تصريف الإعلام حول سوق الشغل في الوسط المدرسي : منتدى المخططات القطاعية بالمغرب نموذجا تُجمع مختلف الأدبيات المهتمة بمجال التوجيه التربوي على أن إشكالية الاختيار الدراسي والمهني تتموقع عند نقطة تلاقي مجالين يتسمان بطابعهما الدينامي، يرتبط أحدهما بذات المتعلم التي تخضع في سيرورة بناءها وتطورها لجملة من العوامل الشخصية والنفسية والعائلية...، فيما يتعلق المجال الثاني بالتطورات المتسارعة التي يشهدها المحيط السوسيو اقتصادي والمهني. لذلك، فكل مقاربة للتوجيه تتوخى الفعالية والنجاعة يجدر بها الاشتغال على مختلف الموجهات المؤطرة لعملية الاختيار. 1424350398وبتركيز التحليل على المكون السوسيو اقتصادي في هذه المعادلة، وأخذا بعين الاعتبار أهمية وحيوية المعلومة المرتبطة به في سيرورة اتخاذ القرار، واستحضارا لمحددات المدرسة المغربية الجديدة التي أسس لها الميثاق الوطني للتربية والتكوين خاصة ما يرتبط بأهمية انفتاحها على المحيط خدمة لمصالح وانتظارات المتعلمين، يبرز السؤال المتعلق بالصيغ التي يمكن للمنظومة التربوية الاشتغال عليها للتأسيس لهذا الانفتاح المأمول على المحيط الاقتصادي، لخدمة الأهداف المتعلقة بمساعدة المتعلم على التوجيه بشكل خاص. ضمن هذا الإطار، تحاول هذه الورقة إبراز أهمية المعلومة المرتبطة بالواقع الاقتصادي والسوسيو مهني في عملية التوجيه، ودور "منتدى المخططات القطاعية" كتدخل إعلامي، في التفاعل مع انتظارات المتعلمين في هذا المجال. تعد المعلومة مرتكزا أساسيا في سيرورة بناء المشروع الشخصي للمتعلم، وكلما توفرت لها شروط الجودة والدقة والصلاحية أمكن استثمارها بالشكل المطلوب وساهمت في أداء دورها التربوي. ورغم أن العديد من الدراسات قد تناولت الصعوبة المرتبطة بالإحاطة بمختلف الحاجات الإعلامية للمتعلمين لأنه لا يتم توصيفها والتعبير عنها بدقة من طرفهم، أو لأن مصادرها المفترضة غير معروفة، أو أحيانا لعدم توفر كفايات التوليف والربط بين المعلومات المتدفقة، فإن إمكانيات رصد الحاجات الإعلامية قد تتوفر من خلال تحليل طبيعة ونوعية الأسئلة التي يطرحها المتعلمون والتي تتمحور، في الغالب، حول مسارات التكوين وآفاق ما بعده، أو من خلال استحضار ارتباط المعلومة بسيرورة اتخاذ القرار. وهنا تبرز أهمية المعلومة حول الآفاق المهنية أساسا ومختلف إمكانات الاندماج السوسيو مهني. كما يمكن مقاربة موضوع الحاجات الإعلامية اعتمادا على مدخل فارقي يستحضر اختلافات الفئات المستهدفة من حيث النوع والانتماء الاجتماعي أو من حيث أساليب اتخاذ القرار، وأخيرا يمكن أن تكون العوامل المرتبطة بالارتياح النفسي (الدخل، الموقع الاجتماعي المأمول...) مداخل لتحديد الحاجات الإعلامية لدى المتعلمين. إن مركزية المعلومة المرتبطة بالآفاق المهنية وسوق الشغل ضمن سلم الحاجات الإعلامية، وضرورة العمل من أجل توفيرها في الوقت وبالشكل المناسب يصطدم بطبيعة هذه المعلومة في حد ذاتها. فالتغيرات العلمية والتكنولوجية المتسارعة تؤدي إلى عدم استقرار المنظومة المهنية، إذ إلى جانب بروز مجالات مهنية جديدة، هناك تحول لبعض المهن، واختفاء لأخرى، وكذا تغير في أنماط العلاقات المهنية والشروط العامة للممارسة المهنية... هذا الأمر يجعل من الصعوبة توقع شكل ومتطلبات أية مهنة على المدى البعيد، ويجعل من الدراسات الاستشرافية أدوات للمساعدة والاستئناس ليس إلا. إن هذا الوضع تزداد صعوبته إذا استحضرنا العمر الزمني والعقلي للمتعلم المقبل على الاختيار، حيث تزداد الصعوبة في بناء تصور مستقبلي متكامل ومركب حول منظومة التشغيل وواقع سوق الشغل. يبدو أن دور المنظومة التربوية، في سياق مواكبتها للمتعلم وحسن إعداده لعملية الاختيار، مطالبة برفع تحدي الانفتاح على عالم الاقتصاد والمهن والشغل، ومساعدة المتعلم على اكتساب الكفايات اللازمة لتحليل المعطيات الاقتصادية في كل وقت وحين، والتفاعل مع المستجدات، وذلك من خلال الاشتغال على مستويين اثنين على الأقل: – على المستوى المنهجي: أمام صعوبة استثمار المعطيات السوسيو-مهنية لبناء مشاريع شخصية على المدى البعيد، ينبغي أن تهتم المدرسة بتطوير كفايات المتعلم في مجال بناء الاستراتيجيات قصيرة المدى، واكتساب القدرة على تعديل المسار، وامتلاك الفكر التحليلي والنقدي للظواهر الاقتصادية، وبناء البدائل...؛ – على المستوى المعرفي: يمكن أن يكون عالم الشغل والمهن مجالا للدراسة والتعلم من خلال العمل على إغناء وتصحيح التمثلات واكتساب المعارف المهنية للمتعلم، وتنمية قدراته على إبداء الملاحظات بشأن الاختيارات الاقتصادية، واستخلاص وتحديد وضبط قواعد اشتغال المحيط الاقتصادي، ومحاولة فهم تطور منظومة الاقتصاد وتحديد التغيرات التي تخضع لها... إذ في ظل مقاربة تربوية للتوجيه، يعد انفتاح المتعلم والمؤسسة على المجالات الاقتصادية المختلفة والمهن المتفرعة عنها، والوعي بالفرص التي يتيحها الاقتصاد الوطني مجال اشتغال نوعي في إطار مواكبة المتعلم على الاختيار. ضمن هذا التأطير، وإعمالا للمقاربة المعتمدة في مجال التوجيه التربوي الهادفة إلى توعية المتعلم بالعلاقات المتشعبة بين النظامين التكويني والمهني، وإكسابه كفايات ومهارات تؤهله للتموقع في عالم متغير باستمرار، يمكن أن يشكل "منتدى المخططات القطاعية بالمغرب" أداة عمل إجرائية للانفتاح على سوق الشغل والوسط الاقتصادي، مستحضرة في ذلك الاستجابة لطلب مفترض حول المعلومة المرتبطة بالضلع الثالث من مثلث بناء المشروع الشخصي ألا وهو المعلومة الاقتصادية والمهنية. وهكذا، يمكن اعتبار "منتدى المخططات القطاعية بالمغرب" تدخلا تربويا يغني الممارسة التربوية في مجال التوجيه. يتخذ المنتدى شكل نشاط إعلامي وتواصلي جماعي موجه لفائدة المتعلمين على مستوى المؤسسات التعليمية، ويعرف بالمخططات والاستراتيجيات التي تشتغل عليها الهيئات الحكومية في مختلف مجالات التنمية الاقتصادية. كما يسهر الفاعلون في مجال التوجيه التربوي على تأطير هذا المنتدى، مع إمكانية الاستعانة بالمهنيين متى توفرت الشروط المناسبة لذلك. ومن ثم، يساهم هذا النشاط في تحقيق جملة من الأهداف العامة والخاصة التي تسعى منظومة التوجيه التربوي لخدمتها، ومن ضمنها: – انفتاح المتعلم على المحيط المهني الوطني في ارتباطاته المجالية والتكوينية بما يتجاوز النظرة الضيقة للمحيط المهني العائلي والجغرافي اليومي الذي يعيش المتعلم في إطاره ويتعايش معه، وبما يسمح بإغناء رصيده المعرفي حول منظومة المهن؛ – العمل على إشراك المتعلم في سيرورة متواصلة للبحث الفعال عن المعلومة بشكل تدريجي موازاة مع تقدم مساره الدراسي بما يسمح له بتملك وتجريب أدوات ومناهج البحث؛ – إضفاء البعد الوظيفي على عملية الاختيار الدراسي والمهني المرتبطة بعتبات التوجيه من خلال ربطها بشكل وثيق وعملي بمعطيات سوق الشغل، وحسن توجيه التكوين ليتلاءم مع حاجيات ومتطلبات التنمية الاجتماعية والاقتصادية؛ – استحضار مفهوم التخطيط الاقتصادي كآلية عمل تنهجها الدولة لاستشراف المستقبل، مع الوعي بإمكانية نقل المفهوم وإعادة توظيفه من طرف باقي الفاعلين من مختلف المجالات والمستويات ومن ضمنهم المتعلم نفسه؛ – وضع معلومات محينة وذات مصداقية رهن إشارة المستفيدين، تساهم في توسيع معارفهم حول سوق الشغل والمحيط السوسيو-اقتصادي، بما يسمح بالاستجابة لحاجاتهم المضمرة في مجال الإعلام المدرسي والمهني؛ – تجاوز الطابع النمطي للحصص الإعلامية بما يساهم في تحسين جودة خدمات التوجيه التربوي، ويضمن إضفاء طابع التجديد على تدخلات أطر التوجيه التربوي. أما على المستوى التنظيمي، فيمكن أن يتخذ "منتدى المخططات القطاعية بالمغرب" أساسا شكل ورشات مصغرة يتم خلالها تدارس الوثائق التعريفية بكل مخطط قطاعي، وارتباطاته الممكنة مع شعب ومسالك التعليم الثانوي، وكذا مع التكوينات المهنية والعليا الملائمة. إن الاشتغال الجماعي يسمح بتقاسم المعارف وتبادل الآراء والخبرات بين المتعلمين، كما يساهم في إغناء أرصدتهم المعرفية في المجال المهني. ويبقى الانخراط المفترض للفاعلين التربويين والمتعلمين، وتفاعلهم مع محتويات ومضامين المنتدى، محددا أساسيا في خدمة أهداف التوجيه التربوي، وفي أجرأة المقاربة التربوية المصرح بها. وختاما، يمكن القول إن "منتدى المخططات القطاعية بالمغرب" نشاط تربوي يسمح بتقديم الإعلام حول الاقتصاد وسوق الشغل لفائدة المتعلمين وفق منهج بيداغوجي يقوم على النقاش والتفاعل وتنمية مهارات قراءة وتحليل الوثائق. إلى جانب ذلك، فالأمر يسهم في خدمة أهداف التوجيه المدرسي والمهني، ويزكي الانفتاح المطلوب للمؤسسات التعليمية على محيطها تحقيقا للغاية الكبرى المتمثلة في مساعدة المتعلمين على بلورة مشاريعهم الشخصية. المراجع: – المذكرات المؤطرة لمجال التوجيه التربوي؛ – Alban AMIEL, Agnès MORCILLO, André TRICOT et Benoit JEUNIER, « Quelles questions posent les jeunes de 11 à 25 ans sur les métiers et les études », L'orientation scolaire et professionnelle, 2003, 32, n° 4, pp 617-640 ; – Denis PELLETIER, Raymonde BUJOLD et coll, « Pour une approche éducative en Orientation », Gaetan morin Editeur, Canada, 1984. تصريف الإعلام حول سوق الشغل في الوسط المدرسي : منتدى المخططات القطاعية بالمغرب نموذجا