يعرف حزب العدالة والتنمية تطورات متسارعة على أكثر من صعيد – أسابيع قليلة- على عقد مؤتمره الوطني الثامن. تطورات تؤكد بداية فقدان الحزب لكل مقوماته التي تميزه عن باقي الأحزاب المغرب من ناحية الانضباط والتنظيم والانسجام والاستقلالية ووحدة الصف في زمن اختارت فيه جل الأحزاب الانبطاح المطلق والتخلي عن مهامها الدستورية والتسابق في خدمة السلطة التي هي – اليوم – في غنى عن خدمات اي حزب، بل انها أصبحت تشتكي من اتكالية هاته الأحزاب ومن تخليها القيام بأدوارها الوسائطية في مجتمع يعرف تحديات كبرى . وقد جاء سقوط بنكيران في انتخابات المجلس الوطني من طرف المقربين اليه ليعقد الامور داخل حزب العدالة والتنمية ووضعه في تناقض بين قرار لجنة الأنظمة والمساطر بتعديل المادة 16 من النظام الأساسي من اجل تمديد ولاية ثالثة لبنكيران وقرار المجلس الوطني رفض هذا التعديل ليدخل الحزب بعد ذلك في تصدعات داخلية وحروب قانونية وسياسية تشير الى بداية انهيار الحزب وإمكانية تخلي الدولة عنه اذا ما تأزمت وتعقدت أموره أكثر من بعد مؤتمره الوطني- الذي تدل كل المؤشرات على إمكانية وقوع انشقاقات داخله – في سياق تعمل السلطة فيه على إعادة ترتيب المشهد الحزبي . سياق عقد المؤتمر غامض ومعقد : تؤكد كل المؤشرات ان سياق المؤتمر الثامن لحزب العدالة والتنمية سيكون من أصعب وادق سياقات مؤتمراته الوطنية لكونه مؤتمرا سيفتح الحزب على بلقنة حقيقية لن تنتهي بتمديد ولاية ثالثة لبنكيران من عدم تمديدها .ومن المتوقع ان يحضر كل شيئ في هذا المؤتمر لقلب كل الحسابات والتكتيكات والاستراتيجيات لكل من تيار الاستوزار وتيار بنكيران ، لكن الحزب سيكون اكبر ضحايا هاته الحسابات. أبعاد قبول او ورفض ولاية ثالثة لبنكيران : الخلاف حول تعديل المادة 16 من النظام الأساسي من عدمه بين اعضاء المجلس الوطني يتجاوز مسالة التعديل انه خلاف سياسي في العمق بين: أ- تيار الوزراء وصقور الحزب وناخبيه الكبار للتخلص النهائي من بنكيران -الأمين العام الكارزماتي والمشاكس والشعبوي والمزعج- تحت ذريعة أولا : تأمين الحزب من أي صدام مع الدولة على أساس ان إعفاءه من طرف الملك هو إعفاء سياسي موجه لبنكيران وليس للحزب . ثانيا تمديد ولاية ثالثة لبنكيران هو تقوية وضعيته للاستفراد بالحزب وتوظيفه لتصفية حساباته مع الدولة ، وتعديل المادة 37 لمنع الوزراء ان يكونوا أعضاء بالأمانة العامة بالصفة ، والتدخل لتصحيح مسار الحكومة في علاقاتها مع الدولة وأحزاب الأغلبية الحكومية وأحزاب المعارضة . ب- تيار تمديد ولاية ثالثة لبنكيران تحت ذريعة حماية الحزب من أي انحراف واختراق وتحكم خصوصا بعد ما أبان عنه رئيس الحكومة الحالي السيد سعد العثماني من ضعف في تدبير الشأن الحكومي رغم ما خول له الدستور من صلاحيات مهمة وواسعة.وعليه فالخلاف بين التيارين السابقين حول تعديل المادة 16 من النظام الأساسي من عدمه ليس قانونيا بل انه سياسيا يتعلق بتصفية الحسابات بين صقوره خصوصا بين بنكيران والعثماني من جهة ، ومن جهة أخرى الحد من توغل الحزب داخل هياكل الدولة والسلطة وهذا ما لن تقبل الدولة بعد فشل كل مخططاتها في إضعاف حزب العدالة والتنمية الذي أصبح أكثر قوة في عهد بنكيران الأمر الذي يفهم منه ان أي تعديل لولاية ثالثة لبنكيران يعني إفشال كل المخططات الداخلية والخارجية لإضعاف الحزب . قادة الذراع الدعوي للحزب هم من قادوا الانقلاب على بنكيران: كل قراءة لعملية تصويت أعضاء المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية الذين صوتوا ضد تعديل المادة 16 من النظام الأساسي سيدرك انها توزع بين ثلاث مجموعات: أ- مجموعة سعد الدين العثماني وباقي الوزراء – باستثناء مصطفى الخلفي- إضافة الى عضوين هامين كانا بالأمس من المقربين من بنكيران :هما عبد الصمد الادريسي وسليمان العمراني نائب الأمين العام . ونشير ان جل أعضاء هاته المجموعة ليس لها امتدادات جماهيرية داخل المجلس الوطني وخارجه باستثناء بعض وزراء حركة التوحيد والإصلاح. ب- مجموعة الناخبين الكبار وتضم رؤساء الجماعات الترابية وهم عمداء المدن وعدد من البرلمانيين ومن بينهم من كان بنكيران يريد ان يدفع به نحو الأمانة العامة – عبد العزيز العماري وادريس الازمي- . ج- مجموعة قيادات حركة التوحيد والإصلاح وعلى رأسهم محمد الحمداوي وهي المجموعة القوية داخل المجلس الوطني، هذه المجموعة التي قادت الانقلاب على بنكيران ونزلت بثقلها لتمنع تعديل المادة 16 مقارنة مع مجموعة الوزراء التي لا تأثير لها بدون أعضاء حركة التوحيد والإصلاح خصوصا وان مجموعة الاستوزرار:مصطفى الرميد عبد العزيز الرباح الحسن الداودي وعبد القادر اعمارة ونجيب بوليف لا قواعد لهم داخل المجلس الوطني ولولا تدخل قيادات الحركة خصوصا محمد الحمداوي ومحمد الهلالي لما تم رفض تعديل المادة 16 مدعمين بذلك ما قاله احمد الريسوني انه ضد تمديد ولاية ثالثة لبنكيران مضيفا: " فكرة تغيير القانون لأجل شخص هي سنة بن علي ومبارك وعلي عبد الله صالح، لذلك أربأ بالأستاذ بنكيران أن يقبلها، أو يمضي فيها"، مضيفا "أنا ضد هذا السلوك وهذا الاحتيال والانقلاب على القوانين من أجل شخص معين" تداعيات رفض تمديد ولاية ثالثة لبنكيران : يخلط عدد من الباحثين والإعلاميين بين عدم تمديد ولاية ثالثة لبنكيران على رأس الأمانة العامة وبين مستقبله السياسي،فليس هناك لا اعدام ولا نهاية لكون نتائج تصويت المجلس الوطني لا تعني نهاية بنكيران الذي صوت لصالحه 101 عضوا ضد 126 هذا الرقم الذي يدل على ان نصف أعضاء المجلس الوطني- تقريبا- مع ولاية ثالثة لبنكيران وهو ما سيجعل من فضاء المؤتمر الوطني المقبل فضاء حروب شرسة ستؤثر يقينا على مستقبل حزب العدالة والتنمية والأخطر في ذلك ان كل هياكل الحزب ستتوجه للمؤتمر وهي منشغلة ببنكيران اكثر من انشغالها بقضايا تقييم مسار الحزب ومشاركته وقيادته للحكومة والبحث عن أسباب فشل الحزب في جل الانتخابات التشريعية الجزئية الأخيرة، وطرح البدائل والأطروحات للحفاظ عن وحدة الصف واستقلالية قراراته وكيفية إيجاد توافقات على انتخاب الأمين العام المقبل للحزب سواء كان بنكيران او العثماني للحفاظ على شعبية الحزب وتحديد موقف الحزب من السلطة المنقسم اليوم بين تيارين: ا – تيار محسوب على السلطة يقوده الوزراء – الذين من بينهم من كان بالأمس ضد السلطة واقصد مصطفى الرميد الذي كان يطالب بالملكية البرلمانية والعثماني الذي نزل وساند حركة 20 فبراير في الوقت الذي كان بنكيران يدافع عن السلطة – وتيار مناوئ للسلطة يقوده بنكيران وأتباعه ، وهكذا أصبح يسار الحزب بالأمس هو يمين السلطة اليوم ويمين الحزب الأمس هو يسار السلطة اليوم . بيجيدي قبل المؤتمر لن يكون بيجيدي ما بعد المؤتمر: بغض النظر عن شخصنة الصراع حول بنكيران وليس حول الحزب/ المؤسسة، وبغض النظر عن الصراع الصامت بين الجناح الدعوي المتحكم بالحزب والجناح السياسي اقول ان ما يجري اليوم داخل البيجيدي لمؤشر على "زلزال" أخلاقي اكثر منه سياسي غير مسبوق في تاريخ الحزب ينذر بان حزب العدالة والتنمية فقد مناعته وبان مؤتمره الثامن سيشكل لحظة حاسمة ومؤثرة في مسار مستقبل الحزب ، وتحديد معالم مستقبله السياسي مع الدولة وباقي الفرقاء السياسيين ، وبان الامين العام المقبل مهما كان – سواء كان سعد الدين العثماني او عبد الاله بنكيران- سيكون امينا ضعيفا لانه لن يكون محل اجماع المؤتمرين وسيضع مستقبل الحزب بين خيارين صعبين : ا- إعادة فوز بنكيران بولاية ثالثة يشكل ‘'خطرا'' وتهديدا ولمستقبل الحزب وعلى علاقاته بالدولة وفقدان 126 عضوا من اعضاء المجلس الوطني صوتوا ضد تمديد ولايته الثالثة .وانتخاب العثماني سيجعل الحزب بدون انياب وبدون مخالب وبدون شخصية وسيكون فاقدا لثقة اكثر من 101 عضوا من اعضاء المجلس الوطني صوتوا لصالح تمديد ولاية ثالثة لبنكيران لان علاقات القائد السياسي بالدولة في النظام السياسي تحدد حسب بروفايل زعيم الحزب السياسي وهو ما يؤكده الباحث الفرنسي ROBERT REZETTE روبرت ريزيت في كتابه : “الأحزاب السياسية المغربية” ان : “تاريخ الأحزاب المغربية هو تاريخ بعض الرجالات أكثر منه تاريخ التنظيمات ” . على كل ما يقع داخل حزب العدالة والتنمية لا يعني نهاية بنكيران كشخص ولكن مؤشرا على بداية انهيار حزب العدالة والتنمية الذي منحه الشعب مليون واكثر من 600 الف صوتا اعتقادا منه انه مختلفا عن باقي الأحزاب فإذا به يكتشف انه ‘'أقبحها'' ، وبان كل شعاراته الرنانة ذات البعد الديني ما هي الا تضليلا واستغلالا للدين في السياسة للوصول للسلطة ليصدم المغاربة -من جديد -في كل الحكومات والأحزاب والقادة السياسيين بعد ان خدعوا في حكومة التناوب . والأكيد ان صدمة المواطن في حزب العدالة والتنمية ستكون له كلفة باهظة وهي النفور النهائي من المشاركة في الانتخابات ما دامت تنتج حكومات تتغير على مستوى الأحزاب المشكلة لها ورؤساء حكوماتها وبرامجها الانتخابية لكن سياساتها العمومية تبقى ثابتة ومتشابهة وطبق الأصل.