لا أحد ينسى عشية يوم الجمعة 16 ماي 2003، حينما اهتزت مدينة الدارالبيضاء على حدث مثير وفظيع في الوقت نفسه، لم يعتده سكان هذه المدينة المقاومة من قبل. حدث سيغير مسار المغرب في تعامله مع المخاطر الكبرى التي كشف عنها الإرهاب الدولي منذ تفجيرات 11 شتنبر 2001 في نيويورك بالولايات المتحدة. وسيضعه وجها لوجه مع هذا التحدي الكبير والخطير، الذي يستهدف لا أرواح الأبرياء من المواطنين فقط، بل يرمي إلى تدمير المجتمعات والدول، ونشر الذعر والخوف في صفوف الشعوب الآمنة، والتحريض على الكراهية والعنف واستغلال الدين أسوأ استغلال في اغتيال القيم الإنسانية النبيلة وهدر حرمة الدم البشري وكرامة الإنسان باسم " الجهاد" ومحاربة الكفار. اليوم نخلد هذه الذكرى ونستحضر كل مراحلها وأطوارها وبما خلفته من مآس، من أرامل وأيتام ودموع وآلام وجروح، وما تركته من آثار عميقة في شعور كافة المغاربة الذين صدموا بهذه الجريمة النكراء، التي استغل فيها شباب غض غسل دماغه وحول إلى آلة قتل بشعة، عبر تفجير نفسه وسط الناس باسم الإسلام. نخلد هذا اليوم بعد إحدى عشرة سنة من الحرب المفتوحة بين المغرب والإرهاب بتشكيلاته المختلفة وخلاياه النائمة والمتحركة وطنيا ودوليا، والتي كانت تنفيذا لقرار وطني واستراتيجي لا رجعة فيه، اتخذه المغرب للوقوف ضد هذه الظاهرة المدمرة، التي تفوق في وحشيتها كل ما يتخيله الإنسان من صور القتل والدمار. مسار بني على نهج الحرب الاستباقية، بعد اعتقال كل المتورطين في تفجيرات الدارالبيضاء ومن لهم علاقة من قريب أو من بعيد بالجماعات الإرهابية والفكر المتطرف. حرب تمثلت في استصدار قانون الإرهاب، رغم الجدل السياسي والحقوقي الذي واكبه، والرفع من درجة اليقظة الأمنية إلى مستويات عليا من خلال نهج الدولة لسياسة جديدة من أجل احتواء هذ الظاهرة المدمرة، ثم التعاون مع الدول التي اكتوت بنار الإرهاب، واستمرت مع السنوات التي تلت تفجيرات الدارالبيضاء، والتي أكدت شرعيتها ما شهدته الدارالبيضاء في ربيع عام 2007 من تفجيرات دامية أخرى حبست أنفاس البيضاويين وعموم المغاربة، وشكلت لهم صدمة ثانية لهولها وبشاعتها، قرب القتنصلية الأمريكية وسط المدينة، وداخل نادي للأنترنيت بحي سيدي مومن، ثم بحي الفرح، وما تلاها من تفجيرات أخرى بمقهى أركانة بمراكش في أبريل 2011. بعد 11 سنة من أحداث 16 ماي الإرهابية، واجه المغرب "إرهابا محليا"، خلف في مجموع ضحاياه 65 من القتلى وعشرات الجرحى، ونفّذ علمياته 17 "إرهابيا" كلهم قتلوا إلا اثنين يوجدان رهن الاعتقال، إضافة إلى المئات من المعتقلين، الذين أدينوا تحت طائلة قانون مكافحة الإرهاب. وها هو اليوم يواصل حربه "الاستباقية" من خلال تمكنه من تفكيك أزيد من 103 من الخلايا الإرهابية إلى حد الآن، متهمة بتلقي تمويلات خارجية ولها صلات بتنظيمات "جهادية" دولية من أجل تنفيذ أعمال إرهابية، في عدد من الدول، وهي الحرب التي جعلت من الصعب على ما يسمى ب "القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي" التغلغل في المغرب، وذلك بفضل استراتيجيته الشاملة لمكافحة الإرهاب، والتي اعتمدت تدابير اليقظة الأمنية والتعاون الإقليمي والدولي، و اعتماد مقاربة مندمجة للمساعدة السوسيو اقتصادية و نهج سياسات إصلاحية تقطع الطريق على التطرف الديني. حرب أكدت من جهة أخرى موقع بلادنا في مجال مكافحة الإرهاب وانخراطه في تعزيز آليات التعاون الدولي في هذا المجال. و كرست الثقة الدولية في المغرب كأحد الأطراف الأساسية على المستوى الدولي في مكافحة الإرهاب بناء على النتائج الكبيرة على مستوى تجفيف منابع الإرهاب وكشف الخلايا الإرهابية النائمة، والتي حظيت بإشادة دولية خاصة من الجانب الأمريكي. فيكفي أن المغرب كان من بين الدول الأولى التي لم تتردد في المصادقة على جل الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالإرهاب، وتأييد جميع قرارات مجلس الأمن الرامية إلى التصدي لهذه الظاهرة، واستخدام كل الوسائل المتاحة على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي لمكافحة هذه الآفة الدولية، مقدما بذلك نموذجا متميزا وناجحا لدولة استطاعت الحيلولة دون أن تعد أو تنفذ أو تمول أعمال إرهابية انطلاقا من أراضيها، وذلك بفضل إستراتيجيته الشاملة والمتكاملة ومتعددة الجوانب التي استهدفت استئصال جذور الإرهاب والقضاء على مختلف أسبابه وتمظهراته منذ تفجيرات 16 ماي 2003.