يعيش قطاع الحليب أزمة كبيرة منذ فترة، بسبب توالي سنوات الجفاف إلى جانب عدة إكراهات، مما جعل المغرب يعمد على إستيراد الحليب الطازج من بعض الدول الأوروبية بعدما كان المغرب يعتمد في الماضي على استيراد الحليب المجفف، فإن هذا القرار يسلط الضوء على تراجع قدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا القطاع الحيوي، في هذا المقال نناقش التحديات التي يواجهها قطاع الحليب في المغرب ونستعرض الآراء المختلفة حول كيفية معالجة هذه الأزمة، تشهد صناعة الحليب في المغرب تحولًا كبيرًا، بعد قرار استيراد الحليب الطازج المبستر، وهو القرار الذي يثير العديد من التساؤلات حول مستقبل القطاع الوطني. عبد الحق بوتشيشي، رئيس الجمعية الوطنية لهيئة تقني تربية المواشي، أشار إلى أن هذا التحول يعكس فشل السياسات الحكومية السابقة التي كانت تهدف إلى تحسين الإنتاج المحلي. فبينما كان المغرب يعتمد في الماضي على استيراد الحليب المجفف، فإن هذا القرار يسلط الضوء على تراجع قدرة البلاد على تحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا القطاع الحيوي. قال عبد الحق بوتشيشي، رئيس الجمعية الوطنية لهيئة تقني تربية المواشي، أن قرار استيراد الحليب الطازج المبستر يمثل تغيرا مهما في نهج المغرب، حيث اعتاد على استيراد الحليب المجفف فقط، هذا التحول يثير تساؤلات حول مصير قطاع إنتاج الحليب في المغرب، خاصة في ظل الانتقال من تصدير واستيراد المواد الخام إلى استيراد المنتج النهائي، نبه بوتشيشي، في تصريح ل"رسالة 24″ إلى أن هذا القرار يأتي بعد استيراد اللحوم الحمراء الطازجة مما يشير إلى توجه جديد يهدد استقلالية الإنتاج الوطني. وأوضح بوتشيشي أن الشركات المجمعة للحليب بدأت بفرض كميات محددة على المنتجين أو ترفض استقبال منتوجهم من الحليب وهو أمر خطير في ظل سلسلة الإنتاج المكلفة والدعم الذي قدمته الحكومة للقطاع فبرامج الدعم التي شملت الأبقار الحلوب قاعات الحلب، والأعلاف المستوردة، لم تحقق الأهداف المتوقعة ورغم الإنفاق الكبير، انتهى المطاف بالمغرب إلى استيراد الحليب الطازج، ما يعكس فشل هذه البرامج في تحسين القطاع بشكل مستدام. كما انتقد بوتشيشي، بشدة تصريحات وزير الفلاحة السابق التي تعهد فيها بإعادة القطيع الوطني إلى وضعه الطبيعي، معتبرا أن السياسات الحالية تتجه نحو الإعتماد على الواردات بدلا من تعزيز الإنتاج المحلي. وأوضح أن هذه السياسات رغم أنها تخفف من الأزمات على المدى القصير تخلق أزمات جديدة أبرزها إفلاس المنتجين المحليين الذين يعانون من تحديات كالجفاف. وأشار إلى أن تربية الأبقار تعتمد بشكل كبير على المناطق السقوية بينما 90 بالمئة من المنتجين لديهم أقل من 10 أبقار مما يجعلهم الأكثر تضررا. واعتبر بوتشيشي أن استيراد الحليب الطازج قرار خاطئ لن يعالج أزمات القطاع، بل سيؤدي إلى تفاقمها داعيا إلى ربط المسؤولية بالمحاسبة، وأكد أن هذا القرار سيؤثر سلبا على سلسلة إنتاج الحليب بأكملها، مما سيزيد من اعتماد المغرب على الواردات ويهدد الاستثمارات المحلية، ويؤثر على العاملين في القطاع من منتجين ومهنيين وخريجي معاهد فلاحية. وأضاف أن هذا القرار يشكل ضربة قاضية للقطاع الحيواني الذي استثمرت فيه الحكومة ملايين الدراهم ضمن مخططات مثل "المغرب الأخضر" و"الجيل الأخضر" وبرغم الجهود المبذولة مثل برامج التلقيح لتحسين النسل لا يزال القطاع يعاني من سوء التدبير، حيث أصبح استيراد الحليب الطازج دليلا واضحا على فشل المغرب في إدارة هذا القطاع الحيوي. وشدد بوتشيشي على أن استيراد المنتج النهائي يضع السيادة الغذائية للمغرب على المحك، إذ يتحول النقاش من تعزيز السيادة الغذائية إلى ضمان الأمن الغذائي من خلال واردات أجنبية، هذا التوجه يحكم بالإعدام على المستثمرين المغاربة الذين أنشؤوا مشاريع في القطاع كما يهدد مستقبل خريجي معاهد الفلاحة والتقنيين المتخصصين في تربية المواشي، خصوصا مع أهداف "مخطط الجيل الأخضر" لتكوين 140 ألف خريج بحلول 2030. وفي ظل سياسة استيراد الحليب، يواجه المغرب تحديا كبيرا لإيجاد حلول مستدامة تعيد التوازن للقطاع، بما يتماشى مع توجيهات جلالة الملك التي تدعو إلى خلق طبقة وسطى في العالم القروي. وخلص بوتشيشي، إلى أن دعم المنتجين المحليين هو السبيل الوحيد لتجاوز هذه الأزمة، بدلا من الاعتماد على قرارات قد تؤدي إلى أضرار طويلة الأمد. رياض وحتيتا: يجب إعادة النظر في بنية الإنتاج الوطني ومن جهته قال رياض وحتيتا، الخبير في الشؤون الفلاحية، لجريدة "رسالة 24" بأن أزمة الحليب تشهد تفاقما مستمرا عاما بعد عام، حيث يتجلى النقص بشكل واضح مع اقتراب شهر رمضان المبارك الذي يتميز بزيادة ملحوظة في استهلاك الحليب، وأشار إلى أن السياسات الحالية التي تركز على دعم الحليب المستورد بدلا من تقديم دعم مباشر للفلاحين، كما شدد المتحدث على أهمية إعادة النظر في بنية الإنتاج الوطني خاصة من خلال دعم الأعلاف البديلة التي تتميز بتكاليف منخفضة على المستويين المادي والمائي مما يتيح لمربي الأبقار مواصلة نشاطهم دون الوقوع في أزمات متكررة. وأضاف وحتيتا أن الجفاف المتواصل دفع عددا كبيرا من مربي الأبقار إلى التخلي عن مواشيهم، خاصة قبل إصدار قرار منع ذبح إناث الأبقار، وعلى صعيد آخر، أشار إلى أن دولا أوروبية مثل هولندا وألمانيا، أوقفت تصدير الأبقار إلى شمال إفريقيا بدعوى حماية الحيوانات من مشقة النقل لمسافات طويلة وهو ما تسبب في نقص الأبقار المستوردة ذات الإنتاجية العالية في المغرب. ودعا وحتيتا إلى تعزيز البحث العلمي لتطوير سلالات مغربية من الأبقار تكون ملائمة للبيئة المحلية، ولفت إلى أن المغرب يعتمد منذ سنوات على استيراد أبقار من نوع "هولشتاين"، التي تم تعديلها جينيا في فرنسا لتصبح "هولشتاين بريم"، واقترح ضرورة أخذ عينات من هذه السلالة والعمل على تحسينها محليا لتعزيز تكاثرها وإنتاجيتها، كما أشار إلى وجود أبقار مزدوجة الفائدة تنتج الحليب والعجول للذبح، إلا أن مربي الأبقار أصبحوا يميلون إلى تلقيح الأبقار بسلالات مخصصة لإنتاج اللحوم بدلا من الحليب، نتيجة للضغوط التي تفرضها الشركات الكبرى المصنعة للحليب. وفي ختام تصريحه أكد الخبير، أن المزارعين لن يتمكنوا من تحسين نظم الأعلاف ما لم تتدخل الدولة بدعم مباشر لتقليل تكاليف الإنتاج، ورغم أن الجفاف يمثل تحديا كبيرا في هذه الأزمة، فإنه لا ينبغي اعتباره المبرر الوحيد، كما دعا الحكومة إلى اتخاذ خطوات جادة، مثل دعم الأعلاف البديلة وزيادة دعم الأبقار المحلية، لتعزيز الإنتاج الوطني وتحقيق الاكتفاء الذاتي.