حسن أردّة: وضعيتان: 1 خطاب من عقل اكثر وعيا الى عقل باحث عن افق أوسع للادراك، 2 خطاب يستعين بالمؤثرات النفسية لتقييد مشاعر المريد. لنبدأ بالقرآن الكريم: ففي كثير من الايات الكريمة ترِد "أولوا الالباب"، "إن في ذلك لايات لأولي النهى"، "لقوم يعقلون"، "أفلا يتفكرون" "يفقهون"… وعي العقل أكثر استمرارا، وتغيرات البنى الفكرية فيه تغيرات عاقلة واعية.. العقل إذْ يتحرر من قيود المشاعر يصبح اقدر على ادراك الحقائق الكبرى لكيانه الذاتي وتوجهات العالم من حوله. ازدواجية العقل والمشاعر (طبيعة الانسان: مادة + روح) تضعك امام الاختيار، اعتقد ان العلاقة: معلم طالب تدع الباب مفتوحا امام المراجعات، ودوما هناك امكانية تعديل القناعات او تغييرها، اما التبعية العاطفية فهي ما يولد التطرف في الافكار والتصرفات وتلغي احتمالات الاشياء من حولنا. ان القناعات العاطفية اذا كانت دينية خصوصا لا تصمد امام النقد الا قليلا ثم تؤدي به الى العجز عن الاستدلال او التفنيد، ثم التصلب، وأحيانا الى العنف(الكلامي وحتى الجسدي). وتاريخ البشرية مليء بالجماعات الدينية المتعصبة بسبب عقلية الشيخ المريد طبعا. رغم ان كثيرا من دارسي التاريخ الاسلامي صنفوا عددا من العلماء على انهم "عقلانيون ( ابن رشد، الغزالي، .. الخ) الا ان علماء الفقه الاسلامي المجتهدين هم اكثر من استخدموا العقل لحل مسائل ذات اثر عملي على حياة الناس، لسبب بسيط: كان لهم الجرأة على الاختلاف مع "شيوخهم"(معلميهم بقياس اليوم)، كما كان لهؤلاء الشيوخ المعلمين من الحصافة العقلية والحياد العلمي ما جعلهم يكرسون اختلاف تلاميذتهم معهم سنة ربانية (الاختلاف رحمة). بدأت متاعب الفكر الاسلامي بتكريس العلاقة: شيخ مريد ما ادى الى تجميد التفكير وتأجيله الى ان "يبعث الله على الامة من يجدد لها دينها"، هذا التكريس لم ينتج لنا في فترات الاضمحلال الفكري سوى كتب هي عبارة عن هوامش الهوامش وشروح الشروح، وتآليف شعرية في الفقه وغيرة كدليل كسل عقول تلك الفترة عن الاجتهاد. الان على علماء الأمة الاسلامية ومفكريها ان يكونوا اكثر تسامحا مع تلامذتهم و"مجبيهم"، تساؤلات هؤلاء الطلبة المتعلمين هي الخميرة الطبيعية للتجديد المستقبلي، في الوقت الذي ننادي بتخليص العقل المسلم الحالي من ارتباطاته باجتهادات العلماء السابقين (السلف) يجب ان نكون اكثر كرما مع الافكار الجديدة التي تقدم الدليل الحي على ان هذا الدين صالح لكل زمان ومكان، ولا يصلح الدين لكل زمان ومكان الا باجتهاد العقل الاسلامي منطلقا من خصائص عصره. فهل يمكن هذا في ظل عقلية الشيخ المريد؟! يرتبط الطالب بأفكار أستاذه، فإن مات الاستاذ جعل الطالب من افكاره مستندا الى قفزة علمية اعلى، او مدرسة فكرية، ويتعلق المريد بشخص الشيخ فإن رحل عن الدنيا بكى المريد وجعل قبر شيخه ضريحا يتمسّح به الزوار الجهلاء.. قارن اذن وانظر متى ظهرت المدارس الفكرية ومتى انتشرت الاضرحة والزوايا في ربوع بلداننا؟