قدم محمد عبد النباوي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، أمس الثلاثاء، بمقر رئاسة النيابة العامة في الرباط، التقرير السنوي حول "تنفيذ السياسة الجنائية وتطوير أداء النيابة العامة برسم سنة 2017″، المرفوع للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، تنفيذا لمقتضيات المادة 110 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية. التقرير الذي يعد الأول من نوعها بالمغرب، بعد إقرار استقلال النيابة العامة، والذي جرى الكشف عن مضامينه خلال ندوة صحفية، حضرها مسؤولون قضائيون بارزون، يستعرض مجموعة من الإحصائيات المرتبطة أساسا ب"بعض الظواهر الإجرامية الخطيرة كالجريمة الإرهابية وجرائم الفساد المالي، والجرائم الماسة بحقوق الإنسان". كما يعالج التقرير نشاط النيابة العامة في مجال مكافحة الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص، أو ضد الأسرة والأخلاق العامة، إضافة إلى الجرائم المرتكبة ضد الأمن والنظام العام"، والتزوير والتزييف وانتحال الصفة، وجرائم المخدرات بشتى أنواعها. وفي مقابل استعراضه للجهود والمنجزات التي تحققت منذ استقلال السلطة القضائية، ابتداء من تاريخ تنصيب مجلسها الأعلى من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس يوم سادس أبريل 2017، يرصد التقرير أيضا "الصعوبات والإشكاليات التي تعترض سير النيابة العامة"، كما يقدم مجموعة من المقترحات والتدابير ل"تحسين العمل القضائي والتفعيل الأمثل لتنفيذ السياسة الجنائية". الإرهاب: انخفاض في أعداد القضايا وتعاون دولي أمني وفي هذا السياق، قال عبد النباوي، إنه "تم تسجيل انخفاض في عدد القضايا الإرهابية المسجلة خلال سنة 2017 مقارنة مع سنة 2016″، حيث بلغ عدد المحاضر المسجلة بالنيابة العامة "161 محضرًا تتعلق ب 358 مشتبهاً فيه سنة 2017 ، في حين قدم سنة 2016 إلى النيابة العامة 410 مشتبهاً فيه بمقتضى 251 محضرًا"، أي بناقص 64 في المائة بالنسبة للملفات، و87 في المائة بالنسبة للأشخاص الموقوفين"، يوضح المسؤول القضائي. وأشار عبد النباوي إلى مجموع القضايا الرائجة بالغرفتين الجنائيتين الابتدائية والاستئنافية المكلفتين بقضايا الإرهاب خلال السنة نفسها، والتي بلغت 774 قضية، حكم منها 658 ملفا، أي بنسبة إنجاز ناهزت 85 بالمائة، مبرزا أن الجنايات الابتدائية، سجل بها 280 ملفا بالإضافة إلى 43 ملفا مخلفا من سنة 2016 ، ليصبح مجموع الرائج بهذه الغرفة هو 373 ملفا، حكم منها 324 ملفا أي بنسبة 86.86 في المائة، إذ يبلغ عدد المعتقلين على ذمة هذه القضايا بهذه الغرفة 99 معتقلا. أما غرفة الجنايات الاستئنافية، فقد سجل بها، يضيف الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، 265 ملفا بالإضافة إلى 136 ملفا مخلفا منسنة 2016، أي ما مجموعه 401 ملفا رائجا، حكم منها 334 ملفاً أي بنسبة 83.29 في المائة، حيث يوجد 155 معتقلا احتياطيا على ذمة هذه القضايا. وأبرز عبد النباوي، الدور المحوري للتعاون الدولي القضائي والأمني في مجال التصدي للجريمة الإرهابية، حيث لفت إلى أن النيابة العامة أصدرت خلال السنة المنصرمة، 6 أوامر دولية بإلقاء القبض، بينما بلغت مجموع الانتدابات القضائية الدولية الصادرة عنها والواردة عليها 113 انتدابا، نفذ منها 89 انتدابا أي بنسبة إنجاز 78.76 في المائة من مجموع الرائج. تسجيل 13 ألف ملف فساد ورشوة و48 قضية غسيل أموال رئيس النيابة العامة، كشف أيضا أن محاكم المملكة، سجلت خلال سنة 2017، 13 ألف و435 متابعة من أجل جرائم الرشوة والفساد المالي، في مواجهة 13 ألف و946 شخصا، موضحا أن أقسام الجرائم المالية الأربعة المتواجدة بمحاكم استئناف الرباط، الدارالبيضاء، مراكش وفاس، سجلت بها 577 قضية، بالإضافة إلى 292 قضية مخلفة من السنوات السابقة، مضيفا أنه تم اتخاذ قرارات في 588 منها، أي بنسبة انجاز بلعت َ102 في المائة. وبالنسبة للقضايا التي تكون موضوع تقارير للمجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية، فقال عبد النباوي إن عددها وصل إلى 115 قضية، موزعة بين 36 قضية قيد البحث التمهيدي، و24 أمام غرفة التحقيق، و21 قضية تحري فيها المحكمة، و23 قضية صدرت فيها أحكام نهائية، بينما تم حفظ 11 قضية. واعترف المسؤول القضائي ب"وجود صعوبات في تدبير قضايا غسيل الأموال"، مشيرا إلى أنه خلال السنة الفارطة، تم تسجيل 48 قضية، لم يتم البت سوى في واحدة منها تم حفظها، في حين توجد 47 قضية قيد البحث، ضمنها 5 ملفات واردة عن طريق الإنابات القضائية. كشف رئيس النيابة العامة بالمغرب محمد عبد النباوي أن خط التبليغ عن الرشوة والفساد الذي أطلقته النيابة العامة في الشهر الماضي، حقق نتائج طيبة، وأدى إلى إسقاط عدد من المرتشين والفاسدين في أيدي العدالة. خط التبليغ عن الرشوة يسقط مرتشيا كل يومين وفيما يخص حصيلة الخط الهاتفي المباشر للتبليغ عن الفساد والرشوة، فأفاد عبد النباوي بأن هذا الخط، أطاح منذ إطلاقه منتصف مارس الماضي، ب15 شخصا في حالة تلبس بتلقي رشاوى، مضيفا أنه "يسقط حالة كل يومين، وهذا أمر يؤكد على أن المواطن أصبح يثق في مؤسسات الدولة وأضحى يحمل نظرة إيجابية تجاه النيابة العامة". وبعدما أكد أن النيابة العامة التي يرأسها، تعتبر الفساد المالي بمثابة "خط أحمر"، أبرز أن السلطات العمومية أصبحت "مقتنعة بممارسة مهامها" في التصدي لهذه الجريمة، كاشفا في هذا الصدد أن عددا من الحالات المضبوطة، ساهم فيها زملاء من المهنة نفسها. متابعة 8 موظفين بتهم تعنيف مواطنين والشطط في استعمال السلطة ومن بين المعطيات الدالة، التي كشفها عبد النباوي في تقريره، تلك المتعلقة بمجال حماية الحقوق والحريات، حيث أشار إلى تسجيل 44 شكاية تتعلق بالاختفاء القسري منها 43، ظلت الأبحاث بشأنها سلبية في نهاية السنة، في حين شكاية واحدة تبين بعد البحث أن المعني بها تم اعتقاله وفق الإجراءات القانونية، وأن الأمر لا يعتبر من بين حالات الاختفاء القسري. وبخصوص الاعتقال التعسفي، قال التقرير إن عدد الشكايات الموضوعة في هذا الصدد، تبلغ 5 شكايات، أربعة منها، تم حفظها، فيما شكاية واحدة لازالت في طور البحث، في حين وصل عدد الشكايات المتعلقة بالتعذيب إلى 31 شكاية، انتهت 19 منها بالحفظ، بينما الباقي مازال في طور البحث. كما تم خلال سنة 2017، يورد عبد النباوي، إجراء 190 فحصا طبيا، على أشخاص ادعوا تعرضهم للتعنيف أو سوء المعاملة، خلال الحراسة النظرية، أو تمت معاينة أثار عليهم، حيث نتج عن ذلك "تحريك المتابعة في حق 3 موظفين، من أجل استعمال العنف أثناء قيامهم بمهامهم"، ويتعلق الأمر بدركي واحد ورجلي أمن، فيما كانت نتائج 63 فحصا سلبية، وتم حفظها، يؤكد عبد النباوي، الذي أوضح أن 124 فحصا آخرا لا يزال "في طور الاجراءات التقنية والقضائية". وفيما يتعلق بحالات شطط الموظفين في استعمال سلطتهم إزاء الأفراد، أبرز التقرير أنه تمت متابعة 5 موظفين من أجل استعمال العنف أثناء قيامهم بمهامهم، منهم أربعة رجال أمن ودركي واحد، صدر حكم في إحدى القضايا بالبراءة ابتدائيا، وتم تأييده استئنافيا، بينما ما تزال متابعة 3 أشخاص رائجة أمام المحكمة، في حين تستمر اجراءات التحقيق في حق الشخص الخامس. وضع قاتم لمستشفيات الأمراض العقلية وزيارات بالآلاف لمخافر الشرطة المعطيات التي تضمنها التقرير، والتي قدمت على لسان عبد النباوي، أظهرت قيام قضاة النيابات العامة خلال سنة 2017 ب635 زيارة للمؤسسات السجنية، من 924 زيارة مقررة، أي بنسبة تصل إلى 68.72 في المائة من مجموع الزيارات المفترضة قانونا للمؤسسات السجنية. كما نفذت النيابات العامة، 18 ألف و253 زيارة لمخافر الشرطة القضائية، التي يتعين زيارتها مرتين في الشهر على الأقل، حيث بلغت نسبة التنفيذ 78 في المائة من عدد الزيارات المفترضة قانونا، والمقدرة في 23 ألف و376 زيارة سنوياً. وبالنسبة لمستشفيات الأمراض العقلية، فقد سجلت نهاية سنة 2017 قيام النيابات العامة ب 69 زيارة لمستشفيات الأمراض العقلية، بنسبة 75 في المائة من 92 زيارة مفترضة قانوناً خلال السنة، حيث قال عبد النباوي، إن هذه الزيارات، مكنت "من الوقوف على بعض الملاحظات التي كانت محل تقارير يتم تبليغهاللجهات المعنية"، مضيفا أن من بين هذه الملاحظات بالنسبة لمستشفيات الأمراض العقلية، النقص العددي لهذه المؤسات الاستشفائية، والتي لا يتجاوز عددها 23 من بينها ثلاثة مستشفيات للأمراض العقلية، والباقي يتمثل إما في مصالح أو مجرد أجنحة داخل المستشفيات العمومية. وبالإضافة إلى النقص العددي في عدد الوحدات الطبية المخصصة لعلاج الأمراض العقلية، فإن هذه الوحدات لا تتوفر على العدد الكافي من الأسرة اللازمة لإيواء المرضى العقليين، يضيف التقرير، الذي نبه إلى أن هذا النقص يؤثر على تنفيذ المقررات القضائية الصادرة عن النيابات العامة أو المحاكم، حيث إن عدداً من المعتقلين المحكوم بإيداعهم بمستشفيات الأمراض العقلية لا يتم ايداعهم بسبب عدم شغور أسرة لهذه الغاية، مما يؤدي إلى إبقائهم رهن الاعتقال، وهي وضعية، وصفها التقرير ب"غير السليمة"، لما يترتب على ذلك من مخاطر على أمن السجناء والموظفين. وكشف عبد النباوي أنه مع نهاية 2017 كان 50 شخصا صدرت أحكام بإيداعهم بمؤسسات علاج الأمراض العقلية "ما زالوا بالسجن لعدم وجود سرير فارغ بمستشفيات الأمراض العقلية، رغم أن بعضهم حكم بإيداعه منذ سنوات، 2014 و 2015 و 2016 و 2017. 83 ألف معتقلا في السجون..والسجناء الاحتياطيين ..المعضلة الكبرى وتوقف التقرير عند اشكالية الاعتقال الاحتياطي، والتي اعتبرها إحدى التحديات الكبرى التي تواجه السياسة الجنائية للدولة منذ أكثر من ثلاثة عقود، مشيرا إلى أن الجهود المستمرة خلال الشهرين الأخيرين من سنة 2017 والتتبع اليومي الجاري مع النيابات العامة لقضايا المعتقلين الاحتياطيين، ساهم في تحقيق تخفيض مهم لنسبتهم، حيث أصبحوا في نهاية سنة 2017 فقط 40.66 في المائة، أي ما يمثل 33 ألف و791معتقلاً احتياطياً ، من أصل 83 ألف و102 معتقلاً بالمؤسسات السجنية. ومن جهة أخرى، أوضحت وثيقة النيابة العامة أن العدد الحقيقي للمعتقلين الاحتياطيين الذين لم يصدر في حقهم حكم قضائي، هو 12 ألف و390 معتقلا، أي بنسبة تصل حوالي 14.91 في المائة من مجموع الساكنة السجنية. ووفق التقرير عينه، الذي استند في تطرقه لوضعية السجناء إلى إحصائيات المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج خلال سنة 2017، فإن معظم المعتقلين بالسجون خلال هذه السنة يتوزعون على أصناف الجرائم التي تمس أمن الأفراد في ذواتهم أو في أموالهم أو في عقولهم (المخدرات)، حيث أشار إلى أن عدد المعتقلين في جرائم الأموال (سرقة، خيانة الأمانة، نصب، إضرام النار) بلغ 23 ألف و843 معتقلا، بينما وصل عدد المعتقلين في جرائم المخدرات (الإتجار ونقل المخدرات وحيازتها) إلى 20 ألف و970 معتقلا؛ و14 ألف و289 معتقلا في جرائم الاعتداء على الأشخاص (القتل، الضرب والجرح)، و9 الاف و848 معتقلا في الجرائم الماسة بالأمن العام والنظام العام (تكوين عصابةإجرامية، الاختطاف). 997 قاضي تدارسوا مليون و346 ألف و573 محضرا ! وكشف عبد النباوي، أن قضاة النيابة العامة لا يتجاوز عددهم 997 قاضي وقاضية، أي حوالي 25 في المائة من مجموع قضاة المملكة، من بينهم 159 قاضية، كما أنه يوجد من بين هؤلاء القضاة 27 قاضيا يمارسون مهامهم خارج المحاكم في إطار الإلحاق بجهات إدارية، وهو ما يجعل عدد القضاة الممارسين في المحاكم هو 970 قاضيا فقط. وبلغت عدد الشكايات المسجلة وطنيا 444 ألف و460 شكاية، بمعدل 458 شكاية سنويا لكل قاض من قضاة النيابة العامة بالمملكة، ضمنها 424 ألف و460 شكاية مسجلة بالمحاكم الابتدائية، بمعدل 633 شكاية لكل قاض من قضاة النيابة العامة بهذه المحاكم. أما فيما يخص عدد المحاضر التي تمت دراستها فناهزت مليون و346 ألف و573 محضرا أي بمعدل 1551 محضر سنويا لكل قاض من النيابة العامة، فيما قُدم 615 ألف و306 شخصا امام النيابة العامة، أي يعادل 663 شخص مقدم لكل قاض من قضاة النيابة العامة بالمحاكم الابتدائية والاستئنافية. هذه توصيات رئيس النيابة العامة إلى ذلك، أوصى التقرير السنوي بضرورة إتمام ورش إصلاح منظومة العدالة واستقلال السلطة القضائية، من خلال إدخال التعديلات اللازمة على النصوص القانونية، لاسيما مشروع القانون الجنائي ومشروع المسطرة الجنائية"، المعول عليهما لتحقيق بعض الأهداف مثل ترشيد الاعتقال الاحتياطي والحد من تضخم المتابعات القضائية وتسريع وثيرة تجهيز الملفات وتوفير الإطار القانوني لإجراء المحاكمة عن بعد بوسائل الاتصال السمعي البصري، وحل إشكاليات نقل المعتقلين إلى المحاكم وتوفير الإطار القانوني للتبليغ الالكتروني في الاستدعاءات والإجراءات القضائية الأخرى، وتنظيم وسائل البحث والاثبات الجنائي المعتمد على الوسائل التقنية والعلمية كالاختراق وتقنين استعمال أجهزة التسجيل. وعلى المستوى المؤسساتي، دعا التقرير إلى توسيع الطاقة الإيوائية للمستشفيات المخصصة لتنفيذ الأحكام القضائية الخاصة بانعدام المسؤولية الجنائية بسبب خلل عقلي والإيداع في مؤسسات الأمراض العقلية، وتطوير البنية المؤسسات المعدة لاستقبال الأطفال، وتوفير مراكز كافية للعلاج من الإدمان على المخدرات. وفيما يخص الموارد البشرية، فقد شدد التقرير على أهمية دعم عدد قضاة النيابة العامة وضباط الشرطة القضائية بالعدد الكافي لتسريع وثيرة إنجاز المهام المنوطة بهم وتجويدها، كما أوصى بضرورة تطوير البنية المعلوماتية داخل المحاكم، وتوفير الربط المعلوماتي المباشر بين النيابات العامة ورئاستها، لضمان السرعة والفعالية، بالإضافة إلى تمكين رئاسة النيابة العامة من الاطلاع على النظام المعلوماتي المركزي لتدبير الملفات القضائية الزجرية، وذلك لتتبع السياسة الجنائية بفعالية وسرعة والمساهمة ايجابياً في تطوير أداء النيابة العامة.