في صبيحة من صبيحات شهر ماي من سنة 1930، خرج الناس صائمين لله تعالى بعدة مدن مغربية، لا تمر بشارع من الشوارع إلا وتجد الصدقات تفرق والألسن تردد، اسم اللطيف " اللهم يا لطيف نسألك اللطف فيما جرت به المقادير ولا تفرق بيننا وبين إخواننا البرابر وحل بيننا وبين أصحاب هذه الظهائر". فهل كان الظهير يسعى إلى التفرقة بين العرب والبربر كما روج له آنذاك، ليأخذ به كحقيقة تاريخية، ويدرس لحد الساعة في المقررات الدراسية على هذا الأساس، وتتبناه بعض التنظيمات السياسية وفق هذا الفهم. أفلا تعد هذه أكبر أكذوبة أو أسطورة في تاريخ المغرب المعاصر، تلقي بظلالها وتداعياتها على النقاش المرتبط بالهوية المغربية في الماضي كما في الحاضر، فما هي قصة هذا الظهير الذي لا زال يلقي بظلاله على مشهدنا السياسي؟ تشير الوثيقة المتضمنة للظهير والمنشورة بالجريدة الرسمية في عددها 919 بتاريخ 6 يونيو 1930 إلى أن الظهير جاء لتنظيم سير العدالة بالقبائل ذات الأعراف البربرية والتي لا توجد بها محاكم لتطبيق الشريعة الإسلامية، وكذا لتتميم سلسلة من الإجراءات المفيدة للتنظيم الإداري في المغرب ووضع أسس عصرية حسب تصور الفونسيين، وكان ظهير 1914 شتنبر أول من قنن تنظيم القبائل الخاضعة للسيطرة الفرنسية وسبقته دورية 15 يونيو 1917 التي توصي ضباط الشؤون الأهلية بالمحافظة على الأعراف الأمر الذي سيسهل تطورهم نحو حضارتنا حسب ما أعلنه ليوطي بعد إخضاع بعض القبائل. هذا إضافة إلى أن فرنسا كانت تسعى في نفس الوقت إلى الحفاظ على بعض التقاليد المخزنية بالعمل على إدخالها ضمن النسق القبلي لكن بطريقة عصرية. المغفور له محمد الخامس الذي وقع الظهير، غضب بشدة على التأويلات التي أعطيت لهذا المشروع، وقام بالرد دعاة اللطيف برد ناري جاء فيه: " وقد قامت شردمة من صبيانكم يكادون لم يبلغوا الحلم وأشاعوا ولبيس ماصنعوا أن البرابر بموجب الظهير تنصروا وما دروا عاقبة فعلهم الدميم وما تبصروا، موهوا بذلك على العامة وصاروا يدعونهم لعقد الاجتماعات بالمساجد عقب الصلوات لذكر الله إلى دور التحزب والتمرد..." السياق الذي جاء في هذا الظهير يعود إلى كون المغرب كان على مستو ى الأحكام والتسيير الترابي أو المجالي مقسما إلى قسمين، قبائل تخضع للقواد والباشوات التي كانت تعينهم السلطة المركزية ويتوفرون على صلاحيات واسعة بما فيها الفصل في النزاعات بين الأفراد والجماعات، وفي قضايا الأحوال الشخصية وكانت أحكامهم غير قبلة للطعن، إضافة إلى إشرافهم على جمع الزكاة والأعشار، في حين كانت القبائل العرفية تابعة للملك وتلبي نداءه للجهاد وغير ذلك، لكنها كانت ترفض أن تكون تحت سيطرة القياد والباشوات، وبذلك ظلت تحكمها الأعراف كإعطاء الصلاحية في جمع الزكاة للعاملين عليها، وكان هذا من ضمن الشروط التي ظلت تفرضها على الملوك لأجل مبايعتهم، ثم إن الأحكام التي كانت تصدرها كان يكتبها الفقهاء وهناك أعراف لها 500 سنة، ولم تكن تطبق الحدود على السارق أو حكم الإعدام وتستند في ذلك على حديثين أولهما يقول: أنتم أدرى بشؤون دنياكم والثاني يدعوا إلى عدم تطبيق الحدود" إدرؤوا الحدود ما استطعتم عن المسلمين، أن يخطئ الإمام في العفو، خير من أن يخطئ في العقوبة". واستنادا على هذا الموروث أجاز العلماء في إطار مدونة الأحوال الشخصية الحالية تقاسم الثروة في حالة الطلاق، في إطار ما سماه الفقهاء آنذاك بالكد والسعاية، لأن المرأة كانت تقوم بعملية الحرث والحطب والسقي وتربية الأغنام إضافة إلى اعتنائها بالشؤون المنزلية. مجمل هذه العناصر تؤكد أن التأويلات التي أعطيت للظهير كانت مجرد أكذوبة طال أمدها...