تراوحت ردود الفعل المغربية على دعوة الانضمام لمجلس التعاون الخليجي بين البرود الرسمي والتشكيك والرفض الشعبي التي وصفها البعض بالملغومة. واكدت الحكومة المغربية بشكل غير مباشر رفضها للدعوة وتمسكت برفع مستوى التعاون ووضع علاقته مع تكتل دول الخليج في نفس اطار تعاونه مع التكتلات الاخرى التي يتعاون معها. وقال خالد الناصري وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية إن المغرب يولي اهتماما كبيرا للدعوة 'الأخوية الطيبة' التي تلقاها من مجلس التعاون الخليجي للانضمام إلى هذه المنظمة، مضيفا انه 'سيباشر مناقشة جميع الجوانب التي من شأنها أن ترقى إلى أعلى مدارج التعاون الأمثل الذي يخدم المصلحة المشتركة لبلدان مجلس التعاون الخليجي وللمغرب وللقضايا العربية والإسلامية العادلة.' وقال الناصري أن المغرب تربطه بدول مجلس التعاون الخليجي علاقات تاريخية وإنسانية وسياسية واقتصادية وبشرية قوية، معربا في الوقت ذاته عن اعتزازه بنوعية هاته العلاقات التي تجمع الطرفين، وان دعوة الانضمام للمجلس وما ستسفر عنه من بحث عن أنجع السبل للرقي بالتعاون المتعدد الأشكال بين المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي، ليس فيها 'أي نوع من التناقض مع الالتزام الطبيعي الذي لا رجعة فيه للمغرب في نطاق اتحاد المغرب العربي لأن انضمام المغرب إلى أي فضاء إقليمي أو دولي أمر مطلوب وطبيعي نظرا للقيمة المضافة التي يمكن أن يقدمها للقضايا العادلة، وأنه بحكم موقعه الاستراتيجي فإنه يتواجد في العديد من الدوائر (اتحاد المغرب العربي، جامعة الدول العربية، منظمة المؤتمر الإسلامي، الفضاء الأورو المتوسطي، الوضع المتقدم مع أوروبا، حركة عدم الانحياز). وقال عبد اللطيف الزيان الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي بعد قمة خليجية عقدت بالرياض يوم الثلاثاء الماضي 'إنه وبناء على اتصال مع المملكة المغربية ودعوة المجلس لها للانضمام إليه، فوض المجلس الوزاري لدعوة وزير خارجية المملكة المغربية للدخول في مفاوضات لاستكمال الإجراءات اللازمة لذلك.' وابدت وزارة الخارجية المغربية الاستعداد الكامل لإجراء مشاورات معمقة مع المجلس 'من أجل وضع إطار للتعاون الأمثل مع هذه المنطقة الهامة من العالم العربي الإسلامي' الا انها حرصت على التذكير بتشبث المملكة الطبيعي والثابت بالطموح المغاربي وبناء اتحاد المغرب العربي 'الذي يعتبر خيارا استراتيجيا أساسيا للأمة المغربية'. ولم تول وسائل الاعلام المغربية الرسمية او الحزبية او المستقلة التي صدرت امس الدعوة الخليجية اهتماما ملحوظا واكتفت وكالة الانباء المغربية الرسمية ببث تصريحات الزيان وبلاغ وزارة الخارجية المغربية وتعليقات الصحف السعودية، في حين لم تحتل الدعوة الصفحة الاولى بأي من الصحف المغربية الرئيسية واكتفي بنشر تصريحات الزيان وردّ وزارة الخارجية المغربية بالصفحات الداخلية دون ان يعني ذلك عدم هيمنة الدعوة الخليجية المفاجئة على النقاش في الاوساط الثقافية والسياسية المغربية في ظل حراك مجتمعي يطالب بالتغيير والاصلاحات السياسية والدستورية والمجتمعية، وتخوف البعض من ان تؤدي الدعوة الخليجية التي وصفها كاتب مغربي ب 'النكتة البايخة' الى التراجع عن مكاسب تحققت بالبلاد بدل التقدم نحو المزيد من الاصلاحات. ويرى خالد السفياني الناشط والمحامي المغربي والامين العام السابق للمؤتمر القومي العربي ان الدعوة الخليجية للمغرب والاردن محاولة لاعادة تركيب محور 'الاعتدال العربي' الخاضع للاملاءات الامريكية والصهيونية بعد انهيار هذا المحور بسقوط نظام حسني مبارك في مصر الذي كان يشكل حماية امريكية لهذه الدول. وقال السفياني ل'القدس العربي' الذي يستبعد انضمام المغرب للمجلس الخليجي ان أي تعاون في أي ميدان بين الاقطار العربية يكون 'ايجابيا لكن خلق محاور وتحالفات (مشبوهة) يطرح اكثر من سؤال وعلامة استفهام'. الحرب المفترضة واوضح السفياني ان دول الخليج والسعودية تحديدا تريد 'ضم' المغرب والاردن تمهيدا لحرب مفترضة مع ايران بعد ان سعى محور الاعتدال العربي لتحويل ايران الى العدو الرئيسي للامة العربية بدلا من الكيان الصهيوني وشن حرب عليها في اطار استراتيجية امريكية صهيونية. وقال ان المغرب يعرف الان حراكا مجتمعيا ونقاشات ساخنة حول الاصلاحات وعلى دول الخليج، التي تخشى من الانتفاضات الشعبية، ان تلتحق بالمغرب من خلال الدفع باصلاحات نحو الديمقراطية واقامة دولة الحق والقانون وحماية حقوق الانسان. ويقول الكاتب رشيد شريت 'في الوقت الذي يخرج فيه الشعب المغربي مطالبا بملكية برلمانية، وبديمقراطية كاملة الرجولة والخلقة والخلق، نفاجأ بنبأ غريب مفاده بأن مجلس العائلات الحاكمة بالخليج العربي وجه دعوة للمغرب من أجل الانضمام لهذا التعاون العائلي الذي لا تجمعه روابط فعلية إلا رابط مساندة العائلة الحاكمة في الإمارات البترولية الخليجية، و اقتسام العائلات الحاكمة للضيعات الخليجية وآبارها النفطية؟'. واضاف 'إن ما يهمنا هو المغرب ومصلحة الشعب المغربي أولا وأخيرا وانضمام المغرب لهذا المجلس العائلي العشائري مهزلة بكل ما للكلمة من معنى! وانتكاسة سياسية إلى قاع العائلات الحاكمة وكأننا في العهود الوسطى! فكيف ننضم إلى إطار سياسي مكون من دول قبلية لا تملك أدنى مقومات الحياة السياسية الخاصة بالقرن الواحد والعشرين كالدستور؟ وقال: 'أي نعم نؤيد التعاون الاقتصادي والانضمام إلى مجلس اقتصادي بحت، يقوم على التعاون الاقتصادي وتبادل الخبرات وانتقال رؤوس الأموال واليد العاملة المغربية وتسهيل الاستثمار . أما التعاون السياسي فلا معنى له إلا حماية تلك العائلات الحاكمة عبر ضخ قوات مغربية في درع الجزيرة الموجه لقمع المعارضة الداخلية! وأظن أن تجربة تدخل الدرع في إخماد الثورة في مملكة آل خليفة بالبحرين لخير دليل على خلفيات هذه الدعوة الملغومة'. وشكك علي أنوزلا المحلل السياسي ورئيس تحرير موقع 'لكم' بالدعوة الخليجية وحقيقة الدوافع التي تقف خلفها وقال 'الفكرة مفاجئة وغريبة، فحتى يوم أمس لم نسمع يوماً بأن هناك طلباً من المغرب للانضمام إلى المجلس الخليجي، وتحقيق الفكرة يتعارض مع الحقائق الجغرافية والاستراتيجية.' وربط انوزلا الدعوة بما 'يجري في المنطقة العربية من حراك شعبي ينادي بالإصلاحات والتغيير، وربما تحسست هذه الأنظمة التي توصف بالرجعية في الخارطة العربية بمخاطر هذا الحراك، فأرادت أن تبني تحالفاً على مستوى القيادات.' ويستبعد انوزلا إمكانية خلق تحالف حالياً بين المغرب ودول الخليج 'بسبب الجغرافيا أولاً، وبسبب اختلاف الثقافات أيضا.' ويرى مصطفى مودن ان دول الخليج تريد اليد العاملة الرخيصة، تريد البشر ليخدمونها، وتعتبر نفسها غنية وأنها الأسياد والبقية مجرد خدم. وقال 'هؤلاء يريدون المغاربة لحمايتهم، فقد تعبت أمريكا من ذلك، هؤلاء يريدون من المغاربة درعا بشرية تحميهم من جار شرقي كعدو متخيل، وعوضاً عن أن يتقربوا منه ويتعاونوا معه، يساهمون في تسعير العداوة معه رغم كل السلبيات التي يحملها نظام هذا الجار الشرقي كما هو عليه حاله في السنوات الأخيرة، وطموحاته لتصدير 'ثورة' تخرب أكثر مما تبني. واضاف مودن أن هؤلاء الخليجيين بموقفهم الجديد والغريب هذا يريدون 'إنقاذ' الموقف حسب ظنهم وما يعتقدون من أن مشاكل المغرب هي اقتصادية ومالية فقط، وأن شبابه يريد الشغل فقط، وليس الكرامة والحرية وفصل السلط ، يظنون أن شباب المغرب عندما يجمع دولارات النفط ويقتني السيارات ويسد حاجات كثيرة نقول بدورنا إنها طبيعية ومن حقوقه الأساسية، لكن هذا الشباب وصل إلى مستوى من الوعي يجعله يفرق بين 'العصا' و'الجزرة'، ودول الخليج تلقت الآن الأوامر لتمد 'الجزرة'. وقال لا يمكن أن نقبل الاقتراب من أنظمة متخلفة تعيش سياسيا في القرون الغابرة، وتستعمل آخر صيحات الاختراعات الغربية. ليمدوا أيديهم إلى اليمن والأردن والدول المجاورة فهي الأقرب جغرافيا إليهم (وحتى إلى الصومال)، وهي في حاجة فعلا لمساعدتهم إذا كانت نيتهم صادقة ويأخذوا قراراتهم بأنفسهم. وانشأت حركة 20 فبراير الشبابية صفحة على موقع الفيس بوك تحت اسم 'لا لانضمام المغرب لمجلس التعاون الخليجي' وقالت احدى التعليقات 'لا يشرفنا الانضمام لمثل هذه الدول التي تفتقر لأدنى شروط الديمقراطية داخل بلدانها' وتؤطر حركة 20 فبراير الاحتجاجات الشبابية المغربية وتطالب باصلاحات دستورية وسياسية واقتصادية واجتماعية وتطالب بمكافحة الرشوة والفساد وفصل الثروة عن السلطة.