حل المغرب في الرتبة السابعة من بين الدول الأكثر اقتراضا من البنك الدولي، بمديونية زادت قيمتها عن مليار دولار سنة 2014 ، حسب تقرير للبنك الدولي للإنشاء والتعمير والمؤسسة الدولية للتنمية ،الذي وضعه في صدارة الدولة الأكثر مديونية في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط. في غياب استراتيجية واضحة للحد من المنحى التصاعدي لحجم الدين العمومي الخارجي ، تتجه حكومة بنكيران نحو الزج بالبلاد في شباك سياسة تقويم هيكلة جديدة، كتلك التي شهدتها خلال ثمانينيات القرن الماضي ، بعد أن بلغ معدل المديونية الخارجية للمغرب إلى 51.4 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، والتي أدخلت المغرب في دوامة من الهزات الاجتماعية. فلسد عجز الميزانية الذي يقدر بنسبة 4.3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي ومواصلة الإصلاحات الهيكلية، سطرت الورقة التأطيرية لقانون مالية 2015، على ضرورة الحفاظ على احتياطي المغرب من العملة الصعبة في سقف محدد يستجيب لشروط خط السيولة الوقائي المفتوح للمغرب من قبل صندوق النقد الدولي بقيمة 5 ملايير دولار ،بل وعلى مواصلة تعبئة التمويلات الخارجية ،علما باحتياجات تمويل الخزينة في السوق المالية الدولي ، حسب تقديرات وزارة المالية ، إلى 24 مليار دولار توزع بين التمويل الخارجي من لدن الدائنين الثنائيين ومتعددي الأطراف، ومن التمويلات في السوق المالية الدولية التي يعتمد حجمها بشكل خاص على طلب المستثمرين. وهو ما يعني استمرار ارتهان الاقتصاد الوطني للمؤسسات الدولية، بحيث سجلت نسبة الدين الخارجي للخزينة 14.6 بالمائة من الناتج الداخلي الخام في سنة 2013، مقابل 14.1 بالمائة في سنة 2012، فيما بلغ الدين العمومي ،حسب مذكرة إخبارية حول الدين الخارجي العمومي لشهر دجنبر 2013، 129.80 مليار درهم في مقابل116.87 مليار درهم في متم 2012، مسجلا بذلك ارتفاعا ب 11.06بالمائة. وفي المقابل واصل الدين الخارجي العمومي منحاه التصاعدي ببلوغه 26.5 %من الناتج الداخلي الخام سنة 2013 في مقابل 25.7 بالمائة سنة 2012، واستقر هذا الدين في 234.74 مليار درهم في مقابل 212.71 مليار درهم في متم 2012، مسجلا بذلك ارتفاعا ب 10.35 بالمائة. ويشكل الدائنون متعددو الأطراف المجموعة الأولى لدائني المغرب ب 50.6 بالمائة من الدين خارجي العمومي، يليهم الدائنون الثنائيون ب 23.7 بالمائة والمؤسسات المالية والنقدية والبنوك التجارية ب 25.7 بالمائة ،وحسب سعر الفائدة يحتل الدين بنسبة فائدة ثابتة المرتبة الأولى ب 634 بالمائة ، بينما يمثل الدين بمعدل فائدة متغيرة نسبة 36.5 المائة ،ويستحوذ الأورو على حصة الأسد في الدين الخارجي للخزينة ب77.2 بالمائة من بنية الدين الخارجي العمومي لسنة 2013، فيما يستحوذ الدولار على 13.3 بالمائة من الدين المذكور. وفي هذا الإطار ، تستحوذ الخزينة على حصة 52بالمائة من مجموع الدين الخارجي العمومي،متبوعة بالمؤسسات العمومية بنسبة 47 بالمائة والبنوك والجماعات المحلية بنسبة 0.4 بالمائة ، فيما بلغت عمليات السحب من القروض الخارجية 38 مليار درهم منها 24 مليار درهم برسم جهود الاستثمار بالنسبة إلى المؤسسات والمقاولات العمومية و14.5 مليار درهم من أجل الخزينة. هذا، و بلغ حجم الديون العمومية الإجمالية الداخلية والخارجية للمغرب مع نهاية 2013 حوالي 679 مليار درهم، حسب بعض النشريات الاقتصادية المختصة، أي ما يعادل حوالي 78 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، منها 235 مليار درهم كديون عمومية خارجية، و 444 مليار درهم كديون عمومية داخلية، وبلغت خدمة الدين مبلغ 163 مليار درهم، وهو ما يعادل أكثر من ثلاثة أضعاف ميزانية التعليم لسنة 2013، وحوالي 13 مرات ميزانية الصحة، وحوالي ثلاثة أضعاف ميزانية الاستثمارات العمومية. هذا في الوقت الذي تمتص فيه خدمات الدين سنويا من فوائد و حصة الدين الأصلي ،103 مليارات درهم كمعدل ل 6 سنوات الأخيرة ،ما بين 2007 و 2012، منها 18 مليار درهم مخصصة للدين الخارجي، و 85 مليار درهم للدين الداخلي. وسدد المغرب بين 1983 و 2011 إلى الخارج ما يفوق 115 مليار دولار، أي ما يعادل 8 مرات دينه الأصلي، ومازال بذمته حوالي 23 مليار دولار حاليا. وكان محمد بوسعيد وزير الاقتصاد والمالية السيد قد أعلن في معرض تصريحه لوكالة رويتر نهاية شهر أكتوبر الماضي ،عن عزم الحكومة ،وبرسم قانون المالية لسنة 2015 ،على اللجوء إلى سوق السندات العالمية حسب الفرص المتاحة في السوق أو بيع سندات في أسواق رأس المال الدولية وتوقيع اتفاقات مع مقرضين دوليين للحصول على قرض بقيمة2.8 مليار دولار، وأن الحكومة مطالبة بتقليص الدين الخارجي، بمعالجة اختلالات الإطار الماكرو اقتصادي للبلاد ومتابعة الإصلاحات البنيوية والمهيكلة وتحجيم المخاطر للحفاظ على ثقة الدائنين والمستثمرين بصفة عامة. هذا وكانت الحكومة ،في إطار استراتيجية جديدة لتمويل الخزينة عبر التمويل الخارجي، قد لجأت الى بيع سندات بالسوق المالي الدولي في سنة 2010 بقيمة 1 مليار يورو، و1,5 مليار دولار في دجنبر 2012، و 750 مليون دولار في ماي 2013، و 1 مليار يورو في يونيو 2014، وفي غشت 2014، حصل المغرب على قرض ائتماني احترازي جديد قيمته 5 مليارات دولار،على مدى عامين قد يستعمل لتغطية عجز حساب المعاملات الجارية لميزان الأداءات بشكل استعجالي. ومعلوم ،أن البنك الدولِي وفي إطار شراكته الاستراتيجية مع المغرب بهذا الخصوص ، كان قد أشر على رفع دعمه المالي إلى 4 ملايير دولار أمريكي خلال الفترة 2014 -2017 بمعدل مليار دولار سنويا، وفي هذا الصدد تفيد دوريات البنك الدولي ، أن هذا الأخير منح المغرب ما مجموعه 13,5 مليار دولار، لم تسدد منها الرباط سوى نحو 7 مليارات دولار، وذلك بغاية تجاوز تداعيات الأوضاع السياسية غير المستقرة في أكثر من بلد عربي و مخلفات الأزمة المالية التي هزت منطقة اليورو، ومباشرة إصلاحات هيكلية تطال صندوق المقاصة وصناديق التقاعد ومزيد من الضغط على النفقات العمومية وعلى الاستثمارات العمومية بهدف تقليص العجز إلى 4.9 بالمائة. دعم يظل دون حاجة حكومة بنكيران لتمويل الاقتصاد المغربي والتي ارتفعت حسب تقرير بنك المغرب الأخير ، إلى 83 مليار درهم سنة2013، فيما كانت تقدر ب64 مليارا في 2011، وهذا في الوقت الذي ساهم فيه لجوء حكومة بنكيران المفرط للاقتراض من الخارج في رفع حجم الدين العمومي الخارجي إلى 226 مليار درهم في متم شتنبر الماضي ،أي بزائد 32مليار درهم مقارنة مع نفس الفترة من السنة ما قبل الماضية. وبخلاف ما يجري تسويقه ، فإن الأمر لا يتعلق بدعم وإنما بقروض تنذر بكلفة ثقيلة، ذلك فإن المغرب سيكون ملزما بالتقشف كي يتمكن من تسديد هذه الديون ، التِي يتوجب أن تسلك طريقها نحو الاستثمار كي تكون مفيدة وتكفل السداد ، وإلا ستتحول مستقبلا إلى عبء ، حسب خبراء الاقتصاد الذين يستحضرون في هذا الصدد، قرارات الحكومة القاضية بالتخفيض المضطرد لإنفاقها الاستثماري عام 2013 بمقدار 10 مليارات درهم ، أي ما يناهز 1.2 مليار دولار ، وذلك لإبقاء عجز الميزانية قريبا من 5.5 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي . وهذا علاوة على قرارات وضع ميزانية صندوق المقاصة على مقصلة سياستها التقشفية والتي ستواصل تراجعاتها للسنة الرابعة على التوالي من 56 مليار درهم سنة 2012 و 46 مليار درهم سنة 2013 إلى 35 مليار درهم سنة 2014،و23مليار درهم سنة 2015، بحكم رفع الدعم عن البنزين والوقود الصناعي والتوجه نحو الرفع التدريجي للدعم الموجه للغاز والوقود في أفق إلغائه بشكل تام. والحالة هذه ،فإن توجهات من قبيل الضغط على نفقات دعم أسعار الاستهلاك وعلى اعتمادات الاستثمار، و ما صاحبها من إجراءات لترشيد النفقات الجارية للتسيير وتعزيز المداخيل الجبائية، لن تؤدي في مجملها سوى إلى تراجع طفيف لعجز الميزانية الذي سيصل سنة 2014 إلى 5.2 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي، حسب ما جاء في معرض الندوة الصحفية التي عقدتها المندوبية السامية للتخطيط صيف السنة المنصرمة بالدار البيضاء، حول موضوع "الميزانية الاقتصادية الاستشرافية لسنة 2015"، ولتغطية هذا العجز سينتقل معدل الدين الإجمالي للخزينة إلى 66.4 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2014 عوض 63.5 بالمائة سنة 2013،فيما سيسجل معدل الدين العمومي الإجمالي ارتفاعا ، لينتقل من من75.5 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2013، إلى 79.7 بالمائة سنة 2014. الأمر الذي يكشف عن أوجه الاختلالات البنيوية العميقة التي تخترق اقتصاد المغرب وماليته ، ذلك أن لجوء الحكومة المفرط للمديونية الخارجية ،والذي قد يفضي إلى تدنى تنقيط المغرب في سلم التصنيف، بات يؤكد ، حسب العديد من خبراء الاقتصاد والمالية ،أن المغرب سقط في فخ اقتصادي نتيجة عدم استشراف التدبير الماكرو- اقتصادي،وأنه أصبح من الضروري تحديد أدوار جديدة للميزانية ولمكتب الصرف ولبنك المغرب وبالتالي البحث عن نموذج تدبيري جديد وجريء يعتمد المقاربة «الاقتصادية» للسياسة المعمول بها في البلدان المتقدمة. وبهذا الخصوص ،لم يفت الحليمي المندوب السامي للتخطيط التحذير من هشاشة النموذج الاقتصادي المعمول به في المغرب، والتي ما فتئت الأوضاع السياسية غير المستقرة في المنطقة العربية و مخلفات الأزمة المالية التي هزت منطقة اليورو تكشف من يوم لآخر عن معالمها ، حيث إن تمويل طلب داخلي قوي، يفوق قدرات تنافسية اقتصاده ومؤهلات ادخاره الداخلي، أصبح يعتمد بشكل كبير على مداخيل غير قارة واردة من الخارج ،وأن لا خيار للمغرب اليوم خارج التوافق الوطني حول سياسة اقتصادية انتقالية من أجل إصلاح المالية العمومية وتحويل بنيوي للاقتصاد واسترجاع القدرة على تملك الأدوات المالية والنقدية لتنافسية المستقبل. هذا وفي الوقت الذي لا تشجع فيه حالة الاقتصاد المغربي ومؤشرات الاستثمار ، حسب ما رصده بارومتر الباطرونا في تقاريرها الدورية الأخيرة حول وضعية المقاولة المغربية ، على كل هذا السخاء الذي يبديه البنك الدولي إزاء طلبات الحكومة على الاقتراض الخارجي ، في ظل تدنِي أغلب المؤشرات ذات الصلة باقتصاده وماليته، نظير التوازنات الماكرو اقتصادية أو عجز الميزان التجاري أو عجز ميزان الأداءات اللهم اقتناص ما يمثله زبون يتمتع بالاستقرار كالمغرب، في مناخ إقليميي مضطرب، من فرصة سانحة ومردودية مضمونة ،حسب الباحث والخبير الاقتصادِي نجيب أقصبي . وفي هذا السياق ،وبقدر ما يبدي صندوق النقد الدولي ثقته في قدرة المغرب على تجاوز المرحلة بالاعتماد على تنوع مصادر الدخل الخارجي، ومنها المساعدات العربية والدولية ، بقدر ما يحذر المسؤولين المغاربة ، كما جاء على لسان كرستين لاغارد مديرة صندوق النقد الدولي خلال زيارتها الأخيرة للمغرب، من مغبة اعتماد الاستقرار السياسي وحده لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية، بدل الاستقرار الاقتصادي الذي يجب أن يصير أولوية قصوى، ذلك أن عوامل تقويض معدلات النمو الهزيلة أصلا وتعميق هوة الفوارق والتفاوتات الاجتماعية وتفشي البطالة في أوساط الشباب تجد معطياتها الحقيقية في المالية العمومية التي لا تخضع للسيطرة والدين المتزايد والتضخم المرتفع واحتياطات النقد الأجنبي المتراجعة.