معلومات أولية عن الكتاب. أ-عنوان الكتاب: “الجواهر الصفية في تاريخ الديار الآسفية” (الجزء الثاني من تاريخ آسفي وما إليه) ب-اسم المؤلف: الفقيه المدرس المحدث الخطيب المفتي والمؤرخ محمد بن أحمد الكانوني العبدي المزداد سنة1311ه/1893م ب رباط أبي زكرياء (دوارأيت علي) بالسهب الأحمر من أولاد زيد شمال مدينة آسفي، حسبما دونه بخط يده بكتاب “الجواهر الصفية…”. بدأ مشواره في طلب العلم بمسقط رأسه وأتمه متنقلا بين عدة حواضر مغربية، حيث نال إجازات كثيرة من عدد من الأساتذة والفقهاء الذين درس على أيديهم. له عدة مؤلفات في مختلف المعارف، توفي رحمه الله سنة 1938م بمدينة الدارالبيضاء. ج- دراسة وتحقيق: علال ركوك/محمد بالوز. –الاول: الأستاذ علال ركوك رحمه الله، باحث أكاديمي ومجتهد كبير على درب البحث عن الحقيقة التاريخية ببلادنا. اشتغل أستاذا بعدد من الجامعات المغربية لسنوات طويلة كما اشتغل بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط. “له عدة مؤلفات نذكر منها: -المقاومة وأحداث من التاريخ الاجتماعي في الادب الشفوي المغربي(1890-1956) نشر المندوبية السامية لقدماء المقاومين وجيش التحرير، سنة2001.. -المقاومة المغربية من خلال التراث الشفوي، نشر المندوبية السامية لقدماء المقاومين وجيش التحرير، سنة2004.
كما أنه تم تحت اشرافه إصدار 29 عددا من مجلة الذاكرة الوطنية و18 مجلدا من موسوعة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير بالمغرب و537 من الإصدارات والمؤلفات.” ساهم الراحل في تأطير عدد من البحوث وكانت له مساهمات في مجموعة من الابحاث والمقالات الفكرية والندوات والبرامج التلفازية المتعلقة بتاريخ المغرب وموروثه الفني/الشعبي. نذكر من المقالات: -بعض ملامح الموروث التراثي بآسفي وعلاقته بالبيئة المحلية وأنشطة الساكنة. -فضاء الحمام المغربي، قراءة في بعض الطقوس والعادات. -أصالة الفروسية بالمغرب. ساهم في ترجمة بعض الأعمال الى اللغة العربية الى جانب مجموعة من الاساتذة. نذكر منها: -آسفي في عهد الاحتلال البرتغالي1488-1541 لمؤلفه: جوزيف كولفن. -جهة عبدة لمؤلفه: أرمان انطونا. كما ساهم في تحقيق عدد من المخطوطات من ضمنها مخطوطات الفقيه الكانوني. توفي رحمه الله يوم الخميس 25 شوال 1438 هج الموافق ل 20 يوليوز2017م بالرباط. الثاني: الأستاذ محمد بالوز، من مواليد مدينة آسفي. * له اهتمامات بتاريخ مدينة آسفي ورجالاتها وباديتها ومعالمها الحضارية والعمرانية. * عضو جمعية البحث والتوثيق والنشر بآسفي. صدر له: *صفحات من تاريخ مدينة آسفي سنة 2004م. *مسار رجل تعليم سنة 2005م. *آسفي بقلم أربعة من الأعلام سنة 2006م. *آسفي زمن الحماية سنة 2007م. *آسفي من خلال جريدة العلم ج 1 سنة 2008م *آسفي من خلال جريدة العلم ج 2 سنة 2008م. كما ساهم في تحقيق عدد من مخطوطات الفقيه محمد بن أحمد الكانوني العبدي. د-الناشر: جمعية البحث والتوثيق والنشر. ه-الطبعة: الأولى. سنة:2015م. و-الغلاف الأمامي: يتكون من أربعة صور اختيرت بعناية لأماكن ومواقع تاريخية ودينية بمدينة آسفي، القاسم المشترك بينها هي أنها مشاهد عاصرها ولربما زارها مؤلف الكتاب، بحكم اهتمامه كمثقف زمانه أو بالنظر الى بعض المهام التي كان يزاولها بمدينة آسفي. ز-الغلاف الخلفي: اختار المحققان قولة للمؤلف لتكون على ظهر هذا الغلاف، يسمي من خلالها مؤلفه ب «الجواهر الصفية من تاريخ الديار الآسفية” ويحدد تاريخ الفراغ من تأليفه” يوم الاثنين الثالث والعشرون من ربيع الثاني سنة سبعة وأربعين وثلاثمائة وألف لهجرة….” *-ملاحظة لابد منها حول الكتاب: قد يتساءل باحثون ومهتمون، عن فكرة اعتبار كتاب ” الجواهر الصفية في تاريخ الديار الاسفية” جزء ثانيا لكتاب “آسفي وما إليه”، معللين تساؤلاتهم بكون الفقيه الكانوني لم يصرح بذلك، وبالتالي فإن هذه الخطوة -في نظرهم -غير موفقة كونها -في نظرهم -لا تعبر عن نية وإرادة المؤلف الذي ألف -في الواقع -كتابين منفصلين ومختلفين من حيث العنوان ويفصل بينهما فارق زمني طويل. وللتوضيح فإن الفقيه الكانوني قد أومأ من خلال تقديمه لكتاب ” آسفي وما إليه ” إلى أن هذا الاخير يتكون من ثلاثة أجزاء، الاول: خصصه لتاريخ آسفي التأسيسي والثاني: لتاريخه السياسي، والثالث: لتاريخ حياة رجاله من أهل العلم والصلاح والسياسة. وبناء عليه، فإنه من وجهة نظرنا، يعتبر كتاب” علائق آسفي ومنطقتها بملوك المغرب ” الجزء الثاني من ” آسفي وما إليه” في حين يندرج كل من كتابي “جواهر الكمال في تراجم الرجال ” بجزئيه، و”الجواهر الصفية لتاريخ الديار الاسفية ” ضمن الجزء الثالث من كتاب “آسفي وما إليه” نظرا لأوجه التقاطع والامتداد بين ” الجواهر”، حيث ركز الكانوني من خلالها معا على الأسر والبيوتات بكل من آسفي وباديتها عبدة. **-فهرس موضوعات الكتاب: المقدمة الفصل الأول: في تاريخ آسفي التأسيسي. الفصل الثاني: الكلام عن أهل آسفي. الفصل الثالث: فيمن أقبر برباط آسفي من العلماء والصالحين. الفصل الرابع: في قضاة آسفي. الفصل الخامس: في بيوتات أهل آسفي وعبدة. الفصل السادس: من دخل آسفي من الصلحاء والفقهاء وذوي الفضل منهم. الفصل السابع: في صلحاء آسفي وأحوازها. ملحق: ارشاد السائل إلى معرفة القبلة بالدلائل. عرض وتحليل لأهم العناصر الواردة في فصول الكتاب. بالنسبة للفصل الأول، فقد تمت الإشارة بمقدمة الكتاب إلى أن جزء صغيرا منه أخد من كتاب “آسفي وما إليه قديما وحديثا”، حتى ” تكتمل للقارئ بشكل عام الفكرة حول تاريخ مدينة آسفي ثم يطلع بالتفصيل على تاريخ أسرها وبيوتاتها ” علما أن الحاجة الى ذلك أملتها رغبة المحققين في تجاوز البتر الذي أصاب المخطوط الاصلي. بعد أن تحدث المؤلف من خلال هذا الفصل الاستهلالي عن بعض المعطيات الموضعية والموقعية لمدينة آسفي، بالاعتماد على بعض المعطيات الفلكية والطبيعية والمناخية، راح يتناول وصف وضعيتها في الماضي من خلال ثلة من النصوص العربية المختارة الى أن توقف عند حالة العمارة بها خلال عصره، مشيرا إلى عدد التغييرات العمرانية التي طالتها زمن السلم وزمن الحرب، قبل وبعد البرتغاليين وكذا خلال فترة الحماية الفرنسية. هذا وقد حاول الفقيه الكانوني تشفير لفظة “آسفي” حيث استعرض جميع الروايات المصدرية والمعجمية المفسرة ل”طوبونيم “آسفي، ونفس المنحى سلكه عند تناوله تاريخ تأسيس مدينة آسفي، حيث استعان في تبيان قدم وعراقة هذه المدينة على مصادر مندثرة ووثائق غميسة، تاركا المجال مشرعا أمام كل الاحتمالات مرددا من حين لآخر أمام تعدد الروايات عبارة “والله أعلم”. بعد الحيز الذي خصصه الكانوني لتاريخ تأسيس آسفي، تطرق لتاريخ عدد من “المرافق العمومية” المهمة بالمدينة، وفي طليعتها الرباطات والمحارس والأبراج والمزارات و الأشبارات وما كان لها من وظائف جهادية وعبادية وعسكرية وأمنية، كبرج دار السلطان وبرج الصقالة بالرباط وبرج كدية لعفو، وما اتصل بهذه المنشآت من أعيان محليين ونظار وملوك كانوا يحرصون على صيانتها من خلال ما كان يخصصونه لها من أحباس وأوقاف. بعد ذلك انتقل المؤلف الى المساجد والجوامع. فبعد أن وطن مواقع ما اندثر منها وخرب ودنس على يد البرتغاليين، قام بجرد عام لأهم المساجد والجوامع التي عاصرها بالثغر الآسفي وذكر منها المسجد الكبير ومسجد أفنان المعروف بالجامع الفوقاني ومسجد القصبة ومسجد رباط الشيخ ابي محمد صالح ومسجد الشريف سيدي التهامي الوزاني ومسجد الحاج محمد الحفيد ومسجد دار البحر. إلا أنه خص المسجد الكبير بحيز أكبر، فحدد نوعه من حيث المساحة وعدد الأبواب وزمن التأسيس والمؤسس الحقيقي، وما تعرض له من إصلاحات وإضافات عبر العصور، وأرجع الفضل في ذلك الى عدد من الملوك العلويين الذين أصدروا أوامرهم في موضوع العناية به إلى عدد من القياد والقضاة والامناء. ولم يفت المؤرخ الكانوني أن أثار مشكلات لها صلة بهذا المسجد، منها مشكلة انحراف قبلته حيث أرجع السبب في ذلك إلى” …كون البلدة حين انتقلت عنها الروم ]البرتغال [ودخلها المسلمون قليلة العلم خالية من العلماء العارفين بدلائل القبلة…” كما اثار الانتباه في نفس الوقت الى أن صومعته أقدم منه لأن مسجدها الأصلي اندرس حين استولى البرتغاليون على المدينة مطلع القرن السادس عشر. ومن المشكلات الأخرى ما تعرضت له خزانته للكتب من نهب وتخريب وانمحاء نتيجة لتصرفات بعض الأشخاص من جهة وفيضانات السيول الجارفة لواد الشعبة من جهة ثانية. تكلم الفقيه الكانوني كذلك -ضمن مرافق آسفي -عن مدارسها العلمية فذكر -بناء على عدد من المصادر- المدرسة القديمة التي شيدها السلطان المريني أبوالحسن والتي رجح أن تكون قد تعرضت للتدمير كسائر المساجد والمآثر الاسلاميةبآسفي، بعدها أشار الى المدرستين القديمة والحديثة وتاريخ تشييدهما والتغييرات التي خضعت لها عبر العصور، من تضييق وتوسيع وتحول في الوظائف، كما جرى للمدرسة القديمة التي أمام المسجد الكبير والتي كانت معدة لقراءة القرآن وتدريس العلوم. وذكر أن آسفي كانت الى عهده تضم عدد من الكتاتيب القرآنية “تزيد عن سبعة وثلاثين كتابا ما بين آسفيوالرباط وبياضة”. أما فيما يخص منجزات الحماية الفرنسية من مدارس تعليمية حديثة، فقد أشار الكانوني الى انشاء عدد من المدارس أدمجت اللغة الفرنسية ضمن المواد المدرسة لأبناء المسلمين منها واحدة خصصت للإناث فقط وأخرى خصصتها حصريا لأبنائهم وثالثة للطائفة اليهودية. بعد ذلك انتقل المؤلف الى الحديث عن الزوايا بحاضرة آسفي ،مركزا في البداية على التعريف بمؤسسة الزاوية ووظائفها الدينية والتعليمية والاجتماعية الأصيلة ،لكن في المقابل ونظرا لتناسل عدد كبير من مراكزها ومقراتها بمدينة آسفي ، فقد تطرق المؤرخ الكانوني – من موقعه هذه المرة كفقيه ومفتي -الى مشروعية تواجدها بمحاذاة المساجد، وذلك بالاستناد الى الكتاب والسنة النبوية الرشيدة، مبينا أن الزوايا تضر بوظيفة المسجد العبادية الممثلة في الصلاة ومقاصدها في نشر التآلف والتعارف اليومي بين الناس، وأن ربط العلاقات الودية بين الناس تتم بتكثير سواد المترددين على بيوت الله. حيث قال رحمه الله واصفا الحالة الدينية بمدينة آسفي بأسلوب الفقيه الداعية: ” وقد رأينا كثيرا من الزوايا زاحمت المساجد بالمناكب وفعلت في تشتيت هذه العصبة الاسلامية ما لم يفعله العدو بعدوه وكانوا كمن بنى قصرا وهدم مصرا، حيث يقولون ما أردنا إلا الخير، وهم ضيعوا خيرات وجنوا سيئات بتفريق جماعة المسلمين وعدم تكثير سواد المصلين في المساجد..” وقد واصل المؤلف الحديث عن أشهر الزوايا المتمركزة بمدينة آسفي، والتي حصر عددها في 13 خص كل واحدة على حدة بذكر هوية مؤسسها وتاريخ التأسيس وموضعها داخل المدينة أو خارجها ومستوى انتظامها وانضباطها. ولم يفته مرة ثانية أن جهر باستنكاره للطقوس المشينة لمريدي بعض الزوايا كما هو شأن الزاوية الحمدوشية وزاوية الشيخ محي الدين عبد القادر الجيلاني الحسني والزاوية المنسوبة للشيخ ابي عبد الله السيد محمد بن عيسى، لكنه أثنى بالمقابل على عدد آخر من الزوايا لعل أهمها زاوية أو رباط الشيخ ابي محمد صالح الماجري التي خصها بحيز أكبر نظرا لدورها التاريخي المشهود محليا وقاريا. واستكمالا للفائدة فقد خصص المؤلف حيزا وثق فيه عددا لا يستهان به من الشواهد والآثار التاريخية التي تحيط بمدينة آسفي ونواحيها ، فمن المدن المندرسة ذكر مدينة “سرنو” والغربية ومدينة “تيط نفطر” ومن القلاع والحصون ذكر حصن “زرول” وقلعة الصويرة(أوكوز) ومن القصبات ذكر قصبة بن حميدوش وقصبة الوليدية وقصبة عيسى بن نبيكة وقصبة أولاد حمان وقصبة القائد عيسى بن عمر العبدي ، ومن مراسي الساحل العبدي أرخ لمدينة قنط(كنتان) و مرسى أيير ومدينة الصويرةالجديدة ،وكلها آثار جليلة تناولها المؤلف من جميع الجوانب التاريخية والاثرية حسب ما وفرته له المصادر التاريخية من إشارات وفوائد ذات مدلولات مهمة جدا. لابد أن نقف بعض الوقفات مع هذا الفصل كي نحاول تلمس النزعة الكانونية في كتابة التاريخ المحلي لمدينة آسفي ونواحيها، وذلك من خلال الملاحظات التالية: -يستعمل الفقيه الكانوني في تدوينه للتاريخ، لغة عربية مفهومة لدى القارئ العادي والمثقف البسيط والباحث المتخصص، والجميع لا يغادرون نصوصه إلا بفائدة محققة. فهو يعرض ما توصل إليه من أخبار تاريخية متنوعة بخصوص مجال البحث (آسفي ومنطقتها) بعيدا عن السفسطة والتلاعب بالكلمات وتحميلها مالا تحتمل، كما دأب على ذلك معاصروه من الأجانب والمستكشفين الذين كان همهم الأساسي هو افتحاص بنيات المجتمع الآسفي، فكانوا يتيهون معرفيا ويجانبون الحقيقة التاريخية في أغلب الأحيان. -يتميز الفقيه الكانوني في تناوله للخبر التاريخي المحلي من خلال وضعه في سياقه الزمني، بدء من المنشأ مرورا بالأوج ووصولا الى الحالة الراهنة، حيث كان لايزال هو حيا معاينا وشاهدا، وغالبا ما يعبر عن ذلك ب ” وإلى عصرنا هذا….” أو” وأما الموجودة الآن…” أو ” وهي اليوم…”. أو ” كما هو الآن…”. أو” على هذه الهيئة الحالية ” أو ” لأنني رأيت….”…الخ. إن الفقيه الكانوني وهو يكتب التاريخ بهذه الطريقة التي تسعى إلى وضع القارئ العادي أو الباحث المتخصص أمام شريط وثائقي محسوس، لا نجد لها تفسيرا سوى أن الرجل كان يخوض معركة توثيقة مكثفة وصارمة لفائدة مدينته، حاضرها ومستقبلها، بعيدا عما يكتبه الأجانب، ولذلك نجده يكتب كل شيء مهما بدا تافها وصغيرا. -نلاحظ من خلال هذا الفصل أن الكانوني مؤرخ وفي للمدرسة الوثائقية في بعديها المكتوب والمروي، فهو يتعامل مع المصادر والمراجع ويضمن ما اقتطفه منها في المتن، كما أنه يأخذ بالرواية الشفوية بعد التأكد منها ولو كلفه ذلك التنقل ميدانيا للتأكد من صحتها عند كبار علماء عصره وثقاته. ولأن التاريخ معرفة تاريخية تتطور باستمرار على مستوى المنهج والمصطلحات، فإننا نلاحظ أن الكانوني لم يبق أسير المدرسة الوضعية، حيث انطلق في مقاربة الحقيقة التاريخية المحلية بشمولية أكبر، مسخرا كل المعطيات التي توصل اليها معتمدا على علوم عصره من معطيات فلكية وطبيعية وجغرافية وإحصائية ولسانية حتى، حيث نلاحظ مثلا إعماله للمقاربة الطوبونيمية في التعرف على معنى لفظة “آسفي”. كما اعتمد على العقود والحوالات الحبسية وعلى النقائش واللقى الاثرية في إثبات عدد كبير من التواريخ والمعطيات التاريخية، بمعنى أن الكانوني المؤرخ كان يؤمن بمفهومي توسيع مدلول الوثيقة وتوسيع مفهوم الحدث التاريخي وتلك من المبادئ الأساسية لمدرسة الحوليات، التى نظر لهما كل من ” لوسيان فيفر” و”مارك بلوك” مطلع القرن العشرين. – يكتب الفقيه الكانوني التاريخ بصدق وبرسالية، نظرا لتشبعه بالثقافة الدينية الاسلامية النهضوية التي تبحث في كيفة بعث الاسلام من جديد ، كمقوم أساسي من مقومات الهوية المغربية عموما والآسفية بوجه خاص .وهذا ما انعكس على طريقته في الكتابة التاريخية، فهو يتفاعل مع النصوص والمرويات بحذر شديد غير متسرع في القاء الاحكام ،الا بعد أن يتأكد من تطابق المصادر المتنوعة حول الخبر التاريخي الواحد ، فهو يستنطق المادة التاريخية عن طريق بسط كل الروايات أمام القارئ المفترض ،فاسحا له المجال لاستخلاص النتيجة بمفرده. ونفس المنهجية تنطبق على الحالة التي تتعارض فيها المصادر حول الخبر التاريخي المدروس، وهي التي غالبا ما يختمها المؤرخ الكانوني كعادته العلمية بعبارة “والله أعلم”. استهل الكانوني الفصل الثاني المعنون ب “الكلام عن أهل آسفي” بتمهيد جاء في شكل جرد عام لعدد كبير من الشهادات الموثقة، بشأن المميزات الطيبة لسكان مدينة آسفي، نهلها من مصادر عربية معروفة ومن أشعار منظومة من قبل أدباء وشعراء وفقهاء وعلماء وصلحاء حول ثغر آسفي وقاطنيه، وقد قدمها الكانوني كما هي للقارئ مشفوعة بتواريخ وحيثيات في غاية الدقة، حرص على ترتيبها زمنيا مبتدئا بالشهادة المشهورة للكاتب الوزير لسان الدين ابن الخطيب ، الذي زار آسفي قبل خضوعها للاحتلال البرتغالي بسنوات قليلة. بعد ذلك ترجم لعدد من بيوتات مدينة آسفي وعددها 56. لا نعتقد أن المؤلف قد أدرج الكلام عن ساكنة آسفي ضمن فصل خاص هكذا اعتباطا، وإنما جاء ذلك جوابا على الذين يلوون ألسنتهم تندرا بنعوث قبيحة في حق أهل آسفي، التي شهد علماء المغرب بصلاح سكانها وبطيب معشرهم وعلى مكارم أخلاقهم. ولاشك أن الفقيه الكانوني بحكم ترحاله وتجواله بآسفي وعبدة والقبائل المجاورة لها، وبحكم احتكاكه بالناس كخطيب ومدرس ومفتي، كانت تصل الى مسامعه تلك التخرصات المغرضة التي وجدنا صداها حتى عند بعض الكولونيايين أمثال “ارمان أنطونا” المراقب المدني لمدينة آسفي خلال سنوات(1929م-1931م) ، الذي ذكر بكتابه “جهة عبدة” عبارة منسوبة لسيدي عبد الرحمان المجذوب تقول: “أهل آسفي هينين لينين قلالين الدين لا إيمان لهم ما فيهم أحمد ولا محمد وما فيهم غير قارة وقرقارة وشقارة وهيمة وكوار..”. ولعل ادراج الكانوني أيضا للائحة البيوتات التي تحمل أسماء مختلفة وكثيرة وموثقة جاء تحديا منه وتفنيدا لتلك الادعاءات المغرضة. ومع ذلك فإن الشك يخامرنا فيما إذا كان المؤلف قد أحاط بكل بيوتات آسفي آنذاك، كما لا نعلم أيضا ما إذا كان موفقا في الاحاطة بجميع المعلومات، ضمن تلك التراجم التي خصها بكل بيت على حدة. أما الفصل الثالث فقد أفرده الكانوني للحديث عمن أقبر بمدينة آسفي ومحيطها القريب من العلماء والصالحين، حيث أشار الى الأماكن والأصول التي ينحدر منها هؤلاء وتاريخ ومكان وفاتهم، فمنهم من دفن بمقبرة رباط آسفي ومنهم من دفن خارج باب الاقواس ومنهم من أقبر بداخل اسوار المدينة العتيقة ومنهم من دفن بمقبرة أشبار. كما ضمن هذا الفصل الكرامات التي صدرت عن بعضهم، وما اكتسبوه من مكانة في النسيج الاجتماعي بمدينة آسفي نتيجة لسيرهم الحسنة وما زاولوه من حرف وما ارتبط بهم من علوم ومهارات، ناهيك عن ذكره لمساراتهم العلمية، وهذا يدل -في نظرنا- على حركية مشهودة للصلاح والعلم بمدينة أسفي ويفيد أيضا بأن هذه المدينة، كانت في الماضي نقطة استقطاب وفضاء مرغوب فيه، يتردد عليه ذوو الهمم العالية من النخبة العالمة من مختلف جهات المغرب وحواضره، بمعنى أنها كانت حاضرة علم وصلاح في آن واحد. الفصل الرابع: يدور موضوعه حول قضاة مدينة آسفي، وهو عبارة عن فهرسة عرض فيها الفقيه الكانوني أسماء الأشخاص الذين تقلدوا خطة القضاء بحاضرة المحيط، مستهلا إياه بقوله: “…بحثت بحثا بليغا واستعملت في ذلك جهدا كبيرا فلم أقف إلا على قضاة القرن الثاني عشر، وها أنا أذكركم جهد المستطاع والعلم بأخبارهم حسب الاطلاع منهم.” لقد وصف سيرهم (محاسنهم ومساوئهم) وذكر ملابسات ما عاناه بعضهم من مشاكل أثناء توليهم هذه المهمة الخطيرة، ذاكرا بالإضافة الى ذلك تكوينهم العلمي وعلى يد من من المشايخ والعلماء، خاتما ترجماتهم بتواريخ وأماكن دفنهم ، وذلك بالاستناد على روايات التقاة وعلى ما وقع عليه بصره من رسوم و رسائل للسلاطين العلويين في شأنهم. أما في الفصل الخامس فقد استأنف المؤلف الحديث من جديد وبشكل موسع حول البيوتات، لكن هذه المرة تحدث عن بيوتات أهل آسفي وباديتها عبدة معا. لقد استهله – كما بالفصل الثاني- بالتطرق إلى ما عرف عن أهل مدينة آسفي من أخلاق حميدة وخصال رفيعة، ليس من خلال الكتب والمصادر وحدها هذه المرة، بل من خلال ما سمعه هو شخصيا من أفواه بعض العلماء الذين التقاهم أثناء زيارته لعدوتي الرباطوسلا يوم الاحد 23صفر 1341هج، معززا ذلك بشهادة صاحب الاستقصا ابن مدينة سلا. ما يثير الانتباه في هذا الفصل أيضا، هو تطرق الكانوني إلى بيوتات الشرفاء بمدينة آسفي دون أدنى إشارة الى بعض شرفاء باديتها عبدة. ونظرا لأنه كان مستشعرا بحساسية هذا التصنيف، فقد وجدناه قد استبق جرد بيوتات الشرفاء بتمهيد مفاهيمي تناول فيه مفهوم البيت والحسب والشرف وعلاقة هذه المفاهيم بمفهوم العصبية، انطلاقا من توصيف العلامة ابن خلدون بأن” البيت والشرف بالأصالة لأهل العصبية ويكون لغيرهم بالمجاز والشبه…” بمعنى “أن الحسب والشرف أصليان في أهل العصبية”، كل ذلك تفاديا لما سيترتب عنه من الانتقادات سواء من جهة بيوتات الشرفاء التي حظيت بالذكر أم تلك التي لم تحظ به. نفس الملاحظة عبر عنها الاستاذ محمد بنشريفة في تعليقه على ما كتبه الكانوني حول البيوتات ننقله كما يلي:” إن عناية الفقيه الكانوني بتاريخ البيوتات وإن كان قدم خدمة تاريخية إل أنه موضوع لا يخلو من الحساسيات. وقسم البيوتات في كتاب “آسفي وما إليه” أثار الانتقاد سواء من الذين ذكروا أو لم يذكروا. والحق أن كلامه في البيوتات عفيفا لطيفا، ولكن رضى الجميع غاية لا تدرك….” بعد ذلك انطلق المؤلف متناولا في المقام الاول “بيوتات آل النبي صلى الله عليه وسلم إجلالا لتلك الطلعة البهية وتيمنا بالبضعة النبوية” مقسما إياهم إلى قسمين: الاول: من ثبت نسبهم بالحجج والظهائر الملوكية. الثاني: الذين ثبت نسبهم بالحيازة ومعرفة الناس إياهم بذلك. ومع ذلك فإنه لم يتم الامتثال بوضوح في المتن لهذا التقسيم، حيث تم وضع بدل العنوانين المذكورين عنوانين آخرين غيرهما: بيوتات مدينة آسفي (الشرفاء) وبعده بيوتات فرع البادية، مما يفهم منه على أن من ذكرهم بآسفي هم شرفاء وغيرهم من بادية آسفي هم غير ذلك، ناهيك عن ملاحظتنا بأن هناك خلل واضح في التصميم سوف نأتي على التوسع بشأنه في موضع آخر. لعل أهم ما ميز هذا الفصل هو تخصيص المؤلف ضمن بيوتات البادية حيزا كبيرا لبيت آل الكانوني، حيث سنكون لأول مرة أمام تفاصيل مهمة من حياة و ظروف نشأة الفقيه محمد بن أحمد الكانوني نفسه ، بعد أن ظل المهتمون يجهلون تلك التفاصيل لمدة طويلة بعد وفاته ، مكتفين ببعض العموميات المتداولة بينهم، كتلك التي أوردها صديقه العلامة عبد السلام بن عبد القادر بن سودة بكتابه “دليل مؤرخ المغرب الأقصى” في عام 1948م، والدكتور محمد بنشريفة في مقاله الشامل ضمن كتاب” آسفي: دراسات تاريخية وحضارية” الذي جمعت فيه أعمال الملتقى الفكري الأول لمدينة آسفي. بل أننا نجد الدكتور محمد بنشريفة في تقديمه للجزء الثاني من “جواهر الكمال في تراجم الرجال ” قد لاحظ على الفقيه الكانوني اهماله للترجمة عن نفسه ،بقوله:” …إن هذا الفقيه الذي كان مولعا بالتقييد نسي أن يقيد ما يتعلق بحياته كتاريخ ولادته ومكانها ونشأته وبقية أطوار حياته….” و سينتظر الجميع حتى حلول سنة 2000م حيث سيفصح الأستاذ محمد السعيدي الرجراجي بكتابه:” الفقيه محمد بن أحمد العبدي الكانوني، حياته وفكره ومؤلفاته” عن مقتطفات من حياة الفقيه الكانوني دونها بخط يده بكتاب “الجواهر الصفية في تاريخ الديار الاسفية “موضوع قراءتنا. أما الفصل السادس فقد خصصه الفقيه الكانوني لمن دخل آسفي من الصلحاء والفقهاء وذوي الفضل منهم، ويقصد بذلك النزلاء والعابرين لمدينة آسفي، سواء منهم الذين أتوا لطلب العلم أم لزيارة الأقارب أو من تقلدوا مهام للتدريس او مناصب عملية. وقد أسهب المؤلف كعادته في ذكر أسمائهم وأنسابهم وأصولهم ومستوى علمهم ومجالات تخصصهم، كما ذكر منتوجاتهم الفقهية وما اجتهدوا فيه من علوم ومعارف مختلفة وما صدر عن بعضهم من كرامات وشهادات جليلة في حق أناس آسفي. وقد ذكر ضمن هذا الجرد عدة أعلام ينتمون الى اسر وعائلات بعض السلاطين العلويين، معتمدا في وضع هذه تراجمهم على مصادر ذات ملمح منقبي مثل: -“التشوف الى رجال التصوف ” لا بن الزيات التادلي. -“الإحاطة في أخبار غرناطة” للسان الدين بن الخطيب. -“الديباجة “لابن حجر العسقلاني. -“نيل الابتهاج بتطريز الديباج” للشيخ أحمد بابا التنبكتي السوداني. -“مرآة المحاسن من أخبار الشيخ ابي المحاسن” للإمام ابي حامد محمد العربي الفاسي. -“وفيات الونشريسي” لأحمد بن يحيى الونشريسي. -” أنس الفقير وعز الحقير” لابن قنفد القسنطيني وغيرها كثير من المخطوطات والمصنفات والتراجم المختلفة. أما الفصل السابع والأخير فقد أفرده المؤلف في شأن صلحاء آسفي وأحوازها، ويقصد بهم أولئك الصلحاء والمجاذيب ساقطي التكليف من الذين ووريت رفاتهم – ذكورا وإناثا -بمدينة آسفي ونواحيها. لقد خصهم الفقيه الكانوني بجرد عام، ذكر فيه التواريخ والامكنة المضبوطة لوفاتهم وأمكنة وجود ضرائحهم وقببهم وأحواشهم وخلوات بعضهم، وما ارتبط ببعضها من فواحش وطقوس تقوم بها العامة ينكرها الشرع ويمقتها العقل. كما أشار ضمن تراجمهم الى الأزمنة والمناطق التي ينحدرون منها، وقد اعتمد في التنقيب على أخبارهم على ما وقع بين يديه من ظهائر توقير واحترام صدرت في حقهم، من طرف سلاطين زمانهم وعلى الثقاة من أقاربه بالإضافة الى الرسوم المؤرخة في حق بعضهم. كما أومأ الى عدد منهم كانوا قد حضروا الى عبدة لقتال البرتغاليين، وذلك حسب بعض التقاييد وروايات الثقاة. ولم يفت المؤلف أن ذكر أيضا مستوياتهم العلمية وعلى من تتلمذوا من المشايخ والفقهاء، وما صدر عن بعضهم/هن من الكرامات والمكاشفات وفوارق العادات. ومن هؤلاء الصلحاء من ذكر الفقيه الكانوني أنه سبق له أن التقى بعضهم خلال مرحلة صغره، بل منهم من حفظ الكانوني عنهم أيضا، لان كثيرا من هؤلاء الصلحاء كانوا فقهاء اشتهروا بالخير وتدريس العلم حيث كانوا يشرفون على مدارس حافلة بالقراء والطلبة، يقومون بمؤونتهم وتعليمهم، وقد حصر عددهم الإجمالي في 94 صالحا. بعد ذلك ختم المؤلف هذا الفصل بجرد لبعض المشاهير من الأعلام المنتسبين الى بيت الشرفاء من بني أمغار وحصر عددهم في 12. ولأن أضرحة وقباب هؤلاء غير موجودة لا بآسفي ولا بأحوازها، فإننا نرى بأن هذه الاضافة غير مناسبة ضمن هذا الفصل ، كما لا يجوز منهجيا ادراجها أيضا في سياق الحديث عن بيوتات آسفي من الشرفاء الامغاريين الذين ذكروا في الفصل السادس، ولذلك فإننا نرجح أن يكون مصدر هذه الزيادة بعض الاوراق المنعزلة من كتاب آخر للفقيه الكانوني يحمل عنوان ” تنوير بصائر الأبرار بتاريخ زاوية تيط وآل أمغار” ،والذي رجح الدكتور عبد الرحيم العطاوي أنه بقي في حوزة عائلة القائد السايسي. ملحق: ارشاد السائل إلى معرفة القبلة بالدلائل. أشرنا خلال الفصل الذي أفرده الفقيه الكانوني للحديث عن تاريخ وأحوال دور العبادة بأسفي من مساجد وجوامع ومقرات للزوايا، الى مشكلة الاختلال في القبلة ببعضها ومن ضمنها المسجد الاعظم ومقرات بعض الزوايا بمدينة آسفي. وحيث انها مشكلة دينية وشرعية ما لبث المؤلف يذكر بها، فقد انبرت بعض الاقلام في السابق إلى معالجتها بطرق علمية وفلكية، أشهرها رسالة “ارشاد السائل الى معرفة القبلة بالدلائل” لمؤلفها قاضي الديار الآسفية ومفتيها ابي عبد الله سيدي محمد بن عبد العزيز الاندلسي الذي “عاش في القرن الثاني عشر الهجري ويعد من كبار علماء آسفي في علوم الفلك والدين والتوقيت..”. وهي عبارة عن فتوى انتهى المؤلف من كتابتها يوم الجمعة 24 شوال سنة 1142 هج، استجابة لطلب توجه به اليه المدعو الطيب بن عبد الله بن ساسي السملالي. والحقيقة أن فكرة إدراج هذه الرسالة كملحق بهذا الكتاب كانت موفقة، حيث عززت قيمته العلمية والتاريخية. كما تجدر الاشارة إلى أن الرسالة المذكورة، كانت قد شكلت خلال النصف الاول من القرن العشرين مرجعا أساسيا في تصحيح قبلة المسجد الاعظم بآسفي، حيث استند عليها قاضي آسفي آنذاك محمد العبادي في تدعيم رسالته التي وجهها في30 رجب1353 هج الموافق ل 7 نونبر 1934م الى وزير العدلية الشريفة سيدي محمد الرندة ، وذلك استجابة لعريضة تقدم بها اليه عدد من علماء آسفي يلتمسون منه بواسطتها، تدخل السلطان محمد الخامس من أجل تقويم قبلة المسجد الاعظم. على سبيل الختم: قد يقول قائل بأن ما أولاه الكانوني من اهتمام في الترجمة للبيوتات والصلحاء والشرفاء بمدينة آسفي وباديتها عبدة، ليس ذي أهمية تاريخية وعلمية تذكر، فالعكس هو الصحيح في تقديرنا، ذلك أن ما يصطلح عليه في وقتنا الحالي بالبيوغرافيا التاريخية أ ي التراجم وعلم الأنساب باتت علما من العلوم المساعدة، وأداة لا غنى عنها لدى الباحثين والمؤرخين المحدثين في كتابة التاريخ البشري ووصف أوضاع الانسان في الماضي. بل إن تراجم الرجال والبيوتات بالطريقة التي تناولها المؤرخ الكانوني-ولو بأسلوب إخباري محض- تحيل الباحث المتمرس على آثار عجيبة وأخبار في غاية الأهمية، تساعده على مقاربة مواضيع ديمغرافية وإثنوغرافية واقتصادية واجتماعية وسياسية وذهنية وثقافية، تخص مدينة آسفي وباديتها عبدة على حد سواء، وتلك من الامور الجيدة التي تحسب لصالح الفقيه محمد بن أحمد الكانوني رحمه الله ، والذي يبدو بوضوح أنه تجشم صعوبات من أجل انجاز هذا العمل ، تمثلت في صولاته وجولاته على امتداد قبيلة عبدة والقبائل الاخرى المجاورة لها، وكذا في رحلاته بين مختلف الحواضر المغربية ، التي كانت تضم -آنذاك- لفيفا من العلماء والفقهاء والمشايخ ، الذين كان يلجأ اليهم لاستقاء المعلومات وتمحيص المعطيات. إلا أنه لابد من تسجيل مجموعة من الملاحظات، التي نرى أنها تنال من القيمة العلمية لهذا الكتاب، ونذكر منها: -افتقاره الى تصميم منهجي محكم، بحيث كان من المتيسر العمل على تقليص عدد فصوله إلى الحد الادنى، وذلك من خلال وضع عناوين عامة تستوعب كل العناوين المتشابهة أو المشتركة حول موضوع معين، ومن تم تفريعها الى عناوين صغيرة أكثر تحديدا مع استخدام الترتيب الرقمي أو الابجدي أو هما معا. ونفس الامر ينطبق على تلك التوطئات والاستهلالات المكملة بعضها لبعض، والتي يمكن تجميعها هي الاخرى من أجل التمهيد لبعض الفصول بعينها. -يضم الكتاب بين دفتيه أخطاء كثيرة جدا نظن أنها مطبعية، وهذا من شأنه أن يشوش على قراءته واستيعاب مضامينه من طرف جمهور القراء من المبتدئين. -يلاحظ ادراج عدد كبير من ترجمات البيوتات والصلحاء في هذا الكتاب، علما أنه قد سبق تضمينها بكتب أخرى للمؤلف ك “آسفي وما إليه” و ” جواهر الكمال في تراجم الرجال”، وهذا ما أومأ اليه المحققان ضمن الهوامش. -يتضمن متن الكتاب كلمات وعبارات فقهية وصوفية غميسة، كان بالإمكان وضع شروحات لها بالهامش بالاعتماد على معاجم اللغة أو استقاء معانيها من التداول اليومي. وعلى العموم فبالرغم من هذه الملاحظات الشكلية، بالإضافة الى معطى آخر يتصل بالمنهجية المتبعة في تدوين هذا الكتاب، حيث يظهر لنا الفقيه الكانوني مجرد إخباري يكتفي فقط بعرض المادة التاريخية دون أدنى تعليق، فإن ” الجواهر الصفية في تاريخ الديار الآسفية” يبقي مع ذلك مؤلفا قيما جدا، حاول من خلاله الكانوني كفقيه إخباري مهووس بالتقييد، أن يوثق لجانب من البنيات الدينية بقبيلة عبدة وحاضرتها آسفي. إنه بحق مؤلف يختزن بين دفتيه معلومات تاريخية وذهنية وتراثية، لن يقدر قيمتها سوى الباحثون المقتنعون بالكتابة التركيبية للتاريخ.