يبدو المشهد وكأنه جزء من فيلم تاريخي يعود إلى العهد الأموي أو العباسي أو العثماني أو المريني أو الموحدي أو السعدي، وليس واقعة طرية حدثت قبل أسابيع في القرن ال21 بالقصر الملكي في الدارالبيضاء. يدخل صلاح الدين بصير إلى القصر، يسلم على الخليفة أو أمير المؤمنين أو سيف الدولة... ثم يطلب أرضا أو مالا أو ذهبا أو ولاية على قطر من الأقطار. يبتسم الخليفة وينادي حاجبه أو الصدر الأعظم أو وزيره ويأمر: «أعطه ألف ألف دينار ونصف وزنه من الذهب وحقولا وبساتين»... وضع اللاعب السابق للرجاء البيضاوي نفسه في ورطة كبيرة عندما تحول من نجم أو رمز أو واحد من المشاهير في عالم الرياضة إلى شحاذ أو «سعاي» أو «سمايري»، ينتظر أول فرصة تتاح له للقاء ملك البلاد ليطلب قطعة أرض لنفسه، أي أنه يطمع في ريع بلا جهد ولا عرق ولا عمل ولا مخاطرة، فقط لأنه معروف وأتيحت له فرصة لقاء السلطان الذي يغني من يشاء ويعطي من يشاء... مقابل ماذا طلب بصير قطعة أرض من الملك محمد السادس؟ لأنه لاعب مشهور، والمناسبة شرط، ولأن فريق الرجاء البيضاوي وصل إلى نهائيات كأس العالم للأندية في مراكش. هل نظرة الملك إلى اللاعب الدولي ستبقى كما كانت قبل حكاية الأرض هذه أم لا؟ تعقبت ردود فعل الشباب على «النيت» وفي «الفايس بوك» و«التويتر» والمواقع الإخبارية، فوجدت أغلبيتهم الساحقة ضد هذا السلوك من لاعب محبوب، ومبررات هؤلاء الرافضين لتمسح الرعية بالعتبات الذهبية للسلطان أن اللاعب الدولي بصير رمز في عيون الكثير من الشباب، ويجب أن يكون قدوة لهم، وألا يطبع مع عادة التسول، حتى وإن كانت على أبواب القصور. ووجدت آخرين يقولون إن بصير طماع، فهو لا يحتاج إلى أرض «مولوية»، عنده مقهى في حي الزرقطوني واستوديو للتصوير، وإذا لم يكن مليونيرا فإنه بالقطع ليس فقيرا ولا محتاجا، ولهذا حتى إن طلب منه القائمون على القصر تلبية بعض مطالبه جبرا لخاطره يوم استقبل الملك الفريق الأخضر وإدارته، بعد قيام المسؤولين بتجريد بصير من منصب رئيس اللجنة التقنية وإعطائها لآخر لا صفة له.. حتى مع هذه المبادرة الملكية ما كان لبصير أن يطلب شيئا لنفسه، كان يمكن أن يطلب أشياء للفقراء والجمعيات ومدارس كرة القدم. بصير مسكين ابن ثقافة مجتمعه، وهو ليس الأول ولن يكون الأخير الذي يطلب صدقة ملكية، حتى وإن أتيحت له الفرصة ليصير مشهورا ولاعبا دوليا وشخصية عامة، فإنه لم يشتغل على ثقافته، ولا على سلوك الرجل العمومي داخله، ولا تشبع، مثل كثيرين مثله في الوسط الرياضي والفني والثقافي والسياسي، بقيم ومثل الرياضة وكرة القدم المبنية على الاجتهاد، والتنافس، والعمل، والتحدي، والعرق، والصبر، وطول النفس، ونكران الذات، والانضباط في الميدان وخارج الميدان. أنا متأكد أن عائلة اللاعب ومحيطه والكثير من المغاربة لن يروا في أعطية الملك لواحد من رعاياه أي عيب أو مبعث للخجل، بالعكس، سيرون في هذه الأرض علامة من علامات الرضى الملكي، والفخر الاجتماعي بين الأقران، ورد الاعتبار إلى واحد من الطبقات الفقيرة. لن يروا فيها ريعا غير مستحق، وتشجيعا على التسول وثقافته، وتبخيسا للعمل والاعتماد على النفس... هل يتصور أحد أن يطلب لاعب إسباني من خوان كارلوس أرضا، أو أن يطلب لاعب إنجليزي من الملكة إليزابيث «كريمة» نقل، مهما حقق هذا اللاعب أو ذاك من ألقاب ووصل من شهرة؟ طبعا لا، هناك وراء المتوسط أو الأطلسي المشاهير لا يَطلبون، والملوك لا يعطون.. هناك ثقافة أخرى وتقاليد أخرى، هناك تعطى الأوسمة وألقاب الاستحقاق باسم الأمة وكلمات الشكر والعرفان وصور للذكرى... لا أراضٍ ولا كريمات ولا رواتب شهرية ولا معاشات استثنائية ولا أي شيء، لماذا، يا ترى، التقليد هناك غير التقاليد هنا؟ نظام الأعطيات والصدقات والإكراميات على أبواب السلاطين والملوك والخلفاء والأمراء قديم جداً، في الشرق والغرب، كان الهدف منه هو صناعة صورة الحاكم الكريم المعطاء والحنون، الذي يعطي عطاء يغني به الفقير، تماماً كما أنه حاكم حازم قوي جبار قاس يفقر الغني، ويذل العزيز، ويعز الذليل. إنها عملة واحدة بوجهين، إنها السلطة المطلقة التقليدية في المجتمعات التقليدية، تحكم بالعصا والجزرة، بالسيف والقلم وصرة الذهب... أحوال الدنيا تغيرت لكن عاداتنا وتقاليدنا، حتى الأكثر سلبية، مازالت تقاوم عوامل الاندثار، ولا تسمح للعصرنة والحداثة بأن تأخذا مكانهما. دائماً ما نلوم السلطة على التشبث بنظام الحكم التقليدي ولا ننتقد المجتمع الذي يعيد إنتاج هذه التقليدانية كل يوم. ماذا كان يضير بصير، وغير بصير، إن يقول لمرسول الملك إليه: «شكرًا يا سيدي لا أحتاج إلى شيء».. كانت مكانة بصير ستصير أكبر في قلوب محبيه، لكنه اختار الطريق السهل ولو على حساب كرامته، ولهذا يجب أن يتحمل النقد.. ذلك أضعف الإيمان... بقلم: توفيق بوعشرين | مدير نشر جريدة "أخبار اليوم" ونقترح عليكم الإستماع الدي أجراه كريم حضري مع صلاح الدين بصير، ويشرح فيه وجهة نظره في الموضوع: