د. بلال الصبّاح ؛ كاتب سياسي عربي مقيم في جمهورية جنوب إفريقيا، وباحث في الشؤون الإفريقية تولى الرئيس الزيمبابوي روبرت موغابي (91) عاماً، الرئاسة الدورية للإتحاد الإفريقي ولمدة عام كامل، ويرى بعض الأفارقة بأنها إشارة غير مُشجعة، بينما صرحت جنوب إفريقيا بأن عملية الإنتخاب كانت مهنية وبالإجماع. والرئيس موجابي شخصية مُثيرة للجدل، وقد خضعت بلاده للحصار بعد مصادرته للأراضي الزراعية من البيض البريطانيين، ومنحها للسود الزيمبابويين. ويُذكر أن المحاولات الأمريكية والأوروبية فشلت في منع الرئيس موجابي من الوصول إلى رئاسة الإتحاد الإفريقي، فمن هو موجابي الذي يرفضه الغرب؟ وما هي مؤثراته على الساحة العربية!. أشارت مصادر مُطلعة ومؤكدة أن مجموعة تنمية دول الجنوب الإفريقي (سادك)، رفضت كل التبريرات المُقدمة من بعض الدول الإفريقية بشأن وقف دعمها لترشح الرئيس الزيمبابوي لرئاسة الإتحاد الإفريقي، وذلك خوفاً من توتر العلاقات الإفريقية مع الدول الغربية. وفيما يبدو أن جنوب إفريقيا وهي صاحبة قرار الدعم لم تكترث لهذه الدعوات، والمُتعلقة بإنتهاكات الرئيس موجابي الواسعة في مجال حقوق الإنسان. وهذه ليست الأولى؛ حيث مارست مجموعة (سادك) ضغوطها على أوروبا في إبريل الماضي، عندما قررت عدم المُشاركة في فعاليات (قمة التعاون الإفريقي الأوروبي) في بلجيكا، دون توجيه دعوة مُماثلة للرئيس موجابي لحضور القمة مع نظرائه من الجنوب الإفريقي. وعلى الرغم من أن زيمبابوي ضمن أسوأ الإقتصاديات العالمية، فقد مارست مجموعة (سادك) دور الستار الحامي للدولة الزيمبابوية حفظاً لها من كل تطلعات الغرب الأوروبي والأمريكي، وكانت قمة يوليو (2008) في شرم الشيخ بمثابة الفاصل في صد التدخلات الخارجية، حيث ضغطت جنوب إفريقيا على الأفارقة لمنع صدور أي قرار يُدين العاصمة هراري، كما استخدمت كل من الصين وروسيا حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي لمنع توجيه ضربات عسكرية أمريكية بريطانية كانت مُتوقعة. فالرئيس الزيمبابوي روبرت موجابي هو بمثابة الأب الروحي للكثير من الأفارقة، فقد كانت زيمبابوي الملاذ الآمن لبعض حركات التحرر الجنوب إفريقية خلال حقبة الثمانينيات وبداية التسيعينيات، وذلك بحكم الروابط القبلية والشراكات النضالية، غير أن الرئيس موجابي يكبرهم سناً وقدراً. ولأفارقة الجنوب فهم خاص لما يُسمى بإنتهاكات حقوق الإنسان في الجارة زيمبابوي، حيث يبدأ من عدم تفهم بريطانيا بأن الرئيس موجابي قد اضطر لإنتزاع ملكية الأراضي من البريطانيين، ف(70%) من مساحة زيمبابوي كانت مملوكة ل(4000) بريطاني فقط. وما فعلته الحكومة الأثيوبية في إقليم (أجنادين) الصومالي، قد يجعل زيمبابوي رمزاً للإنسانية، وذلك بالمُقارنة والتقدير بين الإنتهاكات الإنسانية لكليهما. ولكن قد يعود السبب الحقيقي إلى تربص الرئيس موجابي لكل من يُحاول نشر الثقافة الغربية وإحلالها محل الثقافة الإفريقية. والرئيس موجابي معروف بتصريحاته العنيفة تجاه الأبيض الأوربي، وهو لا يتردد أمام جمهوره وعلانيةً عندما يربط اللون الأبيض بثقافة الجنس الثالث. إذاً الرئيس موجابي هو بحد ذاته يُشكل مدرسة إفريقية فريدة من نوعها، كما أن موجابي هو لسان لبعض من الأفارقة الذين يعجزون عن تصدير التصريحات الناقدة واللاذعة للغرب. فحربه مع ثقافة الغرب هو ما يزعجهم وليس حقوق الإنسان كما يعتقد البعض. وعلى الجانب السياسي؛ وما هو مدى تأثير الرئيس موجابي بتصريحاته المُثيرة للجدل على الساحة الإفريقية وعلاقاتها الدولية، حيث يرى بعض الأفارقة بأنها غير مؤثرة على الشكل العملي، وغير مُلزمة التنفيذ، فالإتحاد الإفريقي قائم على نظام التصويت والأغلبية، ولن تتجاوز تصريحاته حدود المنابر الإعلامية. وأعتقد بهذا الرأي كذلك، وعلى إعتبار تصريحاته شخصية وغير مُلزمة، ولكن مع تصميم مجموعة (سادك) على توفير الدعم الكامل لوصول الرئيس موجابي لهرم الإتحاد الإفريقي لعام (2015) يضعنا أمام مجموعة من التوقعات، وأهمها هو رغبة مجموعة الجنوب بتحويل تصريحات الرئيس موجابي الشخصية إلى مطالبات مطروحة على طاولة الإتحاد الإفريقي، فهذا الرجل ليس لديه ما يخسره على الصعيد الداخلي لبلاده زيمبابوي، ولا حرج عنده عندما يجتهد بتصريحات غير مسبوقة نيابة عن بعض الأفارقة وعلىى الأخص العاصمة بريتوريا. ومن جملة هذه المطالب، وهي نابعة ومستوحاة من قراءتي لشخصية الرئيس موجابي خلال السنوات الماضية، وبالربط مع ملامح ومطامح بعض دول إفريقيا الجنوبية في سياستهم الخارجية، وهي كالتالي: أولاً: دعم القضية الفلسطينية بدون إستثناء لأي فصيل فلسطيني، وإن كانت حركة حماس هي الأقرب بحكم قربها من إيران، ولكن قد يتوسع الرئيس موجابي في طرحه للقضية الفلسطينية من منظوره الإفريقي، وليس ببعيد أن يعتبر مُقاومة (حماس) جزءٌ من النضال الإفريقي، فمُشكلة قطاع غزة ليست مع الدولة الإسرائيلية، بل هي مع الدولة المصرية، أي على الأراضي الإفريقية، وهي سيناء. فليس غريباً أن يُطالب الرئيس موجابي بإرسال قوات حفظ السلام الإفريقية إلى أرض سيناء لمُكافحة الإرهاب، وربما لمنع التحرشات المصرية بحركة نضال قريبة من العاصمة بريتوريا. ثانياً: المُبالغة في دعم قضية فصل الصحراء المغربية، وسوف يشهد هذا العام تصريحات حادة تجاه المملكة المغربية، وأعتقد أن المغرب يلتمس الحذر من أي تحركات على القارة الإفريقية، وخاصة في منطقة الجنوب الإفريقي، طالما أن موجابي على رأس الهرم الإفريقي. ثالثاً: نشأة مرحلة جديدة بين الأفارقة والعاصمة الخرطوم، وربما أن يُساهم الرئيس موجابي خلال هذا العام في بناء جسور الثقة بين الرئيس البشير والكثير من القادة الأفارقة وخاصة في الجنوب الإفريقي، وما أحوج الجنوب الإفريقي لصداقة الخرطوم في ظل حرب الوسط والغرب الإفريقي مع جماعة بوكو حرام. رابعاً: إعلان الرئيس موجابي بأن اليمن هو بوابة الإرهاب إلى القارة الإفريقية من جهة الشرق الإفريقي، وهذا قد يخلق توتراً لدى حكومة أديس آبابا خشية أن يكون الإعلان هو تميهد لمرحلة توجه الجنوب الإفريقي إلى شرق القارة. خامساً: وهو على الأغلب أن يستضيف الرئيس موجابي في العاصمة هراري العديد من الوفود ذات التأثير غير الإيجابي على بعض العرب كوفد من حركة البوليساريو وحركة حماس، وربما وفد يُمثل فيه الإخوان المسلمين. وما يجب الأخذ به في عين الإعتبار هو أن كل جديد سوف يُقدمه الرئيس موجابي خلال عام (2015) ليس إلا تمهيداً ليكون ضمن مُعطيات العاصمة بريتوريا، وإن لم تصدر هذه التوقعات أو بعضها، فهذا لا يعني أنها غير صحيحة أو بعيدة عن الأذهان الجنوبية، بل أنه لم يحن الوقت لإعلانها.