أفادت مصادر متطابقة ل"رسالة24″ أن وتيرة الاحتجاجات ضد شركتي النظافة بطنجة، قد ارتفعت مؤخرا وبشكل ملحوظ في شكل مجموعة من الشكايات الاستنكارية والرسائل الاحتجاجية التي تقاطرت على المسؤولين المحليين، من طرف ساكنة عدد من الأحياء المتضررة بمختلف مقاطعات المدينة -تتوفر الجريدة على نسخ منها- وهو ما يشكل امتدادا لموقف عام أخذ يتبلور على الصعيد الوطني، ضد شركات تدبير قطاع النظافة في عدد من مناطق المغرب، خصوصا بالمدن الكبرى، حيث تحركت هذه الاحتجاجات في صيغ متعددة، مطالبة بفسخ العقدة مع الشركات التي أثبتت فشلها وعجزها التام في تدبير القطاع بالشكل المطلوب، ووفق المعايير المتفق عليها طبقا لدفتر التحملات. إن المتتبع لخدمات الشركتين العاملتين بقطاع تدبير النفايات بطنجة، خلال طول مدة الخدمة، يسجل أنهما تقتصران أحيانا، على تنظيف طنجة الواجهة، والأحياء الراقية، أما باقي المناطق المعزولة والأحياء الهامشية والناقصة التجهيز، فلا حظ لها في ذلك كنظيرتها الراقية، إذ غالبا ما تتحول نقط جمع الأزبال بها، إلى مطارح عشوائية، بسبب عدم قيام الشركة بجمع النفايات بالشكل المطلوب. فهناك مناطق واسعة لا تتوفر بها صناديق الأزبال، مما يضطر السكان إلى قطع مسافات طويلة من أجل التخلص من عبء نفاياتهم عند نقط معزولة مخصصة للجمع العشوائي، حيث يسجل أن مناطق عديدة في المدينة ظلت خارج تغطية خدمات الشركتين، كما أن حاويات النفايات الموزعة في عدد من النقط، قليلة عدديا، إذا قارنها بالتوسع الحضري للمدينة، مما يطرح وبقوة إشكالية طريقة عمل لجان التتبع وممارسة دورها القانوني والتقني في المراقبة البعدية، لإلزام الشركتين باحترام دفتر التحملات، والقيام بواجبهما تجاه الساكنة والمدينة في هذا المجال، عبر رفع التقارير الدورية حول الخروقات المحتملة، والتي قد تستوجب في حال رصدها، فرض غرامات مالية زجرية على الشركتين بغرض إجبارهما على تنفيذ دفتر التحملات بكل الطرق القانونية، إذ لا يمكن فهم وتفسير أي تقصير في المسائلة، خارج سياق التواطؤات، حيث يتحمل هنا المسؤولية المباشرة، رئيس مجلس الجماعي، كونه هو (المسؤول المباشر) عن الشرطة الإدارية في ميدان النظافة والوقاية الصحية، حسب ذات المصادر دائما.
شركتان جديدتان لتدبير قطاع النظافة بطنجة إثر انسحاب شركة (طيك ميد)، الإسبانية أواخر سنة 2014، من مجال تدبير النفايات بمدينة طنجة، وبعد طلب العروض و تقديم ملفات التنافس على الظفر بصفقة التدبير المفوض، اختارت اللجنة التقنية للمرافق العامة بالمجلس شركتين من أصل إسباني، وفرنسي، بحيث ستتكلف كل واحدة منهما بجمع نفايات مقاطعتين من المقاطعات الأربع بمدينة طنجة، وهم مقاطعة طنجةالمدينة، ومقاطعة الشرف السواني، ومقاطعة امغوغة، ومقاطعة بني مكادة. وخصص المجلس الجماعي غلافا ماليا قدره 17 مليار سنتيم، أي بزيادة تقدر 70 بالمائة، عن الاستثمار السابق الذي كان محدودا في 10 مليار سنتيم، حيث كانت تهدف هذه الزيادة، وفق مصادر مقربة، إلى النهوض بقطاع النظافة بالمدينة، وحل جميع الإشكالات المرتبطة بها، والتي ظل المواطنون يعانون منها طيلة السنوات الماضية. غير أن العقد النهائي مع الشركتين لم يكتمل في حينه، بسبب التأخر في توقيع الإتفاقية الجماعية التي تهم مصير المستخدمين، وعلاقتهم بالشركتين الاجنبيتين الجديدتين – حسب مصادر نقابية – ، لذلك اضطر المجلس الجماعي ساعتها، إلى تمديد مدة العقد مع الشركة الإسبانية السابقة (طيك ميد)، لمدة أربعة أشهر إضافية، الأمر الذي خلق جدلا كبيرا داخل المجلس، حيث كلفت عملية تمديد العقد مع (طيك ميد)، حوالي 4 ملايير سنتيم، بمعدل مليار في الشهر. حيث أكدت نفس المصادر، من داخل لجنة المرافق الجماعية أن المجلس يتحمل المسؤولية الكاملة في تأخير إنجاز العقد، وقبله تم فتح أظرفة الشركات المنافسة، وهو ما ترتب عنه تمديد العقد مع الشركة المذكورة، واستفادتها من هذا المبلغ الإضافي. علما أن دفتر التحملات الجديد يشير على أن العقد الجديد الذي أبرم مع الشركتين الفائزتين بصفقة تدبير قطاع النظافة، تحدد مدته في سبع سنوات قابلة للتجديد من قبل الجماعة لمرة واحدة، بعد ما يلتزم المفوض له بتجديد معداته، وبناء على هذا الدفتر الجديد، فقد تم تقسيم مدينة طنجة إلى منطقتين، هما المنطقة الغربية (أ)، وتضم مغوغة وبني مكادة، السواني 2، والمنطقة الشرقية (ب)، والتي تضم المدينة والسواني1. وتنص التزامات المفوض له على ضمان تقديم الخدمات الموصوفة بكيفية مهنية، كما هو محدد في الاتفاقية وملحقاتها، بما فيها دفتر التحملات، واستعمال وسائل وآليات جديدة تؤمن كميا ونوعيا كل الاحتياجات الضرورية لاستغلال المرفق المفوض له، والحفاظ على الآليات في حالة جيدة، وكذا صيانتها الدائمة وإصلاحها. وبخصوص المراقبة وتتبع السلطة المفوضة، يضمن العقد لهذه الأخيرة حق المراقبة (التقنية والمالية والتسييرية)، حيث يقضي العقد بتعيين لجن التتبع والمراقبة يوكل إليها أمر المرافق. هذا، وكانت 11 شركة تتنافس للظفر بصفقة التدبير المفوض لقطاع النظافة بطنجة، بناء على دفتر تحملات جديد وضعه المجلس الجماعي، غير أن رأي اللجنة التقنية التي سهرت على مناقشة طلبات العروض، استقر على شركتين اثنتين فقط، بعد عملية فتح أظرفة الشركات المتنافسة على الصفقة نهاية سنة 2013.
تقرير صادم حول اختلالات إبرام الصفقات العمومية بالجهة بادر المجلس الجهوي للحسابات سنة 2008/2009 إلى إصدار تقرير صادم، كشف فيه غياب شروط النزاهة في إبرام الصفقات العمومية، وانعدام تكافؤ الفرص في الولوج إلى هذه الصفقات. فإذا كان الميثاق الجماعي قد دعا إلى ضمان الحكامة الجيدة، وتكريس آليات النزاهة في إبرام الصفقات العمومية، فإن ما هو معمول به داخل المجالس المنتخبة في معظم أقاليم الشمال، يتناقض كليا مع ذلك على طول الخط، حيث يتم الالتفاف حول تخليق الصفقات العمومية، التي توقع تحت الطاولات، وتسير في الطريق المؤدية إلى أبشع أنواع الفساد المؤدي إلى (الإثراء الحرام)، حيث أنه و في سياق ظاهرة التربح التي تتحكم في إبرام وتفويت بعض الصفقات العمومية، وتنتج حالات من المحسوبية والزبونية، رأينا كيف آلت العديد من المشاريع إلى التعثر والغش في الأشغال، بسبب عدم احترام مضامين دفاتر التحملات، وتمكن المقاولات الفاشلة مهنيا من السيطرة على (كعكة) الصفقات العمومية ذات المبالغ المالية الكبيرة. إذا كان الميثاق الجماعي، وكذلك ظهير التنظيم المالي المحلي، ينصان على ضرورة تطبيق مبدأ العلانية في الصفقات العمومية المبرمة والمفوتة، فلماذا تحيط العديد من المجالس المنتخبة في أقاليم الشمال، صفقاتها العمومية التي تبرمها بستار سميك من السرية، التي تدعو إلى طرح أكثر من علامات الاستفهام و التعجب حول مصداقيتها، والمساطر التي تحكمت في عملية إبرامها، والجهات المستفيدة من ذلك..؟ ما يلقي بظلال من الشك حول طرق التسيير المالي الجماعي، وقنوات تصريف الصفقات العمومية بهذه الأقاليم. إن المواطنين، ليجدون صعوبة في الولوج إلى المعلومات المالية، ومعرفة نوعية وحجم الصفقات العمومية و شروطها لتحديد المسؤوليات والحقوق والواجبات المفروضة، بسبب تقاعس الجماعات المحلية عن نشر بنود دفاتر التحملات والميزانيات والتقارير المالية للصفقات العمومية، والمشاريع المرتبطة بها، رغم أن الميثاق الجماعي نص على ذلك، ويلزم الجماعات المحلية بهذا النهج، بهدف إقرار الشفافية المالية. فهذه الالتباسات المحيطة بعمليات تسيير المال العام، وعقد الصفقات العمومية، تقودنا إلى إدراك كيف أن المجالس المنتخبة لبعض أقاليم الشمال، التي تستأثر بموارد مالية ضخمة تصل إلى مليارات من الدراهم (مجلس مدينة طنجة مثلا تصل ميزانيته السنوية إلى أكثر من 45 مليار سنتيم)، تبدو عاجزة تماما عن تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية ناجعة، ومواكبة الارتفاعات المتتالية في نسبة التمدن في المنطقة. فمداخيل الجماعات المحلية، التي تتجاوز سقف 26 مليار درهم سنويا، أضحت تثير شهية المفسدين، وبدون تخليق الصفقات العمومية، وتطهير التسيير المالي من الفساد، وإنقاذهما معا من (جرائم النهب)، وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة طبقا لدستور 2011، والدور الرقابي للمجالس الجهوية للحسابات، سوف تبقى المجالس المنتخبة بدون أدنى شك، مجالا موبوءا للإثراء السريع، ومطية سهلة للارتقاء الاجتماعي، على حساب هموم الساكنة ما دام الفساد المتحكم في عمليات تفويت الصفقات العمومية، بمختلف أنواعها التي يضبطها القانون، نتجت عنه مشاريع مغشوشة ومعطوبة، استنزفت ملايير الدراهم من المال العام، دون أن تشكل أي قيمة مضافة للواقع السوسيو اقتصادي لبعض الأقاليم الشمالية، بل إن ضررها فاق بكثير مزاياها الموهومة. فنتيجة لتمرير الصفقات العمومية، في غياب التنصيص على المعايير المهنية، والانتقاء الأمثل لطلبات العروض، والدراسات المسبقة للمشاريع ذات العلاقة بهذه الصفقات المبرمة، وإعمال المقتضيات القانونية الجاري بها العمل، أصبحت مظاهر الخلل لصيقة بواقع عموم الأقاليم الشمالية للمملكة، خاصة على صعيد مشاريع التأهيل الحضري، وبرامج التنمية الحضرية التي وصلت معظمها إلى (النفق المسدود)، نتيجة بروز أشكال من الغش في الأشغال، وافتضاح جودة المشاريع المنجزة، بسبب تمرير الصفقات العمومية المرتبطة بها إلى مقاولات غالبا ما تكون من الدرجة الثانية. فالصفقات العمومية المندرجة ضمن سياسة التدبير المفوض (الماء والكهرباء، النقل، النظافة…، تشكو من عدة اختلالات، وقد أضحت محل انتقاد واسع من قبل الساكنة وهيئات المجتمع المدني، اتخذت أشكالا احتجاجية تصاعدية أحيانا (مسيرات، وقفات)، لأنها أحيطت بكثير من انتهاك القوانين المنظمة لصفقات تمرير التدبير المفوض. لنخلص من كل هذا أن تكريس تدبير أكثر نجاعة لمالية المجالس المنتخبة، وضمان قيم الشفافية والنزاهة في إبرام الصفقات العمومية، ونهج الديمقراطية في الولوج إليها، يمر عبر إعمال حقيقي لآليات الحكامة الجيدة، وإشاعة ثقافة المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب، وتجسيد حرمة المال العام، وتطويق الأذرع الطويلة لأخطبوط الفساد داخل الجماعات المحلية جهويا و وطنيا.