لم تعد الاحتفالات بعيد الفطر في المغرب كما كانت في السابق، إذ أحدثت التكنولوجيا والتحولات الاجتماعية تغييرات في الطقوس والعادات المرتبطة بهذه المناسبةفيما ظلت الطقوس الجوهرية حاضرة بقوة. فبينما كان العيد في الماضي مناسبة لتجمع العائلات وتبادل الزيارات وصلة الرحم، أصبح اليوم أكثر تأثرا بعوامل الحداثة، مما أدى إلى تراجع بعض التقاليد واستبدالها بأساليب تواصل جديدة. تراجع دور الجيران وهيمنة التكنولوجيا ترى نجوى، 35 سنة، وهي موظفة بإحدى الشركات الخاصة، أن التطور التكنولوجي والتحولات الاجتماعية أثرت بشكل كبير على مظاهر العيد، وتوضح قائلة: "التكنولوجيا غيرت العديد من العادات، فقد أصبح التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي يحل محل اللقاءات المباشرة، كما أن العلاقة بين الجيران باتت محدودة، ولم يعد للجار ذلك الحضور الكبير في حياتنا كما كان في السابق". وتضيف أن هذه التحولات التي تسارعت مع انتشار الهواتف الذكية ومنصات التواصل جعلت التهاني والود تتخذ شكلا رقميا، حيث أصبحت الرسائل النصية بديلا عن الزيارات العائلية التي كانت تعد ركيزة أساسية في هذه المناسبة. تغير عادات التحضير والاستعداد للعيد من جانبه، يشير محمود، أستاذ يبلغ من العمر 43 سنة، إلى أن الأسر المغربية كانت في الماضي تستعد لاستقبال عيد الفطر بتحضيرات مكثفة، مثل شراء ملابس جديدة وإعداد الحلويات المنزلية التقليدية. لكنه يؤكد أن هذه العادات شهدت تراجعا في السنوات الأخيرة، موضحا: "اليوم، لم تعد بعض الأسر قادرة على مواكبة هذه الطقوس بسبب ضغوط الحياة، حيث أصبح شراء الحلويات الجاهزة خيارا بديلا، كما أن التحضيرات لم تعد بنفس الزخم الذي كانت عليه في الماضي". طقوس العيد بين الحفاظ على التقاليد ومواكبة العصر ترى الأخصائية النفسية والباحثة في علم النفس الاجتماعي، بشرى المرابطي، أن الاحتفال بعيد الفطر في المغرب لم يشهد قطيعة مع العادات الأصيلة، وإنما خضع لتكييف وتلاؤم مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية وإيقاع الحياة العصرية، خاصة في المدن الكبرى. وتوضح أن هذه التغييرات لم تمس جوهر العيد بل أعادت تشكيل بعض مظاهره بما يتناسب مع متطلبات العصر في إطار الحفاظ على الهوية المغربية أو ما يُعرف ب"تمغرابيت". تلفت المرابطي إلى أن تمثلات السعادة في يوم العيد شهدت تحولا ملحوظا، حيث أصبح التركيز على استجلاب الفرح للأفراد أكثر من الانشغال بالمجهود البدني المرهق. وتشير إلى أن النساء، خاصة الموظفات، بتن يعتمدن أكثر على تفويض المهام مثل شراء الحلويات ومستلزمات المائدة بدلا من تحضيرها بالكامل في المنزل. وتضيف: "في الماضي، كانت النساء تتنافس على إعداد الحلويات والمأكولات ليلة العيد، وكان ينظر إلى التحضير المسبق على أنه غير مقبول. أما اليوم، فقد أصبح التفويض ضرورة خاصة في المدن الكبرى، في حين لا تزال هذه العادات راسخة بشكل أقوى في البوادي، حيث يحرص الناس على إعداد الخبز والمأكولات طازجة فور الحاجة إليها". وتشير الباحثة إلى أن العادات المرتبطة بيوم العيد لم تعد تقتصر على الزيارات العائلية، كما كان الحال سابقا بل أصبح الناس يلجؤون بعد زيارة الأقارب إلى الخروج للمقاهي وأماكن الترفيه. وتوضح أن هذا التحول يعكس حاجة الأفراد إلى الاسترخاء والاستمتاع بالعيد بطريقة أكثر تنوعا، بدلا من تخصيصه بالكامل للزيارات كما كان في السابق. ورغم هذه التغييرات، تؤكد المرابطي أن جوهر العيد لم يتأثر، فصلاة العيد لا تزال قائمة مع ملاحظة زيادة إقبال النساء على المساجد بفضل ارتفاع نسبة التمدرس والوعي الديني كما أن شراء ملابس الأطفال واصطحابهم إلى الصلاة لا يزال جزءا أساسيا من طقوس العيد. أما صلة الرحم، فتوضح الباحثة أنها لم تتراجع، ولكنها خضعت لتغييرات في أسلوبها حيث أصبحت الزيارات العينية تقتصر على الأقارب من الدرجة الأولى بينما يتم تعويض التواصل المباشر بالاتصال عبر الهاتف وتطبيقات التواصل الاجتماعي خاصة في ظل قصر مدة العطلة الرسمية. وتلفت المرابطي إلى أن كل تغيير اجتماعي في المغرب يواجه عادة انتقادات في بدايته لكنها ترى أن هذه الأحكام غالبا ما تكون ناتجة عن عدم التعمق في فهم التحولات الجارية وتضيف: "مثلما انتقد البعض إدخال الترامواي والقطار السريع، قبل أن يصبحا اليوم من وسائل النقل الأساسية فإن التغييرات التي طرأت على العيد يجب ألا تنظر إليها كتهديد للتقاليد بل كتطور طبيعي للحياة العصرية مع ضرورة التركيز على الجوهر الحقيقي للعيد وهو إدخال الفرح والمحافظة على المائدة المغربية الأصيلة وصلة الرحم التي لم تشهد تغييرات جوهرية".