هيمنت التطورات الأخيرة التي عرفتها قضية الصحراء المغربية، المتمثلة في الانتهاكات المتكررة والخطيرة التي تمارسها جبهة "البوليساريو" الانفصالية في المناطق الواقعة شرق الجدار الأمني الدفاعي والتي تعتبر جزءا لا يتجزأ من التراب الوطني، على افتتاح الدورة الثانية للبرلمان، يوم الجمعة الماضي. وفي كلمته بالمناسبة، قال الحبيب المالكي رئيس مجلس النواب، إن "افتتاح هذه الدورة يتم في سياق وطني تميزه التعبئة الوطنية حول قضية الوحدة الترابية للمملكة، ما يجعل هذا الموضوع يتصدر الأجندة الوطنية، ومنها بالطبع برنامج عمل مجلس النواب"، مضيفا أن القضية الوطنية تعرف "تطورات خاصة تتمثل في الاستفزازات التي يمارسها خصوم وحدتنا الترابية والذين يحاولون وضع بلادنا أمام الأمر الواقع، وخلط الأوراق وخلق حالة جيوسراتيجية جديدة بالتموقع في المنطقة المسماة وفق الأممالمتحدة عازلة". وذكر رئيس مجلس النواب أن رد المغرب إزاء هذه الاستفزازات والمناورات كان "حاسما وقويا"، كما أن الشعب المغربي "عبر بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، عن موقف موحد وصارم، ورافض لهذه الاستفزازات ولأي تغيير للوضع القائم في الأقاليم الجنوبية المغربية"، مبرزا أن الرسالة التي بعث بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس يوم 4 أبريل الجاري، كثفت هذا الموقف الوطني الصارم والحاسم". وزاد المالكي بالقول إن "الرؤية الملكية المتبصرة والاستباقية في التعاطي مع تجاوزات واستفزازات الخصوم، أطرت ووجهت، المبادرات السياسية والاتصالات الدبلوماسية التي قام بها المغرب في اتجاه مجلس الأمن والمينورسو، من أجل وضع الجميع في صورة هذه التجاوزات والتحذير من مخاطرها وأهدافها، وما تشكله من تهديد للأمن والاستقرار في المنطقة". ووفق رئيس مجلس النواب، فإذا "كان ثمة من عِبَرٍ يمكن أخذها، ومن دروس ينبغي استخلاصها، ومن رسائل ينبغي للخصوم استيعابها وتعلمها، فإنها تتمثل في أنه عندما يتعلق بالأمر بالقضية الوطنية وبمسألة السيادة على الأرض، فإن الإجماع الوطني ثابت، والجبهة الداخلية أقوى، إذ أنه مهما تكن اختلافاتنا وخلافاتنا، وحتى تناقضاتنا فإنها تذوب وتختفي من أجل مصلحة الوطن. وتلكم روح 11 يناير 1944، وروح ثروة الملك والشعب وروح المسيرة الخضراء، وروح التوافق حول دستوري 1996 و2011، وأن الالتفاف الوطني خلف جلالة الملك لن تزيده مناورات الخصوم إلا اتساعا وقوة." وتابع المالكي وهو يوجه رسائله إلى أعداء الوحدة الترابية للمملكة، قائلا "ينبغي لخصوم وحدة التراب الوطني أن يدركوا جيدا، أن مسألة السيادة على الأرض محسومة بالشرعية التاريخية والقانون الدولي وبالوجود والبناء على الأرض، وبانخراط سكان الأقاليم الجنوبية في مسلسل التنمية والبناء المؤسساتي والديمقراطي، وتجديد التعبير عن انتمائهم للوطن، وبأن محاولات وضعنا أمام الأمر الواقع، ومحاولة توهيم الرأي العام الدولي بأن الأمر يتعلق بمسألة حدود، لن تنطلي على المغرب". ودعا المالكي المجموعة الدولية والأممالمتحدة إلى تحمل "مسؤولياتها كاملة، في لَجْمِ الخصوم وإجبارهم على احترام بنود وقف إطلاق النار، كما أعلن في شتنبر 1991″، محذرا من أن استفزازات الخصوم من شأنها أن تقوض الاستقرار في المنطقة التي ليست في حاجة إلى مزيد من التوتر، قبل أن يضيف بنبرة صارمة "أن المغرب لن يظل يقبل إلى ما لا نهاية بممارسات حفنة شاردة غير مسؤولة، جانحة متحكمة ومدللة ومتمردة على القانون الدولي". وأكد رئيس مجلس النواب، أن هذا الأخير سيواصل "تعبئته من أجل القضية الوطنية وتعرية خلفيات انتهاكات الخصوم للقانون الدولي، والتعريف بشرعية الموقف الوطني، بنفس التصميم، وبِنَفَسٍ أقوى وبخطاب يكون محتواه متساويا مع تحديات المرحلة وما تتطلبه تجاوزات الخصوم من حزم وصرامة". وشدد المالكي على أن "ربح رهان تثبيت مشروعية الحقوق الوطنية بقدر ما يتطلب التعبئة الوطنية وتقوية الجبهة الداخلية بقدر ما يتطلب مواصلة البناء المؤسساتي وترسيخ الديمقراطية وتعزيز الإصلاحات وتقوية المؤسسات وصيانة الحقوق ومواصلة تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتقوية مناعة النسيج الاقتصادي الوطني ليكون أكثر تنافسية وإنتاجا لمناصب الشغل وللقيم المضافة". وبدوره، عبر عبد الحكيم بنشماش، رئيس مجلس المستشارين عن رفض المجلس "أي تغيير في المنطقة العازلة التي وضعها المغرب بشكل إرادي تحت وصاية الأممالمتحدة مساهمة منه في التخفيف من التوتر"، مؤكدا الاستعداد "للرد بكل حزم وقوة وصرامة على كل المحاولات اليائسة الرامية إلى النيل من وحدة أراضينا الوطنية"، معتبرا أن "الصحراء المغربية هي قضية وجود وليست مجرد قضية حدود". وأشار بنشماش، في كلمته خلال افتتاح الدورة، إلى أن المغرب أظهر على مدى عقود من الزمن للمجتمع الدولي "حسن نواياه وإرادته في التعاون المثمر والبناء لإنهاء هذا النزاع المفتعل الذي عمر طويلا"، إذ تشبث بالحل السلمي السياسي، المتوافق عليه تحت إشراف الأممالمتحدة باعتبارها الجهة الوحيدة التي لها الصلاحية والحق للبت في إيجاد حل هذا النزاع بما يضمن الحقوق المشروعة والعادلة للمغرب ويصون استقرار المنطقة برمتها. وشدد رئيس مجلس المستشارين على أن "أقصى ما يمكن أن يقدمه المغرب كإطار للتفاوض في هذا الشأن لإنهاء هذا النزاع المفتعل، هو مقترح الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية تحت السيادة الوطنية، وهو المقترح الذي حظي ولازال بإشادة واسعة ودعم مستمر من قبل المنتظم الدولي الذي وصفه بالجدي وذي المصداقية". وبعدما ثمن الدور الذي يلعبه المنتخبون بهذه الأقاليم بصفتهم ممثلين شرعيين لإرادة الساكنة في تقوية اللحمة وأواصر المجتمع وتماسكه والحفاظ على القيم والتراث والانتماء الى الوطن، أبرز بنشماش في نفس السياق "الدور الطلائعي الذي يلعبه المجتمع المدني والحقوقي ورجال الأعمال والنقابات العمالية في الأقاليم الجنوبية في الدفاع عن قضية الوحدة الترابية في إطار جبهة وطنية وحدوية". كما ذكر بما شهدته الأقاليم الجنوبية للمملكة من نهضة تنموية طالت مختلف المجالات، فضلا عما "ستعرفه من تطور أكبر بفضل تجسيد مضامين رؤية تنموية استراتيجية يلخصها النموذج التنموي الخاص بها الذي أطلقه جلالة الملك"، حيث ستتحول إلى "قطب اقتصادي ضخم، تستفيد من ثماره ساكنة هذه الأقاليم وجهاتها، وفاعل حيوي في المسار الديمقراطي التنموي الذي تنهجه البلاد، ودعامة أساسية في مسلسل بناء مغرب جديد"، يضيف بنشماش الذي استنكر "الدور الذي لازال يلعبه النظام الجزائري المتمادي في سياسته وغطرسته التي تحن إلى زمن الحرب الباردة من خلال تغذية التوتر، وتجنيد كل إمكانياته الاقتصادية والديبلوماسية على حساب تنميته الداخلية لمعاكسة المغرب بدل تسخيرها لخدمة الشعب الجزائري، وعدم التعاطي الإيجابي مع حسن الإرادة التي عبرت عنها المملكة من أجل تنقية الأجواء وخلق جسور الود والثقة وحسن الجوار لبناء اتحاد مغاربي، كفاعل قوي قادر على تلبية الحاجيات والاستجابة لانتظارات وطموحات الشعوب المغاربية، وكذا مجابهة التحديات التي تعرفها المنطقة على المستوى التنموي والأمني والبيئي.