في فبراير من العام الماضي، نظم بنك المغرب ورشات عمل مع الصحافة عن إصلاح نظام الصرف، لطمأنة المواطنين بأن المسار الذي ينوي من خلاله تحرير سعر صرف الدرهم “لن يكون مثلما حدث في مصر وتركيا”. الحكومة ،أعلنت أمس الجمعة، أولى خطوات تعويم الدرهم، تشمل زيادة المساحة التي يمكن أن يتحرك فيها سعر الدرهم عبر اعتماد نظام جديد “أكثر مرونة” لسعر الصرف. وقالت الحكومة، في بيان أمس الجمعة، إن وزارة الاقتصاد والمالية قررت بعد استطلاع رأي بنك المغرب، اعتماد نظام جديد، بداية من يوم الاثنين، يسمح بتحرك سعر صرف الدرهم بنسبة 2.5% زيادة أو تراجعًا بدلاً من نسبة 0.3% المطبقة حاليا على سعر الصرف الأساسي المحدد من قبل بنك المغرب. ويتحدد سعر الصرف الأساسي لدى بنك المغرب على أساس سلة العملات المكونة من اليورو والدولار الأمريكي بنسبتي 60% و40% على التوالي. الفرق بين مصر والمغرب : يقول خبراء اقتصاد حسب صحيفة “مصراوي” المصرية أن بنك المغرب حاول تمهيد الرأي العام لتعويم الدرهم في فبراير 2017 وطمأنته، خاصة بعد حالة الغلاء التي تسبب فيها تحرير سعر الصرف في مصر، واعتراف صندوق النقد الدولي بأنه أخطأ في تقديراته بالنسبة لتراجع سعر الجنيه المصري بعد تحرير سعر الصرف. وقال البنك المغربي وقتها، إن أهم الفروق التي تتمثل بين “إصلاح نظام الصرف” في مصر والمغرب، أن الإصلاح في المغرب “طوعي ومُحضر له وتدريجي ومنظم”، في حين كان في مصر “قسريا وغير منظم” في إشارة على أن الأوضاع الاقتصادية وبرنامج اتفاق مصر مع صندوق النقد جعلا مصر في موقف المضطر لتعويم الجنيه. وأضاف بنك المغرب، أن وضع احتياطي النقد الأجنبي في المغرب ومصر مختلف في وقت اتخاذ القرار في كل منهما وقال البنك المغربي، بحسب موقعه الإلكتروني، إن احتياطي مصر وقت تعويم الجنيه كان غير ملائم لأنه كان يمثل 50% من مقياس كفاية احتياطيات الصرف، وذلك بعد أن تراجع بنحو 25 مليار دولار. “احتياطي النقد الأجنبي في المغرب ملائم ويتراوح بين 100 و150% من مقياس كفاية احتياطيات الصرف، وهذا الاحتياطي يتزايد” بحسب بنك المغرب. وأضاف أن الفارق في التضخم في كلا البلدين وقت قرار التعويم،أقل من 2% في المغرب، وكان حوالي 23% في مصر. “كما أن السوق السوداء للعملة غير موجودة في المغرب في حين كانت موجودة في مصر قبل التعويم” بحسب البنك. وتندرج الخطوة التي ينفذها المغرب بدءا من الإثنين المقبل، تحت إطار “التعويم المدار” الذي تتحكم فيه الحكومة عبر وضع حدود دنيا أو قصوى، وبالتالي تأثيره على التضخم لن يكون بنفس قوة التعويم الحر الذي نفذته مصر خاصة مع أوضاع اقتصادية متدهورة أدت لتراجع حاد في سعر الجنيه. كما أن الوضع الاقتصادي في المغرب أفضل نسبيا مع اتخاذ إجراءات إصلاحية مسبقة مقارنة بوضع مصر قبل إصلاح نظام الصرف، حيث وصل عجز الموازنة إلى حدود 3.5% مقابل 12.5% في مصر عام 2015-2016، كما أن احتياطي النقد الأجنبي، والبطالة في وضع أفضل مما كانت عليه مصر حسب ذات خبراء الإقتصاد. ولكن على الرغم من هذه الفروق سواء التي اتخذها بنك المغرب ستارا لطمأنة المغاربة بشأن آثار تحرير سعر الصرف أو التي تظهر عند المقارنة في الأوضاع الاقتصادية قبل التعويم في البلدين، (والذي بدأ خطوته الأولى فقط في المغرب)، إلا أن هناك بعض التشابه أيضا في الحالتين تجنب بنك المغرب ذكرها. أوجه تشابه بين الحالة المصرية والمغربية : أول هذه التشابهات حسب خبراء اقتصاد أن صندوق النقد الدولي يقف خلف الستار بشأن قرار التعويم في كل من البلدين. فبينما كان تعويم الجنيه ضمن الإجراءات المتفق عليها بين مصر والصندوق للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار من الصندوق، سبق المغرب مصر في الاتفاق مع الصندوق في يوليو 2016 للحصول على قرض بنحو 3.5 مليار دولار. وأكد صندوق النقد في عدة مناسبات على ضرورة إسراع المغرب في الانتقال إلى سعر صرف أكثر مرونة للدرهم من الوضع الحالي ضمن الإصلاحات الاقتصادية التي تنفذها الحكومة هناك. وقال خبراء الصندوق في تقرير المراجعة الثالثة لأداء الاقتصاد المغربي، “ينبغي أن تمضي السلطات قدما في خطتها الموضوعة للتحول إلى نظام استهداف التضخم وزيادة مرونة سعر الصرف، مما سيساعد بدوره في الحفاظ على التنافسية وتعزيز قدرة الاقتصاد على امتصاص الصدمات”. يأتي ذلك في الوقت الذي تؤكد فيه كلا الدولتين أن برامجهما الإصلاحية وإصلاح نظام الصرف هي إجراءات وبرامج وطنية لم يفرضها الصندوق عليها. وثاني هذه التشابهات تعود إلى العبارة السحرية التي استخدمها البنك المركزي أو الحكومة في الدولتين وهي “أسعار صرف أكثر مرونة”، قالتها الحكومة أمس عند إعلانها عن بدء تنفيذ تعويم مدار للدرهم المغربي في إطار تحرير سعر صرف تدريجي قد يصل في النهاية إلى التحرير الكامل. وأيضا قالها البنك المركزي عند اتخاذ خطوة شبيهة في مارس 2016 أي قبل تحرير سعر الصرف بنحو 8 أشهر، عندما خفض سعر الجنيه أمام الدولار بنحو 105 قروش بنسبة انخفاض نحو 13%. وقال البنك المركزي المصري وقتها: “قرر البنك المركزي انتهاج سياسة أكثر مرونة فيما يتعلق بسعر الصرف والتي من شأنها علاج التشوهات في منظومة أسعار الصرف، واستعادة تداول النقد الأجنبي داخل الجهاز المصرفي بصورة منتظمة ومستدامة تعكس آليات العرض والطلب”. ولكن ما كان يستهدفه البنك المركزي وقتها من هذا الإجراء لم يتحقق إلا بالتعويم الكامل للعملة في الثالث من نوفمبر 2016، فهل يتكرر ذلك مع المغرب مع الفارق أنه ليس هناك سوق سوداء للعملة هناك كما كان الحال في مصر.