في زمن "الاحتراف"، يتساءل الناس في كلّ مرّة عن إذا ما كانت لدينا في المغربي بالفعل "بطولة احترافية" في كرة القدم. يختلف البعض مع البعض في الجواب، ويبقى السؤال معلّقاً إلى حين. المفروض أن الكرة المغربية دخلت هذا الموسم نسختها الثانية من "الاحتراف". لكنّه ربّما احتراف على المقاس، يراه البعض اليوم "انحراف". بعد جولتين فقط من مرحلة إيّاب البطولة المغربية، ظهرت عيوب كثيرة في المسابقة وتنظيمها وكذا بنياتها التحتية. ففي الأسبوع الأول من الإيّاب، أي قبل أسبوع من الآن تقريباً، خرج المدرب المغربي الخبير مصطفى مديح بتصريح قويّ وخطير. المدرّب الذي يقود فريق حسنية أكادير قالها بشكل مباشر دون تركيب في الكلمات: "ما عندناش بطولة احترافية". والرجّل من أهل العلم والدراية في كرة القدم، وكلامه يؤخذ بعين الاعتبار طبعاً، فهو لا يتكلّم من فراغ. بعدها بيومين تقريباً خرج رئيس فريق الوداد البيضاوي، عبد الإله أكرم، الذي هو أيضاً نائب لرئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، ليهاجم الاحتراف في بلاد المغرب. أكرم انتقد ملعب الفوسفاط، الذي احتضن مباراة فريقه ضدّ أولمبيك خريبكة. وقال بعد المباراة بأنّ الملعب الذي تملك مجموعة الفوسفاط، الرائدة في إنتاج الأسمدة، "فيه الخبيزة". قبيل ذلك، كانت جامعة الكرة المغربية قد عجزت عن تحديد الملاعب التي تحتضن مباريات الجولة 16 من البطولة. وأكثر من فريق "ما عارفش في غايلعب"، حتى آخر اللحظات. مديح ثار وانزعج بعدما أوقفت الجامعة ملعب الإنبعث بأكادير، فأولاً لم يجد الرجل ملعباً لقيادة تداريب فريقه، ثم اضطر للاستقبال بمدينة تارودانت بدلاً من عاصمة سوس. وقد أقنعني كثيراً مديح حين قال: "ميبقاوش يهضروا لينا على الاحتراف، خصهوم يبقاوا يقول بروجي ديال الاحتراف". و بين الاحتراف و الانحراف، و "بروجي الاحتراف".. يتيه الدوري المغربي. بين فقر و جوع و عجز و تخبّط و ارتجال. و الأصعب قادم. فالأزمة الاقتصادية التي تصل المغرب من الآن و على امتداد 3 سنوات قادمة، ستضرب الرياضة المغربية في العمق. ففي أوروبا تأثرت أكبر الأندية العالمية بالأزمة الاقتصادية وعانت كثيراً في مواجهتها. يحدث هذا في أوروبا، ولدى فرق آخر همّها ملعب للتداريب وآخر للمباريات. فما بالك بالكرة في المغرب، حيث الأندية تعيش الأزمة، حتى من دون أزمة اقتصادية. فالرجاء البيضاوي، يشتكي بأن مداخيله لا تكفي لتدوير الفريق كما يجب. و كذلك الأمر لجاره الوداد. والمغرب التطواني، بطل المغرب، يوازن نفقاته حتى لا يجد نفسه مفلساً. ومثلهم الكثير. ففي فاس مثلاً، إدارة الملعب الكبير، الذي هو تابع لوزارة الشباب والرياضة، تهدّد مستقبل فريقي العاصمة العلمية بالإفلاس، لعجز المغرب الفاسي ووداد فاس عن تسديد مستحقات استغلال الملعب. و المستشهرون، أغلبهم يتعاقدون مع أندية الكرة تعاطفاً ودعماً، أو لعلاقات قريبة تجمعهم بمسييريها. و مع الأزمة الاقتصادية، فإن أول ميزانية يتمّ مراجعتها هي ميزانية الإشهار والتواصل. ممّا يهدّد بتقليص مداخيل الفرق. و لأنّ مبيعات التذاكر و منتوجات الفريق لا تدرّ الكثير الذي يكفي لتغطية كلّ النفقات، فالفرق الكبيرة تصارع "باش تجيب التعادل"، أمّا الصغيرة فهي "تتنفّس تحت الماء". أمّا إذا وصلت إلى التحكيم، فتلك مصيبة أخرى. فالحكام في المغرب، مع الاحترام و التقدير طبعاً لبعضهم من المميّزين، أغلبهم يديرون المباريات لإفسادها ليس لتنظيمها و إنجاحها. يحدث كلّ هذا وأكثر في المغرب، ويقولون لنا الاحتراف. البطولة برو زعما. إنّهم يحترفون الإنحراف. نعود هنا ونحن نصل إلى ختام هذا الكلام. فنعيد طرح السؤال الذي بدأنا به الكلام. هل لدينا بالفعل في المغرب بطولة "احترافية"؟ شخصياً لا أعتقد ذلك.. والحُكم لكم.