مما لا شك فيه أن القلب النابض لمدينة آسفي و محور حياكة نسيجه الإقتصادي هو الميناء الذي كان بالأمس القريب عاصمة العالم بإسره في صيد السردين و بدون منازع ، و كان و ما يزال المتنفس للتخفيف من نسبة العطالة و فاتحة خير على عدد من المستثمرين من أبناء المنطقة أو الوافدين عليها على حد السواء، إلا أنه و في السنوات القليلة الماضية، بدأ هذا المعقل الإقتصادي يعرف تراجعا عن أداء وظيفته الإجتماعية بالمدينة مما انعكس سلبا على الصيادين الصغار و البحارة على اعتبار أن الميناء هو آخر فضاءات الإسترزاق بعدما لم يعد للأسر المسفيوية مكانا في معامل تصبير السردين و التي أقفلت أبوابها نظرا لتراكم الضرائب عليها و هجر عمالها نساء و رجالا كرها و بعدما أقفلت مصانع الفوسفاط أبوابها أيضا و بعدما آثر السردين و السمك الرحيل عن مياه آسفي البحرية نظرا للحجم المهول للتلوث الذي يقذف بنصفه جوا و بحرا حيث تعتبر نسبة التلوث بآسفي، 2.5% يقذف بها المركب الكيماوي في الهواء الذي نتنفسه على شكل دخان كثيف على مدار 24/24 و الذي تبلغ نسبة تسممه 16% ، فيما أصبحت عدد النساء المصابات بسرطان الثدي بآسفي في تزايد مستمر ناهيك عن عدة أمراض أخرى مختلفة تشعر بها ساكنة آسفي كالحساسية المستديمة في الأنف و الحنجرة وكذلك الضعف الجنسي و غيرها من الأمراض المزمنة... " البحار بين مطرقة السلطة و قهر المشغل"و بغض النظر عن الظروف المأساوية التي تساهم في تأزم وضع المدينة يوما بعد يوم و هي الظروف التي يتخبط فيها البحار و لتسليط الضوء أكثر على هذه المشاكل حاولنا الإقتراب منها لمعرفة حقيقتها ليتبين لنا عن عبارة مجموعة ضغط سخرت جهات مسؤولة و مقربة... لخدمة مصالحها المادية فأرباب المراكب الصغرى مثلا يؤدون واجب الصندوق الذي وضع كتعويض عن التلف أو الحوادث التي قد تصيب البحارة العاملين به و حددت مساهمة كل مركب ب 4% من مدخول كل مركب. كما أنشأ صندوق لإنقاذ أرواح البحارة و الذين يساهمون فيه ب 6% من مدخول مراكبهم إلا أن معظم أرباب هذه المراكب صرحوا أكثر من مرة بأن هذا الدور ما هو إلا سراب، و أفاد بعض البحارة العاملين في الميناء و الذين ساهموا في هذا الصندوق بأرزاقهم منذ نشأته، أن الجهات التي تمثل هذا الصندوق ما هي إلا مجموعة من " المرتزقة " مؤكدين على أن هناك عدة بحارة فقدوا مراكبهم و لم يعمل الصندوق على مساعدتهم. هذا وقد قيدت لجن وافدة من العاصمة نشاط الصيد، بإعطاء رجال البحر لوحات حديدية مرقمة على مركب بمثابة رخصة لم تستفد منها هذه الفئة على الرغم من حيازتهم لكل الأوراق القانونية المطلوبة و الرخص القديمة التي تضمن لهم حقهم في الإستفادة. و ذلك حسب رأي هذه اللجن فهم لا يتوفرون على مراكب كان من المفروض على الحكومة أو وزارة الصيد البحري أو صندوق الإنقاذ أو الصندوق الأسود... تعويضهم عنها كما هو الشأن لبحارة البلدان الأخرى كما أن المركب المخصص لإنقاذ البحارة و الذي يطلق عليه إسم "الحوز" فإن عملية إصلاحه تكلف الصندوق أموالا خيالية، و كذلك عملية الصعود و الهبوط و ذلك بتواطؤ مع ممثلي جمعيات قطاع الصيد البحري. و بعد كل هذه المعاناة و مكابدتهم الموت في جحيم البحر من جهة و جهة أخرى فإن بضاعتهم من الأسماك تتعرض لحصارين، حصار السلطة بكثرة الضرائب و حصار البرجوازية حيث و إن رسي المزاد على أحدهم أثناء عملية البيع، فإن بعض الأيادي الخفية تعمل على إعطاء أوامرها من الخلف لإجبار الصياد على حمل سلعته إلى شخص معين و بثمن أقل مما يستحقه. "كيفية التملص من الضرائب"وسعيا من أرباب المراكب الكبرى لصيد السردين إلى التهرب من الضرائب فإن محاسبيهم يقدمون للجهات المعنية مداخيل زهيدة، و بالتالي أجورا أزهد لكل بحار مما يجعله لا يحصل على تقاعده و الذي يضمن له العيش الكريم بعد العناء الطويل. و على الرغم من استحالة قبول المنطق لهذه الأجور فإن تلك الجهات المسؤولة (....) تغط الطرف مجاملة عن ذوي المال و النفوذ من أصحاب الشكارة، و كدليل على ذلك هو راتب البحارة اليومي و المدون على أوراق رسمية إذ يتقاضى بعضهم 253 سنتيما في اليوم أي درهمان و نصف قيمة نصف لتر من الحليب، علما أن جلهم معيلو عدة أسر، و معدل أفراد الأسرة للبحارة بآسفي يتعدى خمسة أفراد في تلك الأوساط الشعبية و بالإضافة إلى كل هذا و ذاك فإن هذه الفئة لا تعوض عن حوادث الشغل فمنهم من أزهق البحر روحه و منهم من بترت أصابعه و منهم من كسرت يده إلى غير ذلك... يأتون للبحث عن رب المركب لكن دون جدوى، و حتى إن وجدوه فتبقى الوعود الكاذبة هي الحل.. أما بالنسبة للعاملات التي يعملن في معامل التصبير فإن ساعات العمل لا تحتسب كلها على الرغم من كونهن يعملن في أغلب الأوقات ليل نهار، فإن أربع ساعات فقط هي التي تحتسب و بتواطؤ مع النقابات و ممثلهم، بالرغم من تحملهن مشقة الطريق على الأقدام لعدم توفر هذه المعامل على وسائل النقل الخاصة بالنساء اللواتي يشدن الرحال إلى المعامل منذ الرابعة صباحا من كل يوم مما يجعلهن عرضة لحوادث كثيرة... يحدث هذا في زمن الحريات و حقوق الإنسان و النقابات و دور السلطات المحلية و بذلك تدخل مدينة آسفي طي النسيان و تلفظ آخر أنفاسها في ظل كومة التناوب و زمن دهن السير إسير و أمام عجز الحكومة و فشلها و هي التي لطالما عزفت على أوتار أعصاب هذه الفئات المستضعفة.