والديمقراطية المجتمعية، وكما أشرنا إلى ذلك سابقا، تتنوع حسب الأنظمة السياسية القائمة في مختلف البلدان، وفي مختلف القارات، وانطلاقا من هذه الطبيعة المختلفة للأنظمة السياسية، نجد: 1) أن الأنظمة التابعة، ومنها النظام المغربي، وانطلاقا من التوجيهات التي تتلقاها من النظام الرأسمالي العالمي، تبدع ممارسة توصف بالديمقراطية ظاهريا، والتي تختزل في إجراء الانتخابات، التي تزور نتائجها، من أجل تمكين النظام السياسي التابع، في هذا البلد، أو ذاك، وكل أربع سنوات، أو خمس سنوات، أو ست سنوات، لاختيار العناصر التي تخدم مصالحه في المؤسسة البرلمانية، أو في المؤسسة الجماعية، وحتى يغطي النظام التابع على تزويره للنتائج، عبر صناديق الاقتراع، فإنه يطلق العنان للفساد الانتخابي، ويسمح بفتح سوق التجارة في ضمائر الناخبين، حتى يقال: بأن من يشتري من الضمائر أكثر، هو الذي يصل إلى البرلمان، أو إلى المجلس الجماعي.
والواقع، أن الدولة التابعة، هي من يشرف على إجراء الانتخابات، وهي من يزور النتائج، وهي من يشجع على الاتجار في الضمائر، للتغطية على تزوير النتائج، حتى لا يصعد إلى المجالس، وفي مستوياتها المختلفة، إلا من يضع نفسه في خدمة الطبقة الحاكمة، وباقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي.
فالطبقة الحاكمة هي صاحبة الاختيارات الرأسمالية التبعية، وهي المفسدة للحياة الإدارية، والسياسية، وهي الواقفة وراء استفحال أمر الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، حتى تضمن فساد القيم الثقافية، ومن أجل أن تجد الواقع الذي يضمن لها دوام السيادة، والسيطرة، وإعادة إنتاج الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، وامتهان كرامة الإنسان.
ولذلك، نجد أن ديمقراطية الواجهة، لا تعني تحقيق الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والحقوقية، كما لا تعني تحقيق الديمقراطية بمضمونها السياسي فقط، كما لا تعني، كذلك، اختزالها في خانة الانتخابات، التي يمكن أن تكون حرة، ونزيهة؛ بل تعني، فقط، اختزال الديمقراطية في الانتخابات المزورة، والتي يجري تزويرها في إطار تكريس كل أشكال الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والإداري، الذي يضمن اختلال جميع التوازنات المجتمعية، لصالح الطبقة الحاكمة، ومن يسبح في فلكها.
ولذلك فتسمية هذه الديمقراطية، بديمقراطية الواجهة، يكون قد أصاب الهدف، وعمل على كشف طبيعة الدولة التابعة للنظام الرأسمالي العالمي، ولمؤسساته المالية، وشركاته العابرة للقارات.
فديمقراطية الواجهة، تكشف، بكامل الوضوح، أنه لا وجود لشيء اسمه الديمقراطية، وأن هذه الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والحقوقية، غير واردة لعدة اعتبارات:
الاعتبار الأول: غياب دستور ديمقراطي شعبي، يختاره الشعب الذي يصادق عليه، بعد صياغته من قبل مجلس تأسيسي منتخب، انتخابا حرا، ونزيها، من قبل الشعب.
الاعتبار الثاني: أن القوانين المعمول بها، لم توضع من أجل خدمة كافة أفراد الشعب، على أساس المساواة فيما بينهم، بقدر ما وضعت من أجل خدمة مصالح الطبقة الحاكمة، وباقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال.
الاعتبار الثالث: أن الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والإداري، الذي ينخر كيان المجتمع، لم يجد بعد من يتصدى له، ويعمل على وضع حد له، في أفق إيجاد مجتمع خال من كل أشكال الفساد.
الاعتبار الرابع: انعدام الثقة بين أفراد الشعب، المحكوم من قبل الدولة التابعة، وبين مختلف أجهزة هذه الدولة، التي تبقى العلاقة معها قائمة، على أساس الوصولية، والمحسوبية، والزبونية، والإرشاء، والارتشاء.
الاعتبار الخامس: أن المسؤوليات المختلفة في أجهزة الدولة التابعة، وفي مختلف المؤسسات المزورة، تصير مصدرا للتبرجز السريع، بسبب ممارسة مختلف المسؤولين، لنهب ثروات الشعب المغربي، ولتلقي رشاوى في مستويات مختلفة، من العمولات التي يتلقونها عن الخدمات، التي يقدمونها إلى من يدفع أكثر.
الاعتبار السادس: أن احترام إرادة الشعب من قبل الدولة التابعة، غير وارد في العلاقة معه، وانه بالنسبة إلى مختلف المسؤولين، ليس إلا وسيلة للإثراء السريع، ليس إلا.
الاعتبار السابع:أن جميع المشاريع التي تقام في ظل الدولة التابعة، لا يراعى في تحقيقها على أرض الواقع، إلا خدمة مصالح الطبقة الحاكمة، ومصالح باقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال، ولا تراعى فيها أبدا خدمة مصالح الجماهير الشعبية الكادحة، المحكومة من قبل الدولة التابعة، إلا من باب التضليل.
الاعتبار الثامن: سيادة اقتصاد الريع، الذي يقف وراء إيجاد جيش من عملاء الدولة التابعة، الذين يجنون ثروات لا حدود لها، مما يجعلها جزءا لا يتجزأ من فساد الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
وهذه لاعتبارات، وغيرها، مما لم نأت على ذكره، تعتبر بمثابة الشروط الموضوعية، الفارزة لما سميناه في حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، بديمقراطية الواجهة، لأنه لو كان الدستور الديمقراطي الشعبي قائما، وكانت القوانين القائمة مصاغة على أساس أن تصير في خدمة مصالح الشعب، وتم وضع حد لكل اشكال الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والإداري، وحضرت الثقة بين الشعب، وبين أجهزة إدارة الدولة، وأصبح المسؤولون أكثر بعدا من نهب ثروات الشعب، وعن تلقي الرشاوى، والعمولات عن الخدمات التي يقدمونها، واحترمت إرادة الشعب من قبل الدولة، وصار وضع المشاريع يتم على أساس خدمة مصالح الشعب، على أساس المساواة بين جميع أفراده، وتم وضع حد لما صار يعرف باقتصاد الريع، الذي ليس إلا تكريسا للنهب الهمجي، لثروات الشعب المغربي، لصالح مجموعة من لانتهازيين، والعملاء، والطفيليين، فإن الحديث عن تسميته بديمقراطية الواجهة، سيصير غير وارد.