“جوطية درب غلف”، أشهر سوق في المغرب في الأعوام الأخيرة، في ظل فورة الهاتف النقال والأطباق اللاقطة، حيث تعاظمت شهرته، بعد أن قصدته أغلب أسر الدارالبيضاء والمدن المغربية الأخرى، علها تجد لدى قراصنته حلاً لفك شفرة (كلمة السر) القنوات وبعض الهواتف والأجهزة الإلكترونية الأخرى. في ذلك السوق، يبحث الجميع عن القراصنة، الذين خلع عليهم الجميع صفة المهندسين. يسارعون الزمن من أجل فك الشفرات، وفي أغلب الأحيان يفلحون في ذلك، كي ينسج الناس الكثير من الحكايات حول عبقريتهم. فهذا يؤكد أنهم منضمون إلى شبكة عالمية من القراصنة، وذاك يؤكد أن قراصنة روسا يمدونهم بسر الشفرات. يطلق اسم “الجوطية” في المغرب على السوق الذي تباع فيه الأشياء القديمة والمستعملة، لكن “جوطية درب غلف” الذي أحدث في 1982، بعدما لجأ إليها حوالى 500 تاجر كانوا يقيمون في سوق قديم أتت عليه النيران، لم يعد سوقا للقديم والمستعمل، بل أضحت فضاءً تعرض فيها آخر المنتجات التي تنزل إلى أحدث الأسواق العالمية. يمتد السوق على مساحة كبيرة، ويضم حوالى خمسة آلاف تاجر، حيث تجد في أزقته الضيقة محلات الملابس المستوردة من إيطاليا والنظارات والأثاث المنزلي الذي يستجيب لطلب جميع الفئات. كما تصادف فيها أشخاصا تخصصوا في المنتجات الآسيوية. وفيه تتعرف على تجار يبيعون منتجات غذائية مهربة من إسبانيا. غير أن السوق اشتهر في الأعوام الأخيرة بتخصصه في بيع الأجهزة الإلكترونية والهواتف، قبل أن يذيع صيت قراصنته الذين يبرعون في فك شفرات الهواتف النقالة وأجهزة استقبال القنوات المشفرة. يعتبر المواطن طارق الحداوي، الذي يتردد على ذلك السوق عدة مرات في الأسبوع، أن أرباح تجاره قد تتراوح بين 20 و 50%، ويؤكد أن العديد من التجار هناك تمكنوا من تكوين ثروات مهمة، خاصة بعد فورة الهاتف النقال التي عرفها المغرب في العقدين الأخيرين. الحداوي، يجزم بأن كل من يعرض بضاعته في هذا السوق يجني إيراداً لن يحلم به في أسواق أخرى. في أحد الأزقة الضيقة، استأجر محمد الزمري، محلاً تجارياً لا يتعدى مترا مربعا واحدا. هناك يعرض هواتف مستعملة. عندما تسأله عن تجارته، يؤكد لك أنه بعد أداء الإيجار الذي يصل إلى 600 دولار في الشهر، يتبقى له صافي دخل يتراوح بين 800 و1000 دولار. يؤكد المتخصص في تكنولوجيا المعلومات، المحجوب بلحسن، الذي خبر كواليس هذا السوق، أن “درب غلف” فقد الكثير من جاذبيته في الأعوام الأخيرة. فلم يعد يقبل عليه الكثير من أولئك الذين كانوا يأتون إليه من مدن أخرى، حيث تمكن بعض من شباب تلك المدن من تقديم خدمات لسكانها من أجل فك شفرات الهواتف النقالة أو إصلاح أو توفير هواتف مستعملة أو جديدة، كما يعملون على الاستجابة لطلبهم في كل ما يتعلق بالأجهزة الإلكترونية وأجهزة التلفاز الجديدة. فضلا عن ذلك لم يعد السوق الذي اشتهر بتوفير الأفلام المقرصنة، يجذب الباحثين عنها، على اعتبار أن العديدين أضحوا يحملونها من مواقع متخصصة أو يساعدونها على اليوتيوب. وفي دراسة للباحثة رجاء مجاطي علمي، حول السوق، أكدت أن تجارة الهواتف النقالة تتعرض لمنافسة شركات الاتصالات في المغرب، في سياق تفضي فيه الابتكارات الجديدة إلى تراجع الأسعار، في الوقت ذاته يشكل لجوء بعض المتاجر الكبرى إلى خفض أسعار أجهزة التلفاز نوعا من المنافسة الشرسة لدرب غلف. لكن بلحسن يعتبر أن الخبرة التي راكمها أصحاب محلات الهواتف في ذاك السوق، ما زالت تعطيهم حظوة لا تتأتى لغيرهم. فهم يتخصصون اليوم في تشفير الهواتف التي تستعصي على الآخرين، حيث يحصلون مقابل عملية واحدة على حوالى 100 دولار، كما يعمل البعض في بيع آلات التصوير التي يطلبها المحترفون. وأيا كانت التحولات التي تطرأ على نشاط التجار في هذا السوق، فإن بلحسن يعتقد أن كل من يدخله لا بد أن يحصل على نصيبه من “الرزق” الذي لا يتاح في أماكن أخرى. وفي الأعوام الأخيرة، توصلت الشركات العالمية إلى أهمية هذا السوق، حيث أضحى أصحاب محلات بيع الهواتف من عملائها الذين يساهمون في رفع أرقام معاملاتها. ويعتبر المواطن محمد الزمري، أنه رغم عدم احتكار السوق للتشفير البسيط وبيع الأجهزة الإلكترونية وأجهزة التلفاز، فإن أصحاب محلات بيع الهواتف في السوق يراهنون أكثر على إعادة بيع الهواتف المستعملة، التي تدر عليهم ربحا يصل في بعض الأحيان إلى 100 دولار للهاتف الواحد.