بقلم: الحسين ساشا / يبدو أن التوظيف ومحاربة الفساد في المغرب وهم من الأوهام، فلا أمل يرجى ولا أحلام تنتظر من حكومة هي نفسها عاطلة عن الشغل، والمثل يقول فاقد الشيء لا يعطيه، ومن ينتظر هذا الحلم فهو واهم، وسيظل يعيش طوال حياته على السراب. وذلك لسبب بسيط هو أن الحكومة الحالية لم تأت بجديد سوى التراجعات في الوعود، فمن 7,5 نقطة من النمو خلال حملتها الانتخابية إلى 5,5 نقطة خلال التصريح الحكومي إلى 4,5 عند غياب الأمطار.. وهذا دليل على أنها لا تختلف عن الحكومات السابقة في المنهجية والتخطيط والتسيير. لأن من يعيش على نفقات المواطنين لا يُنتظر منه أن يشغلهم.!؟ هذا بخلاف ما يحدث في دول العالم، حيث نرى الشعوب هي التي تعيش في دولها، باستثناء المغرب الذي نرى دولته هي التي تعيش في شعبها، بالاعتماد والاتكال عن النهب الضريبي المجحف ممن يستحق وممن لا يستحق، ذلك فقط ما كانت تركز عليه الحكومات السابقة، بدل البحث عن الجديد. وقد سمعنا من الحكومة الحالية على أنها هي الأخرى ستوسع من الوعاء الضريبي ليشمل جميع الفئات، للمزيد من حلب جيوب المواطنين، بذل التفكير والاعتماد عن موارد أخرى بديلة. فمثلا هؤلاء الوزراء والبرلمانيون الذين يتقاضون أجوراً مرعبة، مقابل التثاؤب تحت قبة البرلمان دونما فائدة، ودون أدنى مجهود يذكر. سوى أنه كلما ازداد الوضع تأزماً في البلد، إلا وتراهم يزيدون في أثمان المواد الغذائية على المقهورين والمزاليط، والرفع من نسبة الضرائب من حين لآخر، وكأنهم يرغبون في تجسيد وقائع قصة "الزيني بركات" لجمال الغيطاني من جديد على أرض المغرب. وهذا ما سيؤدي بلا شك إلى إحياء احتجاجات واضطرابات من جديد. والسؤال المطروح هو: إن كان هؤلاء المسؤولين الذين اختارهم الشعب لخدنة البلد، غير قادرين على المسؤولية لجلب أو خلق موارد أخرى كما في باقي البلدان، لإخراج البلد من الأزمات المترادفة عليه منذ عقود، فليقدموا استقالاتهم من منصبهم، وكفانا من الضحك على الأذقان، والاستهتار بمصير الشعب. وحبذا لو يقوم ملك البلاد بإلغاء هذين الجهازين؛ الحكومة ومجلس النواب، فمصالح الإدارة العمومية كفيلة بتسيير شؤون المواطنين، والقيام بجمع المحاصيل الضريبية، من جيوب الفقراء والمغلوبين على أمرهم، دون الحاجة إلى الوزارات ولا لمجلس النوام. وبذلك نكون قد خففنا من ثقل كاهل صندوق الدولة برواتب هذين الجهازين الفاشلين في مهامهما ومسؤولياتهما، لكونهما يعتمدان على أموال دافعي الضرائب فقط، ويتقاعسان عن البحث على موارد بديلة. مثل ذلك الأب الذي طلبه ابنه الأصغر بشرائه الحداء، وما كان من الأب الكسلان إلا أن أقدم على بيع سروال ابنه الأكبر ليشتري به الحداء لابنه الأصغر. هذا بذل أن يبحث عن الحل الثالث لإرضاء كل منهما، لجأ لطريقة الأخذ من هذا وإعطاء لذاك. وهكذا الحكومة المغربية التي يُنتظر منها تشغيل المواطنين وتحسين أوضاعهم المعيشية، بينما هي نفسها عاطلة وتعيش من نفقات جيوبهم. فحتى وإن وظفت شاباً من كل أسرة، فسيكون مرتبه من نفقات أسرته،، عن طريق الرفع من نسبة الضريبة على الدخل التي كان يؤديها أبيه، وأمه، وأخيه، وأخته، ليتمكن للحكومة أن تخصص له راتبه الشهري على حساب أفراد أسرة، وهذا ليس حلا، بمعنى أنها حكومة وساطة، أو بعبارة أصح حكومة سمساريه وليست حكومة المسؤولية. أما ما نراه من هدم المساكن ونشر لوائح لگريمات وغير ذلك من التكتيكات، ليس إلا مناورات من حزب وصل إلى قمة السلطة لأول مرة وأراد إحراج الأحزاب الأخرى المنافسة له، لتصفية الحسابات السابقة، والضحية بالطبع في هذه المناورات هو الشعب المغلوب على أمره. بدليل أننا لحد الآن لم نر ولا واحد من المسؤولين أمام العدالة، ممن شاركوا ونصبوا على المواطنين، في البناء الذي تم هدمه. ولحد الآن لم يُقدَّم للمحكمة؛ لا وزير، ولا برلماني، ولا رئيس جماعة، ولا قائد، ولا حتى مقدم الحومة. ثم لو كان القصد مما يجري حاليا من مناورات يهدف لمحاربة الفساد بالمعنى الصحيح لكانت لائحة الأموال المنهوبة من صناديق المؤسسات الآتي ذكرها في المقدمة لاسترجاعها، فهي أولى وأسبق من هذا كله، لأنها ستحل العديد من الأزمات دون شك. الضمان الاجتماعي........ 115 مليار درهم القرض الفلاحي......... 846 مليار درهم القرض السياحي .......... 8 مليار درهم البنك الشعبي............ 30 مليار درهم المكتب الشريف للفوسفات.. 10 مليار درهم النقل البحري............ 400 مليون درهم المكتب الوطني للنقل....... 20 مليون درهم الخطوط الجوية الملكية.. 100 مليون درهم التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية 118 مليار سنتيم. هذا ما ظهر فقط، أما ما بطن فسيكون أعظم. والمواطنون اليوم ينتظرون من سي بنكيران، استرجاع هذه الأموال، وتشغيلهم وبناء المساكن لهم، وليس هدمها على رؤوسهم كما نرى. فطريقة محاربة الفساد على هذا النحو، هي بداية لفساد آخر. وحذار من استعمال الدواء الأسوأ من الداء نفسه. لأن من أراد إسقاط شجرة ما، فإنه من الغباء أن يلجأ لشذب الأغصان وقص الجذوع بدل الجذور.. فالعاقل هو الذي يقوم بقطع الشجرة مباشرة من جذورها وعندما تسقط، طبعا ستسقط معها أوراقها وغصونها وجذوعها، دون أن يستنزف جهده في عدة عمليات؛ اللهم إلا إذا لم يكن قادراً على قطع الشجرة السميكة فيوهمنا بشذب أغصانها على أنه عازم وقادر على قطعها.. وسأعود بكم قليلا إلى الوراء عندما أقدم والي الدارالبيضاء السابق أحمد مطيع على حملة شرسة لتحرير الملك العمومي كما قيل. وتم حينها هدم كل ما هو مشيد فوق الأرصفة، بما في ذلك أغطية المتاجر والمحلبات وشرفات المقاهي "terrasse". وتسبب ذلك في تشريد ما يفوق 4000 نادل ونادلة ممن كانوا يشتغلون في المقاهي التي حطمت شرفاتها. وسرعان ما انكشف سر الحملة التي هزت حينها المدينة الاقتصادية، حيث كان الهدف من ورائها، هو خدمة أحد أقرباء مسؤول كبير استورد صفقة كبيرة من القماش المشمع "Bâche" الخاص بالمقاهي والدكاكين من اللون البني، والذي تم فرضه على المتاجر والمقاهي منذ ذلك الحين كما تلاحظون اليوم، حيث لا يتوفر آنذاك سوى اللون الأزرق والرمادي. وبعدها عادت الأمور إلى حالها السابق وبحلة بنية، ولم يكن الغرض من الحملة، سوى بيع القماش وليس تحرير الملك العمومي كما قيل.