ج1 : مقهى رجوع الصياد … الحافلة المهترئة تتمطى على الطريق الساحلي . وصلت الان الى مشارف البئرالجديد . اي منتصف المسافة بين الدارالبيضاء والجديدة . القيت بناظري من خلال زجاج نافذة الاغاثة المتسخ . بناية رائعة تتوسط الحقول الزراعية . مقهى ومطعم رجوع الصياد . بخط احمر كتبت في اعلاها . هذه العبارة الرومانسية . وبجانبها رسم لقناص يحمل بندقية على كتفه الايمن . وبجانبه رفيقه الوفي السلوقي . انطلقت بنا الناقلة على الساعة الثامنة صباحا . وهي الان تناهز العاشرة والنصف . سنة 1982 لم يكن هناك وجود للطريق السيار . والكار مازال يعطر . يقف حيثما اتفق . كلما لوح له احد الركاب على قارعة الطريق . لتبدا على اثرها مفاوضات لا تنتهي . حول المبلغ الواجب دفعه . واخيرا بدات تتراءى لنا بنايات مازاغان . تحيط بها امواج المحيط الزرقاء . غادرت الناقلة وتوجهت راجلا . باحثا عن مركز تكوين المعلمين المنار . لافاجا باغلاقه بسبب الاشغال .قيل لي اذهب الى مدرسة التريعي .فهناك مكان الدراسة ريثما تنتهي الاشغال . وهناك وجدت العشرات من الطلبة . يستكملون اجراءات التسجيل . لهجات متعددة بسحنات متباينة . يحملون حقائبهم على اكتافهم . وينخرطون في نقاشات لا تنتهي . حول البحث عن سكن ياويهم . لان نظام المركز خارجي . يعطيك منحة اخر الشهر لتتدبرامور العيش والسكن … (2) حين دخلتُ المدرسة حافي القدمين بالفضاء الخارجي لمقهى القمة بحي جوادي، جلست على كرسي وتناولت جريدة الاخبار. كانت موضوعة على الطاولة.. الجميل ببلادنا ان المقاهي تقد م لنا خدمة قراءة الصحف بالمجان. بشكل تلقائي اتجهت للصفحة الاخيرة، فأنا من بين الآلاف من القراء الشغوفين بالعمود اليومي للزميل رشيد نيني . شكون هاد الصكع اللي غادي ينزل عليه اليو م با رشيد .. قلت مع نفسي وانا اكتم ابتاسمتي... وقف النادل امامي آش تشرب ا استاذ؟ قلت : كحلة خفيفة والسكر على برة... وضعت اليومية على الطاولة . واطلقت العنان لمخيلتي. تسافر بي عبر الزمن الجميل. أيام الطفولة اي ما يناهز الاربعين سنة. حيث يعتبر هذا المكان. بحي جوادي بمنطقة ابن مسيك. مسقط راسي بمدينة الدارالبيضاء. كان عمري آنذاك سبع سنوات. كنت ألهو مع أقراني، نقضي سحابة يومنا في الجري بين ازقة الحي كالمجانين. كنت أجري خلف عجلة حديدية أدفعها بسلك.. في لعبة شيقة كنا نسميها الدور. وفي لحظة ما اختطفتني يد قوية لتضعني امامها على متن دراجة، لم يبال حتى بمحاولة استرجاع الصندل البلاستيكي الساقط على الارض.. "فين كنت يا البرهوش؟ من الصباح وداركم كيقلبو عليك".. حملني جارنا محماد امامه على دراجته، لم اشعر بنفسي الا وانا بين يدي والدي الذي كان امام مدرسة الرافعي ينتظرحضوري للالتحاق بالمدرسة... دخلت الطابور وسط اطفال آخرين، فجأة انتبه والدي انني كنت حافي القدمين.. "فين هي الصندالة ديالك العفريت؟" تكلف محماد بالبحث عنها وايصالها لي الى غاية القسم . رافقنا معلمنا الى غاية القاعة 3 ؟. حيث اخذنا اماكننا كيفما اتفق.. بعد قليل وقف شخص امام قاعة الدرس، التفتت الانظار اليه.. إنه با سليمان حارس المدرسة، بوزرته الزرقاء وسرواله القندريسي البني وعمامته البيضاء فوق راسه وعصاه التي لاتفارق يمينه، وفي يده اليسرى يحمل صندالتي البيضاء.. "فينا هو مولاها"؟ صاح فينا بصوته الجهوري لأتقدم نحوه وانتعلها، باغتني بصفعة على خدي الأيمن أرتني نجوما تألقت اما م ناظري، ونبهني لعدم المجيء للمدرسة حافي القدمين، لتنبعث من بين الصفوف ضحكات ساخرة.. بدأ المعلم ينادي علينا تباعا، في محاولة للتعرف علينا فرادى، سألنا عن أشياء نجيب عن بعضها، ونجهل الكثير حيث نكتفي بالسكوت، ونمعن في التأمل في وجهه الدائري المكتنز وعينيه الحمراوين وصلعته البراقة التي استأترت بفضولنا الطفولي.. يبدأ بعدها في تلقيننا نشيدا كنا نردده بأقصى ما لدينا من قوة، بينما هو جالس إلى مكتبه يغالب غفوة النوم التي تنتابه به من وقت لآخر.. نستغل عدم انتباهه لنا لنمارس بعض الشغب الطفولي.. كان يضرب الواحد منا الآخر ، لنفاجأ بضربة قوية بعصاه على مكتبه كلما استفاق من غفوته.. فطن لألاعيبنا الصبيانية قبل الانتهاء من حصة الدرس، فنبهنا إلى ضرورة إحضار أدواتنا المدرسية.. لوحة ودفتران وقراءة بوكماخ ومسطرة وريشة، أما المداد فيتم توزيعه علينا في بداية الحصة كذلك الطباشير والمقلمة والمنشفة والمحافظ فيجب علينا احضارها.. أحسسنا بفرحة كبرى تغمرنا عندما دق الجرس معلنا الخروج.. خرجنا مثنى مثنى رفقة معلمنا، وما إن وصلنا باب الخروج، حتى انطلقت اقدامنا تسابق الريح، لنستعيد حريتنا التي افتقدناها بين أحضان مدرسة الرافعي لساعات طويلة حسبناها لن تنقضي أبدا...