أم حسين امرأة فقيرة مغلوبة على أمرها كملايين الفقراء من العراقيين الذين عاشوا على هامش التغيير ، في عراق ما بعد الصنم ، هي جزء صغير من طابور الحالمين ، المراوحين في أماكنهم منذ أن تنفسوا هواء هذه الأرض ، في بيوت الصفيح خلف السدة ، هذا الشاخص الأزلي للفقر والحرمان ، تقبع هي وبنت صغيرة وابن معاق ، بصحبة أربعة أخوات قاصرات ، فقدت إحداهن بصعقة كهربائية ، لمضخة ماء عاطلة ، تساعدهم في سحب الماء الشبه منقطع على حيهم الفقير . في بيت تم بنائه من الطين والصفيح ، بلا سقف ، نعم هكذا يعيش فقراء العراق في زمن الميزانيات الانفجارية ، وعصر المناضلين ، بيت من الصفيح بلا سقف غير أغطية النايلون التي تصدق بها البعض عليها لتكون سقف لها ولأسرتها البائسة تحميها من أمطار الشتاء . منذ عشر سنوات تعمل أم حسين عاملة خدمة باجر يومي في إحدى وزاراتنا السيادية الغنية ، التي تناوب على إدارتها ثلاث وزراء ، عينوا المئات من أقربائهم ومعارفهم ومنتسبي أحزابهم ومتملقيهم ، ومئات أخرى من النساء الجميلات ، إلا إن أم حسين بقيت لهذه اللحظة عاملة باجر يومي ،فقد رفض الجميع تعيينها على الملاك الدائم ، لأنها لا تنتمي لحزب ، ولم يكن احد أقاربها عضوا بكتلة ، أو سمسارا لأحدهم. أم حسين وبعد رحلتها الشاقة في متاهات الفاقة والعوز والحرمان هي ترفض الإصلاحات المقترحة ، وترفض حكومة التكنوقراط ، لأنها ببساطة لا تعرف معنى الإصلاح السياسي ولا التكنوقراط ، لكنها نعرف جيدا ، إنها من جيل سرقت أحلامه وحقوقه في وضح النهار ، على امتداد الأربعين سنة الماضية ، من قبل القوميين والبعثيين والإسلاميين وتجار الحروب والأزمات ، هي تعرف إنها ولدت في بلد غني ، يزخر بالخيرات والثروات ، إلا أن غياب العدالة الإنسانية هي من أوصلتها إلى ما هي عليه من فاقة وعوز . لم يكن عبد الكريم قاسم تكنوقراط ،حين استبدل بيوت الصفيح التي كان يسكنها فقراء العراق في الميزرة والشاكرية والوشاش ، ببيوت من الطابوق ، وأمم النفط بقانون 80 ، وانتشل الفلاح من سطوة وظلم الإقطاع بقانون رقم 30 . العراق ليس بحاجة اليوم إلى ذوي اختصاص لإدارته ، بقدر احتياجه إلى قادة يمتلكون ولو الحد الأدنى من الوطنية والانتماء وعفة اليد ، جميع الحكومات التي توالت بعد 2003 كانت تعج بالاختصاصات والشهادات العليا ، بغض النظر عن مدى صحتها ، إلا إن سبب خراب العراق وهذا الكم الهائل من السوء الذي نعيشه الآن هو ، إن معظمهم يفتقرون إلى عاملي الانتماء وعفة اليد ، يفتقدون إلى ابسط القيم والمفاهيم الإنسانية ، التي تتحكم بحراك الفرد في أي مجتمع أنساني، عبد الكريم قاسم وهوغو شافيز ومهاتير محمد هؤلاء القادة الوطنيون الذين تسلحوا بحبهم وانتمائهم لأوطانهم وشعوبهم ،كل ما قدموه لهما ، لم يكن نتاج خبرات فنية وإدارية امتلكوها مكنتهم من ذلك ، بقدر امتلاكهم قدر كبير من النزاهة والشعور بالمسؤولية . ام حسين وفقراء العراق ، بحاجة الآن إلى مثل هؤلاء القادة المخلصين ، لا إلى حكومة التكنوقراط .