تكتسي الذكرى 58 لتأسيس الأمن الوطني والتي تحل اليوم، دلالات عميقة لدى الشعب المغربي عامة، وأسرة الأمن الوطني على وجه الخصوص، حيث تشكل مناسبة للوقوف على الأدوار الوطنية والاستراتيجية، التي تقوم بها هذه المؤسسة الوطنية بكافة قياداتها وأطرها وموظفيها وأعوانها من أجل ضمان السلم والاستقرار والأمن ومكافحة الجريمة والإرهاب. وهي مناسبة أيضا لاستحضار كل الأعمال الجليلة والمسؤوليات الجسيمة التي قامت بها هذه المؤسسة وتقوم بها اليوم، في ظل المتغيرات الدولية والوطنية والمستجدات التي عرفها مفهوم الأمن والتحديات التي يواجهها المجتمع المغربي، نتيجة التحولات العميقة التي عرفها على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والعمراني والديموغرافي. لقد شهدت مؤسسة الأمن الوطني منذ إحداثها قبل خمسين عاما، أي منذ 16 ماي 1956، تحولات عميقة انتقل بها العمل من مفهوم الأمن الكلاسيكي إلى مفهوم حديث يرتكز على سياسة القرب من الساكنة، والمساهمة في إيجاد حلول فعالة ودائمة للمشاكل الأمنية التي تقلق المواطنين، واستبدال منطق الاستجابة المنتظمة لنداء السكان بمنطق استباق الانشغالات، والعمل على أن تكون الشرطة على الصورة التي يريدها المواطنون من خلال آلية للحوار والتحاور.ففضلا عن المسؤوليات والمهام المتعلقة بالدفاع عن المقدسات والثوابت الوطنية وصيانة الاستقرار والأمن والطمأنينة بالبلاد والعمل الدؤوب على تطبيق القانون ضمانا لسلامة أمن الموطنين وحماية ممتلكاتهم، فإن مؤسسة الأمن الوطني تعمل جاهدة على الانفتاح على المواطن والمجتمع وإقامة علاقات جيدة ومتواصلة معهما من أجل تكريس جو من الثقة المتبادلة. فهي إذن مناسبة تجدد فيها أسرة الأمن الوطني العهد على مواصلة أداء واجبها والانضباط والتعبئة واليقظة وفي التزام تام بسيادة القانون والتشبث بمقدسات المملكة وثوابتها الراسخة. حيث برهن رجال الأمن في العقد الأخير عن نجاعة فائقة في ميدان الوقاية وتفكيك شبكات الإرهاب والإجرام وبسرعة يشهد لهم بها شركاؤهم على الصعيد الدولي. ومن أجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية المسطرة لحماية الاستقرار الداخلي للبلاد وإرساء الأمن ونشر الطمأنينة بين الساكنة، وضمان النجاعة والفعالية والمهنية والسرعة المطلوبة، في تنفيذ العمليات الأمنية، شهد التنظيم الهيكلي للأمن الوطني عدة تعديلات فرضتها المتغيرات الاقتصادية الظرفية والاجتماعية والاقتصادية التي يشهدها العالم إلى جانب حرص الإدارة على مواكبة التطورات التي عرفها مجال الأمن سواء على صعيد تطور الجريمة والإرهاب أو طرق مكافحتهما. وما التحريات التي قامت بها قوات الأمن في حادث الاعتداء الإرهابي الذي ضرب مطعم (أركانة) بمراكش، والتي مكنت من الوصول في ظرف قياسي إلى منفذي الاعتداء إلا مثال على ذلك، ودليل على حنكة وقدرة رجال الأمن المغاربة في القيام بمهامهم. لقد شكل تطوير آليات العمل وتقنيات التدخل وتوسيع نطاق مجالات الحضور الميداني، وتطوير مناهج التكوين، وتأهيل العنصر البشري، وحسن تدبير الموارد البشرية، إحدى الرهانات الأساسية في عمل مديرية الأمن الوطني منذ إحداثها، مما كانت له نتائج إيجابية جدا عل مستوى تأمين سلامة المواطنين وممتلكاتهم في مختلف الظروف التي استهدفت ثوابت الأمة واستقرار البلاد، بعد أن عرفت في السنوات الأخيرة تحولات كبيرة، همت بالأساس، تطوير مناهج التكوين في مجال تعزيز دور الشرطة التقنية والعلمية وتقريب مصادر الخبرة من الشرطة القضائية في مكافحة الجريمة تدعيم الموارد البشرية بالعنصر النسوي، الذي أبان عن قدرات متميزة وكفاءات عالية. كل ذلك في إطار مقاربة حقوقية من خلال تكوين علمي ومنهجي لرجال الأمن على احترام حقوق الإنسان، والرفع من كفاءاتهم ومؤهلاتهم المهنية عبر مجموعة من الآليات أبرزها إصدار "مدونة" لأخلاقيات رجال الشرطة، تتلاءم مع التزامات المغرب الوطنية والدولية الخاصة بحقوق الإنسان، فضلا عن إرساء دولة الحق والقانون وتحقيق مفهوم "الشرطة المواطنة"، تلبية لحاجيات المواطنين الأمنية اليومية، ومواصلة عملها الدؤوب من أجل ترسيخ التواصل مع محيطها. ونظرا لهذا الدور الحيوي لأسرة الأمن الوطني ما فتئ جلالة الملك محمد السادس يولي عناية خاصة لأفرادها، تجسدت بالأساس في الجهود المبذولة لفائدتهم وذويهم في مجال الخدمات الاجتماعية، خاصة منها الضمان الصحي والسكن الاجتماعي، والقروض والتأمين والعمل الاجتماعي والتربوي والتأطيري. إن تاريخ 16 ماي 1956، سيظل نقطة مضيئة في مسار مؤسسة الأمن الوطني، والتي شكلت نقطة البداية لعمل طويل ودؤوب وشاق من أجل الارتقاء بجهاز الأمن الوطني، وجعله في مستوى المؤسسات الأمنية المتطورة في العالم، والتي نجحت في كيفية تجسد مفهوم الشرطة المواطنة، على أرض الواقع وتحافظ على أمن البلاد والمواطنين والممتلكات وتضمن الاستقرار وتسهر على احترام القانون وتعمل في إطار سياسة القرب واحترام حقوق الإنسان.