ربما يفتح التغيير في ليبيا الباب لكشف أسار لا حصر لها, علي نحو قد يتضاءل بجواره; كل ما أماط موقع ويكيليكس اللثام عنه خلال الأشهر الأخيرة. فضئيلة هي البرقيات الدبلوماسية الأمريكية التي نشرها هذا الموقع وكشفت معلومات مهمة عن ليبيا. , وقد انصب معظمها علي غرائب قائد الثورة التي كان الظاهر منها أكثر مما خفي, وعلي صراعات أبنائه ومغامراتهم. كما أن أسرار ليبيا القذافي ستكون أكثر أهمية من تقارير جهاز أمن الدولة المصري ونفاياته التي تعمد تركها بعد إحراق وفرم ما أراده منها. ولذلك فعندما تبوح ليبيا بأسرارها, سيقف العالم مندهشا, يختزن أركان النظام الليبي, ورجال الحلقة الضيقة فيه وآخرون مربوطة ألسنتهم معلومات عن احداث جسام هز بعضها العالم هزا, ولا تقتصر هذه الأحداث علي اغتيالات وتفجيرات شاركت فيها منظمات وجماعات وحركات راديكالية عربية وأجنبية, وليست علاقة القذافي مع منظمات مشهورة مثل حركة فتح المجلس الثوري ابو نضالوالجيش الجمهوري الإيرلندي والجيش الأحمر الياباني وغيرها ورجال من نوع إيليتش سانشيز كارلوس و إلا غيضا من فيض سيقف العالم علي أطراف اصابعه حين يبدأ في الانهمار. فقد أقام الزعيم الليبي علاقات مع أكثر من عشرين من تلك المنظمات بعضها ثوري والبعض الآخر مأجور رفع شعار بندقية للإيجار وانتجت تلك العلاقات مغامرات في كثير من أنحاء العالم لا نعرف عنها إلا القليل. والأرجح أن العالم سيعرف حين يفتح كنز أسرار ليبيا, قصة مشروعها النووي منذ ان حصل القذافي علي11 كيلو جراما من اليورانيوم المخصب, وحتي تخلي عن هذا المشروع عقب الغزو الأمريكي للعراق عام2003, وربما تتبين تفاصيل مثيرة عن اتفاقه مع موسكو في بداية ذلك المشروع, وعن صفقته مع واشنطن في نهايته. وكثير هو أيضا ما سيعرفه العالم عن الملفات التي مازالت مخفية أو غامضة في مسلسل الصراع الليبي الأمريكي, وخصوصا في الفترة بين خطف طائرة شركة تي. دبليو. أي في يونيو1985 وتفجير طائرة أخري فوق مدينة لوكيربي في ديسمبر1988. أما أكثر القصص إثرة فيما قد يكشف قريبا, فهي تلك المتعلقة بمشروع توريث السلطة وعلاقات العقيد القذافي مع حكام ونظم حكم في إفريقيا التي اعتبر نفسه ملك ملوكها, الي جانب ألقاب أخري مثل عميد الحكام العرب وإمام المسلمين وغيرها. فأما مشروع توريث السلطة الي سيف الإسلام القذافي فقد كان غموضه مساويا لوضوحه, فكم من اسئلة ظلت بلا إجابة حول موقف أشقاء سيف الإسلام القذافي الأقوياء الذين تولي أحدهم قيادة الفوج32 الذي يعتبر جيشا صغيرا والمخصص لحماية قلعة العائلة في باب العزيزية, وحجم الصراعات داخل العائلة التي لم يظهر منها إلا أقل من رأس جبل الجليد, ومواقف بعض الدول الكبري والتي انفق الوريث الطامح أموالا طائلة علي بعض مؤسساتها. وأما علاقات القذافي بإفريقيا فهي لا تخلو بدورها من أسئلة مثارة منذ أن توجه نحو إفريقيا عندما اعلن كفره بالعروبة, ويأسه من القومية العربية التي سبق أن أعطي نفسه لقب أمينها ونسب الي الرئيس جمال عبد الناصر انه هو الذي قال له ما معناه, اذهب فأنت أمين القومية العربية: والأرجح أن هذه القصص ستحوي من العجائب ما قد يشيب له الولدان. كما ان كشفها سيفسر موقف كثير من القادة الأفارقة واتحادهم الاقليمي تجاه ثورة17 فبراير. فقد تعامل الاتحاد الإفريقي مع الحرب التي شنها القذافي علي شعبه بنعومة شديدة, ولجأ الي شراء الوقت حتي يتبين كيف تمضي الأحداث, فأعلن تشكيل بعثة إلي ليبيا لتقويم الموقف علي الأرض دون أن يظهر ما يدل علي أي وجود لها. كما تجاهل بعض الدول الإفريقية أصابع اتهام أشارت اليها بالتواطؤ مع القذافي ومساعدته في جلب مرتزقة, والسماح لأوانه بنشر إعلانات في صحف تابعة لبعضها لهذا الغرض. وقد اعتقل المحتجون في ليبيا عددا من هؤلاء المرتزقة الذين قد يكون كشف النقاب عن دورهم هم بداية سيل من المعلومات عن نوع العلاقات التي ربطت القذافي ببعض الحكام الأفارقة, وطبيعة دبلوماسية الأموال والرشي,, التي لم يكن هو من اخترعها ولكن ما سيتضح في هذا المجال قد تبين أنه نقل هذه الدبلوماسية الي ضفاف بعيدة ربما تكون غير مسبوقة. والأرجح أن تفاصيل ووثائق شديدة الإثارة سيكشف عنها بشأن استخدام هذه الدبلوماسية علي الصعيد العربي, فثمة روايات كثيرة غير موثوقة حتي الآن في معظمها عن الدعم الذي قدمته السلطات الليبية لعدد غير قليل من الأحزاب والمنظمات والصحف والشخصيات السياسية, وكذلك لمثقفين وإعلاميين أساتذة جامعات عرب شاركوا في مؤمرات تراوحت أهدافها بين مساندة ليبيا الثورة وتمجيد سياسة القذافي ونظريته العالمية الثالثة وكتابه الأخضر, ومن أشهر المنتديات التي ضمت عددا كبيرا من الأحزاب والمنظمات والشخصيات العربية لفترة طويلة( الملتقي الثوري الديمقراطي العربي). وقد وجه د. خير الدين حسيب مدير مركز دراسات الوحدة العربية, وأحد أبرز المثقفين والسياسيين القوميين العرب, كتابا مفتوحا الي القذافي قبل أيام شرح له فيه( لماذا يريد قطاع كبير من الشعب الليبي, وهم علي حق إسقاط حكمك) وقال له:( إنك صرفت كثيرا من أموال الشعب الليبي في الترويج للكتاب الأخضر من خلال شراء ذمم بعض المثقفين العرب والأجانب) بمداهنة القذافي بل اسهموا في تضخيم ذاته, مثلما فعل بعضهم وأخرون غيرهم مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. وقد أتيح لكاتب السطور حضور مشهد واحد من هذه المشاهد الهزلية في زيارته الوحيدة حصرا الي ليبيا عام1991 بدعوة من اتحاد المحامين العرب لمشاركة في ندوة حول تطور الأوضاع في العالم العربي بعد حرب الخليج الثانية نظمها الاتحاد علي هامش مؤتمره الذي عقد في بنغازي, لم يكن عدد المتزلفين كبيرا, ولكن ما فعلوه كان من الكبائر التي اسهمت في فتح أبواب جحيم سبقت الأمة إليه. فليت هؤلاء وغيرهم يستوعبون هول ما شاركوا فيه وهم يتابعون ثورات شعوب الأمة بوجه عام, وما فعله قائد الثورة الذين تغنوا بأمجاده خصوصا, ويتأملون موقف صديقه وزميله من أيام الصبا عبد الرحمن شلقم عندما استفتي قلبه, فبدا انتصاره لشعبه ضد قائده كما لو أنه خارج فؤاده بعد ان أذهله سلوك حاكم يدعي انه لا يحكم ثم يخير أبناء شعبه بين ان يحكمهم أو يقتلهم ويجعل بلدهم جمرا.