، ومناضلون يتابعون الامر بكل مسؤولية ويذلون باصواتهم لاختيار من يترشح باسم حزبهم ليصبح رئيسا لبلدهم فرنسا، انها الديمقراطية الحزبية الداخلية التي تتناغم مع الديمقراطية في المجتمع الفرنسي، في قمة ازدهارها ونضجها. وانا اتامل هذا النمودج الديمقراطي للحزب الاشتراكي الفرنسي، تصورت نمودج مغربي مشابه، فقلت ( مجرد تصور) لما لا يقدم واحد من الاحزاب على التفكير في انتخاب وكلاء لوائحه بشكل شفاف وديمقراطي، ويعلن مثلا يوما موحدا للقيام بهذه العملية الديمقراطية الحزبية على الصعيد الوطني، وهي صورة مصغرة لما سيجري في البلد، ويكون الامر بداية لتحول حزبي حقيقي سيقنع المغاربة بجدوى التحزب والتسييس، يفتح مقرات الحزب طيلة ذلك اليوم لاستقبال المنخرطين في الحزب للمثول امام لجنة انتخابية وامام صندوق للاقتراع، لانتخاب لائحة بها عدد المرشحين بالدائرة المحلية او الاقليمية، قبلها يتم اعداد مسبق، وتكوين سياسي وقانوني، وتقديم مرشحين بشروط مقننة مسبقا كذلك، وتمر العملية في جو تعبوي ديمقراطي، ليعلن الحزب لوائحه من المرشحين ويشرك وسائل الاعلام في نشرها والاطلاع على سلامة الاقتراع الحزبي الداخلي ومراقبته..انه مجرد تطرف خيالي، فماذا يحدث عندنا وبالضبط في احزابنا. الوضع كارثي مقارنة بالنمودج الفرنسي، فاحزابنا لا حياة لمن تنادي، منظمات سياسية بدون روح، علاقات زبونية، وانعدام الديمقراطية، وفي اول امتحان مع الديمقراطية الداخلية يؤدي الامر الى الانشقاق، احزاب تطالب بما لا تفعل، تريد من الدولة والمجتمع ان يصبحا ديمقراطيا دون ان تصبح هي ديمقراطية، تطالب بالكثير من التغيير وهي لا تقدم ولو على جرعة منه، احزاب لا تعقد مؤتمراتها الا ناذرا، وعندما تعقدها تعيد نفس الوجوه الى القيادة، احزاب لا تهتم كثيرا بمنخرطيها وبتكوينهم وتعبئتهم للمساهمة في الحياة السياسية لبلدهم، تبحث عن الاصوات ولا تبحث عن منخرطين، تعد لاحتلال مقاعد وكراسي دون برامج، تفرض القيادات والمرشحين، وتهتم بذوي النفوذ وذوي المال ولا تهتم بالفكر والمفكرين وذوي الخبرة والحنكة، حتى اصبحت فارغة ولا معنى لها ولم يعد احد يثق بها..فهل فهمنا واخذنا العبرة والنمودج من فرنسا وحزبها الاشترااكي.