قدم محمد بنشعبون، وزير الاقتصاد والمالية، أمس الاثنين، في جلسة عمومية مشتركة بين مجلسي النواب والمستشارين، الخطوط العريضة لمشروع قانون المالية للسنة المالية 2019، والذي يرتكز على “التوجهات المصادق عليها في المجلس الوزاري المنعقد بتاريخ 10 أكتوبر 2018″، وكذا “التوجيهات الملكية المضمنة بخطابي العرش وذكرى ثورة الملك والشعب”، ذات البعد الاجتماعي والاقتصادي. بنشعبون، وضمن عرضه أمام البرلمانيين، وبحضور سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، وعدد من أعضاءها، أكد أن مشروع قانون المالية للسنة المقبلة، يعد مشروعا ذا “توجه اجتماعي وتضامني”، كاشفا عن أولوياته، والتي قال إنها موجهة بالأساس إلى “برامج تقليص الخصاص الاجتماعي، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، وتوفير فرص الشغل للشباب، من خلال تحفيز الاستثمار ودعم المقاولة”. وأفاد المسؤول الحكومي خلال الجلسة العمومية ذاتها، التي ترأسها كل من الحبيب المالكي، رئيس مجلس النواب، وحكيم بنشماش، رئيس مجلس المستشارين، بأن الحكومة تتوخى، من خلال مشروع قانون ماليتها للسنة القادمة، تحقيق نمو اقتصادي “في حدود 3.2 في المائة”، مع مواصلة التحكم في التضخم في أقل من 2 في المائة”، وضمان استقرار التوازنات المالية عبر حصر العجز “في 3.3 في المائة”. ركائز الاقتصاد متينة..ورهانات لا تقبل الحسابات الضيقة بنشعبون وفي عرضه أمام النواب والمستشارين، أكد على أن “ركائز الاقتصاد الوطني متينة”، مبرزا أن”توطيدها يأتي من خلال إعادة الثقة للمواطن”، ثم زاد موضحا أن “إعادة الثقة للمواطن يأتي عبر توفير خدمات اجتماعية تحفظ كرامته، وتمكينه من شغل لائق ودخل محترم وقار، يقوي إرادته على المساهمة في تنمية بلاده”. ودعا في هذا السياق إلى ضرورة “تعزيز التواصل مع المواطن، وتقوية ثقته في مؤسسات بلاده، وفي إرادتها الصادقة وقدرتها على الاستجابة لحاجياته”، مشددا في الوقت ذاته على وجوب “إعادة الثقة كذلك للمقاولة والمستثمرين وكل الفاعلين الاقتصاديين”. وتابع قائلا إن “التحفيزات الجبائية وتوفير العقار وتحسين مناخ الأعمال، تبقى غير كافية إذا لم نعد الثقة لكل الفاعلين الاقتصاديين الوطنيين والأجانب، في الإمكانيات التي يتيحها المغرب على مستوى استقراره السياسي والاجتماعي، ومتانة مرتكزات اقتصاده، والآفاق الواعدة التي يفتحها النقاش المشترك لكل القوى حول النموذج التنموي لبلادنا بقيادة ملكية رشيدة”، مضيفا أن الحكومة حرصت من خلال مشروع قانون ماليتها، على “إعطاء إشارات قوية في هذا الاتجاه”، من خلال استغلال “كل الهوامش على المستوى المالي، وتوجيهها بالأساس إلى دعم القطاعات الاجتماعية والتقليص الفواق في إطار تفعيل التوجهيهات الملكية السامية، مع اتخاذ مجموعة من التدابير الهامة لتحفيز الاستثمار ودعم المقاولة”. ووفق بنشعبون فإنه إذا كان تحقيق هذه الأهداف “مرتبطا بقدرة الحكومة على التفعيل السريع لمختلف التدابير المتضمنة في هذا المشروع، فهو مرتبط أيضا بمدى تفاعل وتجاوب الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين وعلى رأسهم القطاع الخاص، واستحضارهم لروح الوطنية الصادقة وقيم التضامن التي لطالما تشبع بها المغاربة عبر التاريخ، من اجل رفع الرهانات والتحديات التي تواجه بلادنا، والمرتبطة بالأساس بتحقيق العدالة الاجتماعية، وتقليص الفوارق، وتوفير الشغل للشباب”، وهي الرهانات التي اعتبرها وزير الاقتصاد والمالية “مستعجلة، ولا تقبل الانتظارية والحسابات الضيقة، بل تتطلب استنهاض الهمم، ونكران الذات، والغيرة الصادقة على مصالح الوطن والمواطنين”. سعر النقط ووتراجع الهبات أثرا على التوازنات المالية الوزير وخلال عرضه، أشار إلى أن الحكومة تتوخى من خلال مشروع مالية 2019 إلى تحقيق “معدل نمو للناتج الداخلي الخام في حدود 3.2 في المائة”، مع “مواصلة التحكم في التضخم في أقل من 2 في المائة، وضمان استقرار التوازنات المالية عبر حصر العجز في 3.3 في المائة”. واعترف بنشعبون أمام البرلمانيين، بأن الإكراهات المرتبطة أساسا ب”ارتفاع أسعار النفط والغاز، والأوراش الاجتماعية المستعجلة، سيكون لها تأثير مباشر على التوازنات المالية”، مشددا على أن ذلك “يقتضي ضرورة اتخاذ ما يلزم من تدابير على مستوى تعبئة الموارد، والتحكم في النفقات، وابتداع الآليات الكفيلة بتخفيف عبئ الميزانية العامة على مستوى الاستثمار”. وذكر في هذا الصدد بأن أسعار البترول والغاز شهدت ارتفاعا كبيرا، مسجلة زيادة بما “يناهز 40 في المائة مقارنة مع السنة الماضية”، مضيفا أنه نتيجة لذلك من “المنتظر ان ترتفع نفقات المقاصة بحوالي 5 ملايير درهم نهاية هذه السنة، مقارنة مع التوقعات التي بني عليها قانون مالية 2018”. واستطرد الوزير وهو يستعرض أسباب ارتفاع العجز خلال السنة الجارية، أنه” إذا ما اخذنا بعين الاعتبار تراجع موارد التعاون الخارجي، فإن عجز الخزينة لسنة 2018 سيرتفع ليبلغ 3.8 في المائة مقابل 3 في المائة من الناتج الداخلي الخام المبرمج في القانون المالي”. لمالية 2019 توجه اجتماعي تضامني.. الصحة والتعليم وتشجيع التبرع لم يبالغ الوزير بنشعبون حينما أكد أن مشروع قانون المالية للسنة المقبلة، يعد مشروعا ذا “توجه اجتماعي وتضامني”، إذ تشير الأرقام التي قدمها أمام البرلمان، إلى أن السنة المقبلة، ستكون سنة البرامج الاجتماعية بامتياز، حيث كشف المسؤول الحكومي عن تخصيص “7 ملايير درهم، في إطار التزام الحكومة بالرفع من النفقات الموجهة لهذه للقطاعات الاجتماعية، وخاصة التعليم والصحة، تفعيلا لتوجيهات جلالة الملك”. وفي هذا السياق، أعلن بنشعبون، أن مشروع قانون المالية لسنة 2019 خصص ما مجموعه 68 مليار درهم لقطاع التعليم، بما فيها مليارين و100 مليون درهم برسم برنامج تيسير و4 ملايير درهم كاعتمادات للالتزام، مؤكدا أن الحكومة “ستعطي الأهمية لتنزيل إصلاح منظومة التربية والتكوين، عبر التركيز بالاساس على تعزيز دور هذه المنظومة في تأهيل الشباب لولوج سوق الشغل، وذلك من خلال إعطاء الأسبقية للتخصصات التي توفر الشغل، واعتماد نظام ناجع للتوجيه المبكر، هذا فضلا عن تعزيز إدماج تعليم اللغات في كل مستويات التعليم، وتدريس المواد التقنية والعلمية”. وأضاف الوزير أنه سيتم تقوية العرض المدرسي “من خلال توسيع شبكة المؤسسات التعليمية بإطلاق عملية بناء 137 مؤسسة جديدة، وتعزيز الموارد البشرية عبر إحداث 15 ألف منصب مالي جديد”، وذلك بهدف “تقليص الاكتظاظ والأقسام متعددة المستويات”. ولفت الوزير إلى أن برنامج تيسير “سيستفيد من 2.1 مليار درهم، أي بزيادة 1.5 مليار درهم”، وذلك بهدف الرفع من عدد التلاميذ المستفيدين من هذا البرنامج إلى “أزيد من مليوني تلميذ”، موازاة مع الرفع من القيمة اليومية المخصصة للمطاعم المدرسية والداخليات لفائدة “أزيد من مليون و400 ألف تلميذ”، بغلاف مالي إضافي يقدر بحوالي 600 مليون درهم، “مع “تخصيص 250 مليون درهم للمبادرة الملكية مليون محفظة”، و”600 مليون درهم لدعم الأرامل”، و150 مليون درهم للأشخاص في وضعية إعاقة، و”1.8 مليار درهم برسم منح الطلبة”. ومن بين البرامج الهامة، التي أطلقتها الحكومة، والتي ستواصل العمل على تعزيزها، “الشروع في تعميم التعليم الأولي عبر تسجيل 100 ألف تلميذ إضافي”، يبرز بنشعبون، الذي أضاف أن الحكومة ستعمل كذلك “على إعادة النظر بشكل شامل في تخصصات التكوين المهني لجعلها تستجيب لحاجيات المقاولات والقطاع العام، وتواكب التحولات التي تعرفها الصناعات والمهن بما يتيح للخريجين فرصا أكبر للاندماج المهني”، مؤكدا أنهبالموازاة مع ذلك، سيتم “إطلاق جيل جديد من المراكز لتكوين وتأهيل الشباب بمساهمة صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وفقا للتوجيهات الملكية السامية”. أما بالنسبة لقطاع الصحة، فقد خصصت له الحكومة ضمن مشروع قانون المالية، “28 مليار درهم،” بما فيها “7 ملايير درهم كالتزامات برسم بناء وتجهيز المراكز الاستشفائية الجامعية للرباط، وطنجة، وأكادير، ومراكش، ووجدة”، بالإضافة إلى إحداث 4 آلاف منصب مالي. وحسب بنشعبون فإن المشروع سيخصص مليار و600 مليون درهم درهم لبرنامج نظام المساعدة الطبية، المعروف اختصارا ب”راميد”، الذي قال إن معالجة الاختلالات التي تشوب تنفيذه، تكتسي “أولوية خاصة لضمان الولوج العادل والمنصف إلى الخدمات الصحية بالنسبة للمواطنين ذوي الدخل الضعيف”. وخلص الوزير بخصوص الشق المتعلق بقطاع الصحة إلى أن سنة 2019 “ستكون منطلقا للشروع في تفعيل مخطط الصحة 2025، الذي يهدف إلى تمكين المواطنين من خدمات صحية جيدة، وتحسين ظروف استقبالهم في المستشفيات من خلال تعزيز البنية التحتية الاستشفائية وتوفير الأدوية.” أورد بنشبعون أنه “تفعيلا للتوجيهات الملكية السامية المتعلقة بتبسيط المساطر لتشجيع مختلف أشكال التبرع والتطوع والأعمال الخيرية”، يقترح مشروع قانون المالية “تدبيرا يتعلق بتمكين المقاولات من خصم الهبات الممنوحة لفائدة بعض الجمعيات من الحصيلة الخاضعة للضريبة على الشركات أو الضريبة على الدخل”، مشيرا إلى أن الأمر يتعلق ب”الجمعيات التي أبرمت اتفاقية شراكة مع الدولة بهدف انجاز مشاريع ذات مصلحة عامة”. وفي علاقة ببرامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، تعهدت الحكومة على لسان وزيرها في الاقتصاد المالية بمواصلة دعم هذه البرامج، من خلال “تخصيص 1.8 مليار درهم سنويا”، وذلك ل”تدارك الخصاص المسجل على مستوى البنيات التحتية والخدمات الأساسية بالمجالات الترابية الأقل تجهيزا، ومواكبة الأشخاص في وضعية هشة، وتحسين الدخل والإدماج الاقتصادي للشباب”. زيادة الاستثمار .. وهدايا للمقاولين الشباب من جانب آخر، أكد الوزير أن مشروع قانون المالية يولي “أهمية خاصة لانعاش الاستثمار، لاسيما دعم المقاولة، وخاصة المقاولات الصغرى والمتوسطة، من أجل تشجيعها على تشغيل الشباب”، مبرزا أن الحكومة ستواصل “المجهود الإرادي لدعم الاستثمار العمومي باعتباره رافعه للاستثمار الخاص، من خلال تخصيص ما مجموعه 195 مليار درهم لمواصلة الاستراتيجيات القطاعية والأوراش الكبرى للبنية التحتية”. كما أعلن المسؤول الحكومي، أنه “سيتم إعطاء الأولوية لمواصلة مخطط التسريع الصناعي وتثمين المنجزات التي حققها على مستوى إحداث فرص الشغل واستقطاب الاستثمارات الأجنبية”، مع “تعزيز تموقع المقاولات الوطنية على مستوى سلاسل الانتاج العالمية”، وكذا “توسيع مجال المنظومات الصناعية”، إلى جانب “الرفع من وتيرة الاندماج عبر خلق شبكة من المقاولات الوطنية المناولة”. ولم يفوت الوزير المناسبة دون التأكيد أيضا على أن الحكومة ستحرص كذلك “على تعزيز المكاسب المحققة في الميدان الفلاحي في إطار مخطط المغرب الأخضر، والعمل على خلق المزيد من فرص الشغل والدخل، خاصة لفائدة الشباب القروي، وذلك بتسهيل ولوج المستثمرين للعقار الفلاحي عبر تعبئة الأراضي الفلاحية المملوكة للجماعات السلالية وفق مقاربة تجمع بين الإنجاز الفعلي للمشاريع الاستثمارية والحد من التجزئة المفرطة للاستغلالات الفلاحية، وتوفير المواكبة التقنية والمالية المطلوبة”، كما “ستولي أهمية خاصة لتثمين المنتوجات الفلاحية وتطوير آليات تسويقها داخليا وخارجيا، لا سيما بالنسبة لصغار الفلاحين”، يورد الوزير. وبهدف تحفيز الاستثمار، أشار الوزير إلى أن الحكومة ستعمل على “اتخاد مجموعة من التدابير التشريعية والتنظيمية والمؤسساتية الرامية لتحسين مناخ الأعمال، ومنها “الإسراع بإخراج الميثاق الجديد للاستثمار”، الذي من المنتظر أن يعزز جاذبية المغرب في مواجهة المنافسة الدولية، فضلا عن “تسريع تفعيل إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار، وتمكينها من الصلاحيات اللازمة للقيام بدورها في تحفيز الاستثمار على المستوى الجهوي وخلق فرص الشغل”. وبخصوص المقاولات وبالأساس المتوسطة والصغيرة والصغيرة جدا، قال الوزير إن الحكومة تولي أهمية خاصة لدعم القطاع، وذلك من خلال اتخاد مجموعة من التدابير الرامية إلى إعادة الثقة للمقاولة وتحفيزها على الاستثمار وخلق فرص الشغل، ويتعلق الأمر أساسا ب”التصفية الكلية لدين الضريبة على القيمة المضافة المتراكم خلال السنوات الماضية، بالنسبة لمقاولات القطاع الخاص وكذا المقاولات العمومية، والذي بلغ 40 مليار درهم”، و”تقليص آجال أداء الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات والمقاولات العمومية لما بذمتها من مستحقات تجاه المقاولات، عن طريق وضع آليات مناسبة للتتبع الدقيق لآجال الأداء واتخاد ما يلزم من تدابير لتقليصها”، مع “تحسين شروط ولوج المقاولات المتوسطة والصغرى والصغيرة جدا للتمويل، عبر تبسيط آليات الضمان والرفع من سقف تمويل جمعيات السلفات الصغرى”، فضلا عن “مراجعة الأسعار الحالية للضريبة على الشركات بهدف ملاءمتها مع خصوصيات المقاولات الصغرى والمتوسطة، خاصة عبر تقليص سعر الضريبة على هذه الشركات من 20 في المائة إلى 17.5 في المائة”. الخوصصة واعادة الهيكلة ستضخ 8 ملايير درهم إلى ذلك، شدد وزير الاقتصاد والمالية، أن الحكومة ستعمل على اتخاذ التدابير اللازمة من اجل الرفع من الموارد المالية للدولة، كاشفا في هذا الصدد عن اتجاه الحكومة نحو “مراجعة استراتيجية مساهمات الدولة في بعض المؤسسات والمقاولات العمومية، عبر تفعيل إصلاح هيكلي تدريجي لهذه المؤسسات لتحسين حكامتها ونموذجها التدبيري، وضمان ديمومة مساهمتها في تعزيز موارد الخزينة واستعادة دورها الأساسي في دينامية الاستثمار العمومي”. وسجل الوزير أن الأمر يتعلق بالأساس ب”تفويت الممتلكات والشركات التابعة والمساهمات غير الضرورية، موازاة مع ترشيد تكاليف الاستغلال ونفقات التسيير وإعادة النظر في النموذج الاقتصادي والمالي لهذه المؤسسات من أجل الرفع من الموارد الذاتية”، مشيرا إلى أنه من المنتظر أن تمكن هذه التدابير التي سيتم تفعليها في هذا الإطار، “من توفير موارد إضافية تقدر ب8 ملايير درهم”. بالموازاة مع ذلك، ستعمل الحكومة حسب الوزير على “الرفع من الضريبة الداخلية على الاستهلاك، خاصة تلك المتعلقة بالتبغ، والتي ستمكن من تعبئة موارد إضافية تقدر بمليار و200 مليون درهم”، مشيرا إلى أنه بالإضافة إلى هذه التدابير على مستوى تعبئة الموارد، فقد عملت الحكومة على تمويل جزء من المشاريع الاستثمارية المبرمجة في إطار الميزانية العامة للدولة، من خلال اعتماد آلية جديدة للتمويل مبنية على “الشراكة بين الدولة ومجموعة من الفاعلين المؤسساتيين”، موضحا أن هذه الآلية “ستمكن من توفير تمويل لما مجموعه 12 مليار درهم من الاستثمارات برسم سنة 2019، في إطار تخفيف العبء على الميزانية العامة للدولة والحفاظ على التوازنات المالية”.