حاوره : إبراهيم الصافي تتجلى أزمة البحث العلمي في المغرب، في غياب رؤية استراتيجية كفيلة بالرفع من جودة البحث ومردوديته، وفي ضعف تأثيره على المحيط الخارجي للجامعة، هذه الأزمة لها مسببات وتمظهرات عديدة، منها ماهو مرتبط بالإختلالات البنيوية ، وبالسياسة التعليمية في شموليتها. أمام هذا الواقع يحاول بعض مسؤلو الجامعات والكليات تجاوز هذه الثغرات التي يتخبط فيها البحث العلمي في أفق الإصلاح الشامل للمنظومة التعليمية، والعمل على تجديد بنية البحث العلمي، وإدخال وحدات تكوينية ملائمة لمتطلبات سوق الشغل. وفي هذا السياق يشخص الدكتور جمال الدين الهاني عميد الكلية الأداب والعلوم الانسانية التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط في حوار له مع موقع برلمان.كوم، الثغرات التي تعتري الجسم الجامعي والبحث العلمي، ويقدم وصفته في إطار مشروعه لتطوير الكلية، بحلول وبدائل كفيلة بالنهوض بالجامعة المغربية، وتجويد مردودية هذا القطاع الحيوي والإستراتيجي في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. اللغات الأجنبية شر لا بد منه لتكوين باحثين بمستويات عالمية : في هذا الصدد قال الهاني إن مركز الدكتوراه بكلية الآداب سينظم الملتقى الوطني الثاني للباحثين الشباب على مدى 10 أيام في الفترة الممتدة ما بين 29 أبريل و13 ماي، تتخلله دورات تكوينية لفائدة 1000 باحث في سلك الدكتوراه. مؤكدا أن "الهدف من وراء هذا الملتقى في نسخته الثانية هو تشجيع الطلبة على الإطلاع على البحوث في الجامعات العالمية للرفع من جودة أطروحاتهم والإنفتاح على اللغات الأجنبية، والتكيف مع فضاء التكنولوجيات الحديثة وإدماجها في البحث العلمي". وأوضح الهاني في ذات الحوار أن "الإصلاح الجامعي المؤطر بقانون 01-00، جعل من سلك الدكتوراه تكوينا وتدريبا للطلبة الباحثين، حيث أصبح الطلبة يخضعون لتكوينات ودورات تدريبية" مشيرا إلى أن "تحضير أطروحة الدكتوراه لا يتم بمعزل عن المؤسسة، إذ بات مطلوبا أن يقوم الطلبة الباحثون بإجراء 200 ساعة من المساهمة في تنظيم الندوات وأخذ الدروس في وحدات تكوينية ومنهجية مختلفة". وأضاف الدكتور الهاني أن هذا "الملتقى العلمي المخصص للباحثين الشباب، سيكون فرصة للاطلاع على تجارب علمية مختلفة، والإستفادة من تكوينات مهمة في مناهج البحث العلمي، حول كيفية إعداد أطروحة الدكتوراه، بجودة عالية، وذات قيمة معرفية مهمة" معتبرا أن "النشاطات والتقنيات والأدوات البحثية التي تتناول الظواهر المجتمعية المستجدة، تهدف إلى زيادة المعرفة وتطوير إنتاج البحث العلمي وتسخيرهما في عمليات التنمية لمختلف جوانب الحياة". وكشف ذات المتحدث أن دورات التكوين خلال فعاليات الملتقى ستكون بثلاث لغات أجنبية، معتبرا أن "الطالب أحادي اللغة ليس له مستقبل في البحث العلمي، إذ لا بد من تمكن طلبة الدكتوراه من ثلاث لغات على الأقل". وأشار أيضا إلى أن مداخلات "المؤطرين والأساتذة خلال ندوات الملتقى ستكون باللغة العربية والفرنسية وباللغة الإنجليزية، وذلك حتى يستوعب الطلبة أن اللغة العربية غير كافية في عصر التكنولوجيا والمعرفة في إنتاج البحوث الجامعية". معربا عن أمله في تمكن الطلبة الباحثين بمركز الدكتوراه بكلية الآداب من ثلاث لغات ومن تخصصهم العلمي". وأكد العميد أن هذه "المهارات والكفاءات اللغوية ستسهل على الخريجين الإندماج في سوق لاشغل بسهولة". معطيا مثالا بنماذج من "طلبة تخرجوا من هذه الكلية يشتغلون بمجموعة من الوزارات لتمكنهم من اللغات الأجنبية". التكنولوجيات الحديثة فرصة للانفتاح على الأبحاث والتجارب العالمية عميد كلية الآداب عبر عن إصراره على جعل كلية الآداب بارزة ومتميزة في خريطة البحث العلمي في المغرب والعالم، وذلك عبر تسهيل الإجراءات للطلبة الباحثين بالانفتاح على الأبحاث التجارب العالمية، كي لا يصبح الطلبة الباحثون منغلقين على أنفسهم ولا يعلمون ماذا يجري في الجامعات ومراكز البحث العالمية". ودعا الهاني الطلبة إلى "الانفتاح على البحث العلمي في الجامعات العالمية، وأخذ كل ماهو مهم في هذه النماذج من مواضيع ومناهج علمية في البحث العلمي، والإطلاع على أساليب جديدة في إعداد الرسائل والأطروحات وكتابة المقالات العلمية". وأكد العميد على "ضرورة تنمية الابداع والابتكار لدى الطلبة وإدخال التكنولوجيات الحديثة في المنظومة البيداغوجية والتعليمية، من خلال الإستعانة بالمكتبات الرقمية"، مشيرا إلى أن "مستقبل البحث العلمي هو المكتبات الرقمية". وأخد العميد على عاتقه في إطار مشروعه إلى دفع الطلبة الباحثين إلى زيارة المكتبات الرقمية العالمية، وتشجيع الباحثين بالكلية ومختبرات البحث وفي جميع المستويات بهذا النوع من المكتبات التي تقدم أعمال علمية تواكب التطورات الجارية". الجودة والمنافسة .. الأفق المستقبلي للنهوض بالبحث العلمي في المغرب ومن جهة أخرى قال الهاني إن "التنافسية والجودة تفرض بالتأكيد تقوية أداء الجامعة لتساهم في تأطير المحيط السوسيو إقتصادي، ذلك من خلال وضع استراتيجية استباقية وتحضير الموارد البشرية المؤهلة ومجابهة القضايا العلمية والتقنية والثقافية والاجتماعية التي ستميز المستقبل". وأوضح أن "التحدي الأكبر للجامعة هو الإنتاج المعرفي والعمل وفق معايير الجودة المتعارف عليها دوليا، وتأهيل الباحثين وتقوية القدرات الإبداعية". مؤكدا أن "الكلية وإدارتها الجديدة تتوفر على الأدوات الفكرية و التقنية والمالية وخلق جو ملائم لكافة مكونات الكلية لربح هذا الرهان. وأشار العميد إلى أن" جامعة محمد الخامس تقوم بتنظيم عشرة جوائز سنوية من أجل تشجيع البحث العلمي وخلق أجواء التنافسية وإبداعية بين الطلبة الباحثين". ويتطلع المسؤول الأول عن الكلية إلى "تنظيم جائزة سنوية للأساتذة المتفوقين، وتحفيزهم على المشاركة في برامج البحث وطنيا ودوليا، وإعادة الدينامية للتظاهرات العلمية، وتفعيل سياسة التعاون الوطني والدولي" موضحا أن "الكلية خصصت غلافا ماليا للطلبة الباحثين وهيئة التدريس لحضور المؤتمرات والملتقيات العلمية الوطنية والدولية، وتتكفل بمصاريف التنقل والإقامة". انفتاح الكلية على وحدات تكوينية تلائم سوق الشغل : لأول مرة بالمغرب وفي سياق آخر مرتبط بنظام التكوين اقترح العميد في الجانب البيداغوجي أهدافا تقوم على إنجاح رهان الجودة في التكوين، وتجديد وتنويع عروض التكوين، من أجل الانفتاح على المحيط وتلبية انتظارات وحاجات المجتمع وخاصة سوق الشغل وذلك بإنشاء مسارات ممهننة جديدة تُنمي القدرات في مجال خاص من شأنه أن يفتح السبل لمزاولة العمل. وأكد الهاني قائلا "أخذت على عاتقي التحدي والمخاطرة بالانفتاح على وحدات للتكوين جديدة وغير متوفرة في المغرب، والعمل على تخريج باحثين بمواصفات عالمية، من أجل تكوين يلائم سوق الشغل، حيت طالبت هيئة التدريس بالكلية بتجاوز التكوينات الكلاسيكية وإقتراح مسالك تكوينية مبتكرة". وكشف أن الكلية ستقوم بفتح وحدات للتكوين في سلك الماستر لأول مرة في المغرب، منها ماستر "المتحفية" ولدينا وعد بتشغيل خريجي هذا الماستر في المتاحف الجهوية، وماستر "التواصل الثقافي" وماستر أخر يتعلق بالسجون بشراكة مع مندوبية السجناء، وآخر يخص الترجمة، هذا بالإضافة إلى طلبات الاعتماد لأزيد من عشرين ماستر. وقال الهاني إن "التحدي الذي تطرحه هذه المسالك التكونية الجديد يكمن في غياب الأطر المؤهلة في هذه المجالات، لهذا وفرت الكلية اعتمادات مالية لجلب مكونين من الخارج، لتكوين الأطر والكفاءات التي يحتاجها المغرب في هذه القطاعات الحيوية، ومصاحبة التطورات الاقتصادية والاجتماعية، ورفع تحديات البطالة التي أصبحت ترهق كاهل الدولة بسبب نهج تكوينات تقليدية ووفق قوالب أصبحت متجاوزة ولا تلائم سوق الشغل. إقبال متزايد من الأجانب على تعلم اللغة العربية بالمغرب : يتزايد الطلب على تعلم اللغة العربية من قبل الأجانب بالمغرب، حيث أكد الهاني أن "كلية الآداب أصبحت قبلة للأجانب لتعلم اللغة العربية، حيث يتقاطر على الكلية وفود أجانب من تركيا وأستراليا وأمريكا وكندا وماليزيا والصين لعقد شراكات التعاون". وأوعز العميد هذا الإقبال المتزايد إلى الاستقرار الذي ينعم به المغرب، إذ كان هؤلاء الأجانب يتوجهون في السابق إلى مصر وسوريا وتونس، غير أن الأوضاع الأمنية في هذه البلدان غيرت وجهتهم نحو المغرب. واعتبر جمال الدين الهاني أن هذا الاقبال المتزايد فرصة تاريخية أمام الجامعات المغربية لتكون في مصاف الجامعات العالمية.