الأغلبية الحكومية تجدد الدفاع عن تماسكها بعد تسخينات انتخابية    زياش إلى الدحيل القطري    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    أمطار الأربعاء تؤكد حاجة طنجة لمزيد من مشاريع الحد من الفيضانات    مدير "البسيج": الأجهزة الأمنية تسير بخطى ثابتة في محاربة الإرهاب دون مبالاة بمن يشكك أو يبخس    بوغطاط المغربي | تصاعد خطر الإرهاب يعيد النقاش حول "المسؤولية المعنوية" لمتأسلمي العدل والإحسان والبيجيدي وأبواق التحريض في اليوتيوب    أداء إيجابي ببورصة الدار البيضاء    بعد تعليق نتنياهو قرار اطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين.. تقارير اعلامية: "الإفراج من سجن عوفر سيتم خلال ساعات الليل"    أمر تنفيذي من "ترامب" ضد الطلاب الأجانب الذين احتجوا مناصرة لفلسطين    برقية تعزية ومواساة من الملك إلى خادم الحرمين الشريفين إثر وفاة الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز آل سعود    الوداد يعزز صفوفه بالحارس مهدي بنعبيد    ممثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين: المغرب يعتمد خيارا واضحا لتدبير إنساني للحدود    بايتاس: "التراشق والشيطنة" لا يخدم مكافحة الفساد والاستراتيجية الوطنية حققت 80% من أهدافها    أخنوش يتباحث مع وزير الخارجية اليمني و الأخير يجدد دعم بلاده لمغربية الصحراء    إطلاق النسخة الأولى من مهرجان "ألوان الشرق" في تاوريرت    بلاغ من طرق السيارة يهم السائقين    ساعات من الأمطار الغزيرة تغرق طنجة .. والعمدة يدافع عن التدابير    الملك يهنئ العاهل فيليبي السادس    قتلى في اصطدام طائرة ركاب بمروحية عسكرية قرب واشنطن    مقتل "حارق القرآتن الكريم" رميا بالرصاص في السويد    عاجل.. الوزير السابق مبديع يُجري عملية جراحية "خطيرة" والمحكمة تؤجل قضيته    عصام الشرعي مدربا مساعدا لغلاسكو رينجرز الإسكتلندي    قرعة دوري أبطال أوروبا غدا الجمعة.. وصراع ناري محتمل بين الريال والسيتي    مارين لوبان: من يحكمون الجزائر يخفون الحاضر.. لديهم اقتصاد مدمر، وشباب ضائع، وبلد في حالة تفكك    الوداد البيضاوي يعزز صفوفه بمهاجم صانداونز الجنوب إفريقي على سبيل الإعارة    وفاة الكاتب الصحفي والروائي المصري محمد جبريل    على ‬بعد ‬30 ‬يوما ‬من ‬حلول ‬رمضان.. ‬شبح ‬تواصل ‬ارتفاع ‬الأسعار ‬يثير ‬مخاوف ‬المغاربة    "ماميلودي" يعير لورش إلى الوداد    الاحتياطي الفدرالي الأمريكي يبقي سعر الفائدة دون تغيير    حاجيات الأبناك من السيولة تبلغ 123,9 مليار درهم في 2024    استقرار أسعار الذهب    الشرع يستقبل أمير قطر في دمشق    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    المغرب يحقّق أرقامًا قياسية في صادرات عصير البرتقال إلى الاتحاد الأوروبي    ""تويوتا" تتربع على عرش صناعة السيارات العالمية للعام الخامس على التوالي    افتتاح السنة القضائية بطنجة: معالجة 328 ألف قضية واستقبال أكثر من 42 ألف شكاية خلال 2024    مع الشّاعر "أدونيس" فى ذكرىَ ميلاده الخامسة والتسعين    الجيش الإسرائيلي يعلن تسلّم الرهينة الإسرائيلية في قطاع غزة آغام بيرغر    نيمار يتنازل عن نصف مستحقاته للرحيل عن صفوف الهلال    أمطار رعدية غزيرة تجتاح مدينة طنجة وتغرق شوارعها    أمير قطر يصل لدمشق في أول زيارة لزعيم دولة منذ سقوط بشار الأسد    مجلة الشرطة تسلط الضوء في عددها الجديد على الشرطة السينوتقنية (فيديو)    جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام 2025 تكرّم جهود بارزة في نشر المعرفة الإسلامية    المغرب التطواني يتعاقد مع مدير رياضي تداركا لشبح السقوط    جائزة عبد الله كنون تكرّم الإبداع الفكري في دورتها الثانية عشرة حول "اللغة العربية وتحديات العولمة"    مركز الإصلاح يواجه الحصبة بالتلقيح    6 أفلام مغربية ضمن 47 مشروعا فازت بمنح مؤسسة الدوحة للأفلام    الفنان المغربي علي أبو علي في ذمة الله    الطيب حمضي ل"رسالة 24″: تفشي الحصبة لن يؤدي إلى حجر صحي أو إغلاق المدارس    أمراض معدية تستنفر التعليم والصحة    المؤسسة الوطنية للمتاحف وصندوق الإيداع والتدبير يوقعان اتفاقيتين استراتيجيتين لتعزيز المشهد الثقافي بالدار البيضاء    المَطْرْقة.. وباء بوحمرون / الحوز / المراحيض العمومية (فيديو)    علاج غريب وغير متوقع لمرض "ألزهايمر"    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفساد الإداري والمالي في العراق .. وجه آخر للإرهاب

هل الإرهاب وحدة من يهدد كيان ووجود الدولة العراقية ويستنزف قدراتها وإمكانياتها ..؟ .. أم إن هنالك آفة خفية تتمثل بالفساد الإداري والمالي داخل مؤسساتها تعمل على نخرها وإضعافها من الداخل ، وتمثل الوجه الآخر لهذا الإرهاب ..؟.
لا يوجد تعريف ثابت ومحدد للفساد الإداري والمالي ، غير إن المختصين في هذا المجال اتفقوا على مجموعة من المفاهيم والأسس حول هذه الظاهرة المهمة والخطيرة التي تهدد حاضر ومستقبل الكثير من دول العالم ، وخصوصا دول العالم الثالث الذي يشكل الفساد الإداري والمالي مرضا مستفحلا في مؤسساتها ومرافقها الحيوية .. في دراسة ألمانية نشرتها وكالة القدس بريس استطاعت الخروج بتعريف عام للفساد الإداري والمالي على انه ..( حالة انتهاك للقوانين والانحراف عن تأدية الواجبات الرسمية في القطاع العام لتحقيق مكسب مالي شخصي ، ويعرف من خلال المفهوم الواسع بأنه الإخلال بشرف الوظيفة ومهنيتها وبالقيم والمعتقدات التي يؤمن بها الشخص، وكذلك هو إخضاع المصلحة العامة للمصالح الشخصية ،وغالباً ما يكون عن طريق وسطاء ولا يكون مباشراً ) .. وبينت هذه الدراسة الآليات التي يتم من خلالها انتشار هذه الظاهرة مثل .. ( الرشوة والاختلاس ، إساءة استغلال الوظيفة ، عدم تقديم الخدمة للمواطنين بعدالة ومساواة ، مخالفة القوانين واللوائح والقيم والأخلاق ، استغلال الفساد الحكومي من قبل القطاع الخاص ، الروتين الحكومي ووضع العراقيل في طريق مصالح المواطنين والتقاعس عن انجاز معاملاتهم ) ... في العراق لا أحد يمكنه أن ينكر أو يحاول التقليل من حجم الفساد الإداري والمالي المستشري في مؤسساته الحكومية ، وما وصل إليه حال البلاد والعباد من حالة نكوص وتراجع وعلى جميع الأصعدة بفعل هذا الفساد ، حتى احتل هذا البلد العريق بحضارته وعطائه الإنساني ذيل القائمة لأكثر الدول فسادا في العالم ليحتل المركز المائة والسبعون في تقرير منظمة الشفافية الدولية الصادر عام 2014 ميلادي أي في الترتيب الرابع ما قبل الأخير ، بعد أن ختم هذه القائمة كل من .. الصومال وكوريا الشمالية والسودان ، على الرغم من وجود ثلاث جهات رقابية فيه وهي ، ديوان الرقابة المالية ، وهيئة النزاهة ، ودائرة المفتش العام المتواجدة في جميع الوزارات .. والغريب في الأمر إن الفساد الإداري والمالي قد تحول إلى أسلوب حياة لدى كثير من العراقيين ، ووسيلة سهلة لكسب المال الحرام والحصول على امتيازات لا يستحقونها ، دون وجود فعل حقيقي على الأرض للوقوف بوجه هذا الفساد الذي ينخر جسد الدولة العراقية ، لا على المستوى الحكومي ولا على المستوى الشعبي ، بالرغم من المعاناة التي تعيشها الأغلبية المسحوقة من الشعب العراقي بفعل هذا الفساد ، والتي أصبحت تعيش بين فكي كماشة ، الفساد من جهة والإرهاب من جهة أخرى لأكثر من اثنا عشر سنة مضت ، في بلد عائم على بحيرة كبيرة من النفط .
المنظومة السياسية الحاكمة منذ عام 2003 هي نتاج ممارسة ديمقراطية وانتخابات أدلى كل منا بدلوه فيها حسب مزاجه ألاثني وانتمائه القومي والقبلي ، وكقول الإمام علي بن أبي طالب ( كيفما كنتم يولى عليكم ).. وظلت الكثير من الأصوات الحرة والشريفة تنادي بالتغيير قبل كل انتخابات دورة برلمانية جديدة ومنها المرجعية الدينية الرشيدة .. لكن الذي حدث إن بعض الوجوه تغيرت وبقي الفساد كما هو ، العراق يعيش منذ سنين وفق معادلة شاذة ومرتبكة أكثر هزلية من كوميديا دانتي ، الجلاد يشكو فيها من ظلم ضحيته ، والضحية تقبل يد الجلاد ، السارق والمسروق يشكوان الفساد ويطالبان بالتغيير ... فمن يغير من ..؟.
وفق هذه المعادلة الشائكة التي لا تريد فيها جميع الأطراف تجاوز عقدة الماضي القريب ، وأن تؤمن بحقيقة وحتمية ما آلت إليه الأمور بعد سقوط الصنم ، وهذا بدوره خلق نوعا من التناحر ألاثني والقومي والسياسي الذي أنتج الفوضى التي نعيشها الآن ، والتي استغلت من قبل الإرهاب والفاسدين ليحققوا مآربهم الدنيئة ، حتى أصبح الطرفان وجهين لعملة واحدة كلاهما ينخر في الجسد العراقي ويستنزفه .. بل ساعد الإرهاب على إرباك عمل مؤسسات الدولة العراقية وشجع الفاسدين على نهب خيرات العراق ... ستتحرر المدن العراقية الواقعة تحت سطوة الإرهاب عاجلا أم آجلا ، وهذا الأمر بدا اليوم واضح وجلي في ظل الانتصارات التي تحققها قواتنا المسلحة والحشد الشعبي الأبطال على دعاة التخلف والظلام داعش وإذنابها ، وسيصحو الشعب العراقي يوما على حقيقة مُرة، إن بلدهم قد تحرر من سطوة الإرهاب لكنه لا زال واقع تحت احتلال من نوع آخر لا يقل خطورة عن الإرهاب ألا وهو الفساد الإداري والمالي ، وان مئات المليارات من الدولارات قد سرقت وأهدرت دون أن يلمس الشعب منها أي شيء يذكر ، حيث بلغت ميزانية العراق للأعوام الخمسة الأخيرة أكثر من أربعمائة مليار دولار وقد أنفقت هذه الأموال جميعها ولم نرى جسرا شيد أو مستشفى بنيت أو طريق عُبد ، فأين ذهبت هذه الأموال ..؟.
وفي تقرير للجنة المالية النيابية يذكر إن الاحتياطي النقدي العراقي من عام 2004 ولغاية عام 2014 والبالغ خمسة وتسعون مليار دولار قد تلاشى ولم يبق منه إلا ملياري دولار ، دون معرفة الجهات التي انفق عليها أو الأبواب التي صرف منها ، وهم بصدد فتح تحقيق في هذا الموضوع .. وفق هذه المعطيات الخطيرة فأن العراق بحاجة إلى عشرات السنين كي يعيد توازنه ويؤسس لثقافة مضادة لثقافة الفساد التي بدء الشارع العراقي بتقبلها واستيعابها كجزء من نمطية اجتماعية لا تمتلك القدرة على التمييز بين الصالح والطالح ، فقد أصبح الفاسدون يمثلون شريحة اجتماعية مهمة ومحترمة لها وزنها ونفوذها في المجتمع ، حتى أصبح هذا الفساد تراكميا وهو اخطر أنواع الفساد بفعل غياب المراقبة والمحاسبة الصارمة ، وانعدام مبدأ الثواب والعقاب مع موظفي الدولة ، وهنا تكمن خطورة الموضوع ، حين يتحول الفساد إلى ثقافة اجتماعية ووسيلة حياة ينشئ عليها جيل بأسره يرى الكبار يسرقون دون رادع ، والفاسدون والسراق يتسنمون مناصب كبيرة في الدولة .. روا لي صديق إن احد أقاربه ذهب ليعيش في إحدى ضواحي لندن فشاهد ظاهرة غريبة هناك وهي ، ان أغلب سكان الحي يزدرون وينفرون من شخص يسكن معهم ذلك الحي ، وكلما سئل سكان الحي عن السبب يخبروه بأنه إنسان سيئ وبلا شرف ، لم يستطع قريبه ان يفسر معنى الشرف والسوء بمنأى عن جذوره الشرقية الإسلامية ، غير ان تفسيراته العربية للشرف تقاطعت مع المنظومة الأخلاقية للمجتمع الانكليزي ، لذلك عاود سؤاله عن سبب كره أهل الحي لذلك الرجل الذي بدا له رجل محترم جدا ... عندها اخبروه بان سبب ابتعادهم عنه ورفضهم له هو ( لتهربه من دفع الضرائب ) .. إن مثل هكذا وعي اجتماعي لا يمكن أن تصل إليه مجتمعاتنا بين ليلة وضحاها ، بل هي محصلة ثقافة ومسيرة طويلة امتدت لعقود طويلة تحمل فيها الجميع المسؤولية لإحداث التغيير في مجتمعاتهم حتى وصلوا إلى التقدم والرقي الذين هم عليه الآن .. لذلك نحن بحاجة ماسة كي نؤسس لمثل هكذا وعي اجتماعي ، ونمكن الإنسان العراقي من امتلاك القدرة على رفض الفساد ولفظ المفسدين بدء بصناديق الاقتراع ، والتعامل مع السياسيين وفق مبدأ ( المجرب لا يجرب ) ومحاولة إحداث التغيير عبر هذه الوسيلة الحضارية ، وكقول مؤسس سنغافورة الحديثة لي كوان يو .. ( القضاء على الفساد مثل عملية تنظيف السلم ، يجب أن تبدأ من الأعلى إلى الأسفل ) .. وانتهاء بتفاصيل حياتنا اليومية البسيطة وتشخيص الفاسدين والتثقيف على أنهم عضو فاسد وغريب في جسد المجتمع العراقي يتطلب اجتثاثه .. إضافة إلى إتباع عدة خطوات جادة وعملية من اجل القضاء أو تحجيم هذه الظاهرة الخطيرة ومنها ( تفعيل دور الإعلام بكافة فروعه في محاربة الفساد والتثقيف على محاربته ورفضه ، أصلاح الهيكلية الإدارية للدولة بكافة مؤسساتها واختيار الكفاءات النزيهة في إدارتها ، تطبيق القوانين والعقوبات على مرتكبي الفساد الإداري والمالي من موظفي الدولة ودون استثناء ، القضاء على الفوارق الطبقية بين موظفي الدولة العراقية من خلال وضع سلم رواتب موحد لجميع الوزارات وإحداث توازن في المخصصات والامتيازات الممنوحة لموظفيها ، استقلالية القضاء والتزام النزاهة والحيادية في التعامل مع المفسدين ، تفعيل العمل باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد) .. إن محاربة الفساد مسؤولية تضامنية لا يمكن ان تنهض بها جهة لوحدها فعلى الجميع أن ينتخو لهذه المهمة الصعبة والخطيرة ، وبالخصوص موظفي الدولة الذين يقع على عاتقهم الجزء الأكبر من هذه المهمة مثل .. المحافظة على أوقات العمل الرسمي ، تطبيق القوانين والالتزام بالأنظمة المعمول بها ، المحافظة على المال العام ، مراعاة الأدب والذوق العام في التعامل مع المواطنين أثناء انجاز معاملاتهم ، إدراك الموظف لأهميته ومحوريته في مكافحة الفساد ، فالعراق وثرواته أمانة في أعناق الجميع دون استثناء .. فيا أيها العراقيون الشرفاء ( لنحارب الفساد كما نحارب الإرهاب يرحمكم الله ) .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.