يبدو أن مونديال قطر هو نسخة عربية استثنائية في تاريخ تنظيم كأس العالم، هذا الاستثناء لا نتلمسه فقط في مستويات التنظيم التي أبدعت قطر في تحقيقها، جاعلة العالم الغربي ينبهر بها، بل أيضا في القيم الإنسانية التي شدت أنظار العالم أجمع سواء كان عربيا أو عجميا. لقد شاهد العالم كيف يسارع اللاعبون المغاربة عقب مبارياتهم إلى أحضان أمهاتهم، و الامتنان الذّي يشعر به كل لاعب اتجاه من حملته وهنا على وهن والاعتزاز الذي يعلنه بانتمائه لحضنها، و كيف ينسب كل لاعب توفيقه و تفوّقه و يرجعه إلى "رضا الوالدين" الذي أصوى به الله ورسوله، وكذلك شاهد كيف لمنتخب إسلامي يسجد للخالق تعالى، شكرا وامتنانا على التوفيق منه، وهم على يقين أنه لن يخيبهم المرة المقبلة. كل هذه السلوكات هي سلوكات غريبة انقرضت من منظور الإنسان الغربي الحديث. وفي هذا السياق، علّق أحد المذيعين الألمان على لقطة اللعب المغربي يوسف النصيري، وهو يعانق والده وقبلها "حكيمي مع والدته وسفيان بوفال… في مشاهد حميمية تعكس الصلة الوثيقة التي تربطهم بأسرتهم قائلا: هذه المشاهد الحميمة مع العائلة لم نعد نراها في مجتمعاتنا الغربية التي تسودها الأنانية والمثلية الجنسية، واندثار مفهوم الأسرة ودفئها، وعقوق الوالدين الذّي أصبح شائعا في أوروبا، و الذي يتمظهر من خلال التخلص منها بالزّج بهما في دور العجزة.و استطرد المعلّق أن العائلة وتحفيزها المعنوي وراء انتصارات الفريق المغربي…أما نحن، فأتينا لنساند المثلية الجنسية ونضع أكفنا على أفواهنا بشكل مخجل، فخرجا خاليي الوفاض ومن الباب الضيق، هم تعلموا الكرة منا وأصبحوا يتقنونها و تجاوزونا، ونحن يجب أن نتعلم الأخلاق منهم، عسى أن نرى يوما أمهاتنا تعانقننا يوما ما في المدرجات. وشاهدنا كذلك كيف تصدرت كلمة "النية" محرك " البحث العالمي "غوغل"، لبحث العالم عن مقصدها ومعناها، وكيف استطاع "الركراكي" أن يبث الأمل في نفوس الشباب العربي والمغربي و فتح أفق الأمل للافريقي وللعربي في أن يطمح و يدنو من تحقيق مبتغاه بالتوكل والاجتهاد، واستطاع أن يكون نموذجا لتحدي الفشل. بالجملة، المستحيل ليس مغربيا.