بضعة أيام فقط بعد فشل "المفاجأة السارة" التي وعد رئيس الحكومة بالإعلان عنها يوم الإضراب الوطني، تأتي المندوبية السامية للتخطيط بما لم يعد "يفاجئ أحدا" أي تأكيد الزيادات في كل شيء بالزيادة المتواصلة في أعداد "الشمورات"!. فبعد تعثر وتباطؤ "سياسة المدينة" التي لم تقدر على تقديم حل جذري لمغرب المليون صفيحي، هاهي الحكومة مستمرة في "منجزاتها" (!)، بل لتجاوز "مغرب المليون عاطل" بوتيرة مرشحة لزيادات مقبلة، لأن الرقم الرسمي مر بالضبط من 1.076.000 عاطل خلال الفصل الثالث من سنة 2013 إلى 1.140.000 خلال نفس الفصل من السنة الحالية، أي بزيادة 64.000 طالب عمل في سنة واحدة من أيام حكومة مطالبة على الأقل بنقد ذاتي، بعد وعودها الانتخابية والتزام البرنامج الحكومي المقدم أمام غرفتي البرلمان وكل الرأي العام، بل بعد التمادي في نكران الواقع، عند الخطاب الموالي لتعديل الفريق الوزاري بعد الانسحاب الاستقلالي! ليتضح أن ما تدعيه الحكومة "استراتيجية التشغيل" لن يكون إلا "بومادة " ترقيعية ظرفية لأعراض حالة مرضية محتاجة إلى عمليات جراحية! لأن رسوب برنامجي "مقاولتي" و"إدماج" يعود إلى سوء إندماج قطاعي -وطني، مركزي، محلي وداخلي- خارجي لتأهيل كل النسيج الاقتصادي وتمكينه من احتواء اتساع السوق التشغيلي، مع العلم أن العولمة المفروضة على المغرب، والتي لا خيار له معها إلا مواجهة تحدياتها، لن تمكن من أي تحسن في خلق فرص عمل متعلق بالمبادلات الخارجية، نظرا لاستمرار الأزمة الخانقة التي تعاني منها البلدان الأوربية، وعلى رأسها الديار الفرنسية التي عبرت لفرانسوا هولاند على أدنى نسبة ثقة الرأي العام في تاريخ الجمهورية الخامسة! ومع العلم أن ما تدعيه ميزانية 2015 من إحداث 446 - 22 منصب شغل إداري عمومي يحتوي على تغليط إحصائي، مختبئ وراء الخلط الممنهج بين خلق فرص تشغيل والاكتفاء بتعويض جزئي للمحالين على التقاعد، ليتقلص الحجم الحقيقي إلى 11.230 منصب شغل جديد، بل ذهبت الحكومة إلى الأخذ بعين الاعتبار كل رجال ونساء التعليم الذين فرضت عليهم البقاء في أقسامهم ومدرجاتهم خلال السنة الدراسية الحالية! أما فيما يخص التشغيل في القطاع الخاص فلا عجب أن يضع الباطرونا المساعدات والتشجيعات والتحفيزات المقدمة ضمن الميزانية العمومية المقبلة كشرط أساسي لخلق فرص التشغيل، لكن "أعطيني نعطيك" المحتاج إلى شفافية المعاملة بين الدولة والخواص، يعاني من مفضلي المضاربة والاستفادة الريعية على المساهمة في تشغيل وتكوين الموارد البشرية!. ذلك لا يعفي الحكومة من التساؤل حول جدوى 46 مليار درهم المصروفة على التربية الوطنية و9 ملايير المسخرة للتعليم العالي، إذ لا يعقل رغم 55 مليار درهم من دافعي الضرائب، أن تترك المنظومة التعليمية، من الابتدائي إلى الجامعي، آلاف أطفال الهدر المدرسي وآلاف طلبة الانقطاع عن تكوين لم يهيئه لهم السلك الثانوي والرصيد اللغوي، إضافة إلى انتظار إيجاد الشغل بعد استكمال تكوين يفهم المتخرج بعد نهايته أن لا علاقة له باحتياجات البلاد الإنتاجية والخدماتية التنافسية. ورغم كل هذا وذاك، لازالت الحكومات المتوالية متشبثة بالتوازن الميزانياتي، حتى ولو على حساب توازن اجتماعي بين الفئات والجهات، وكأنها تقبل بدون حرج، تناقضا صارخا بين تضحيات ماكرو اقتصادية تفقيرية مع الزيادة المستمرة في طول صفوف البطالة، كالطبيب المنعدم الكفاءة الذي ينتظر موت المريض وهو في كامل عافيته!