علاقتنا بالثقافة منعدمة ، على الرغم من إسناد مهمة وزارة الثقافة بالمغرب - ومنذ عقود -، لرجال الثقافة و الفكر ، منهم محمد الأشعري ، ترأس مكتب كتاب المغرب ، مارس الشعر قبل أن يمارس السياسة في الاتحاد الاشتراكي ليصبح وزيرا في عهد حكومة التناوب بزعامة المناضل عبد الرحمن اليوسفي، رحب به المثقفون و ظنوا أن فتحا مبينا سيتحقق على يديه ، سرعان ما خاب الظن لأن السياسة بالمفهوم المغربي غلبت على الثقافة ، و خرج الأشعري دون أن يحقق شيئا لمجتمع فقير ثقافيا . بعجه فتح المجال أمام امرأة المسرح الأولى بالمغرب ، حاولت هي الأخرى أن تلعب على حبل السياسة ، و ارتمت في أحضان حزب جديد يؤمن بفلسفة البقاء للأقوى في شكلها الشرس ولا يجد أي حرج في ممارسة مقولة البراغماتية " دعه يعمل دعه يمر" رغم الانزلاق السياسي آمن المثقفون بالثبات الثقافي لثريا جبران ، بداية الاستوزار لم تكن ناجحة و نهايتها كانت درامية ، و كان من الأجدر أن تبتعد الفنانة المسرحية عن السياسة بمفهومها المغربي، على الأقل كنا سنحافظ على ثريا امرأة المسرح الأولى لقد فقدنا الفنانة و الوزيرة في نفس الوقت . يستمر تنصيب رجال الثقافة على رأس وزارة الثقافة و هذه المرة يطل علينا الروائي و الشاعر بنسالم حميش ، لكنه يبقى محتفظا بالمظلة السياسة للاتحاد الاشتراكي غير أن السمة البارزة التي تميز هذا المثقف الذي بدأ حياته مشاكسا فكريا، متمردا على القوالب الأدبية الجاهزة،د أنه لم يبع صوته أو يخون قناعاته ، من هنا تنبعث الآمال من جديد من أجل انطلاقة ثقافية ترمم مجتمع أبعد قسرا عن الثقافة مورست عليه أساليب التجهيل و التمييع و التطبيع مع الأمية و الخرافة و الجهل و الشعوذة ، لأن السياسة المغربية و عبر عقود نصبت نفسها عدوة لثقافة التنوير ، ما انعكس سلبا على المجتمع المغربي إذ أصبح يشكو من فراغ رهيب ملأته القيم الضالة التي أنتجت السلوكات التي تمنعنا من التطور و تحقيق الحداثة ، الرشوة ، عدم احترام القوانين ، فقدان قيم المواطنة ، التزوير ، الغش المستشري في المدارس ، وفي كل مناحي الحياة الاجتماعية بنسالم حميش يواجه تحد كبير ، التغيير لا يمكن أن يمر إلا عبر قناة الثقافة ، ليس في مظاهرها الفلكلورية الفجة بحجة أننا نؤسس لهويتنا و تاريخنا ، لسنا بحاجة لمعرفة التاريخ الكرنفالي نحن بحاجة لمعرفة تاريخ الإنسان المغربي في صراعه مع قوى الظلم و الاستبداد ، نحن بحاجة لفكر التنوير الذي لا نجده في الزوايا المدعمة من طرف السياسة، نحن بحاجة لإيقاظ العقول كي تفكر و تنتج بكل حرية ، لا ننتظر من بنسالم حميش مهرجانات و احتفالات مناسباتية ، ننتظر ثقافة تنتشلنا من وهدة التخلف المرير بعيدا عن الحسابات الضيقة