عبد الرحمن المتقي تحية طيبة.و بعد،فواجب أخلاقي تهنئتكم بمهمتكم الجديدة،و الدعاء لكم بالتوفيق و السداد،و الاعتذار لكم عن عدم منحكم فرصة الاستقرار في مكتبكم و أخذ نفسكم قبل طرح اي مشكل عليكم. وكلي يقين أنكم ستعذرون صاحب الحاجة إذا طرق بابكم متلهفا. ومثلكم من يقدر ظروف أمثالي. واجب أيضا مخاطبتكم بلغة تليق بمكانتكم،لأنني من رجال التعليم الذين يلتمسون للمسؤول الأعذار و لو كانت أفعال إدارته ذات شوكة، ما لم تنم عن سوء تدبير كما هو الشأن في الحالة التي أعرضها عليكم في هذه الرسالة.فلقد نشأت بين أطر هذه الوزارة و اشتغلت حتى تقاعدت،فذقت حلوها و هو بحمد الله كثير، و ذقت أيضا مرها و هو قدر و الحمد لله قليل.غير أن ما لا أقبله وافترض أنكم لا ترضونه هو أن أذوق المرارة مرة أخرى بعد التقاعد بسبب قرارات صادرة عن إدارتكم، في زمن نعتقده زمن التخطيط و التنظيم و الحقوق.فأين آذان إدارتكم الصاغية وعيونها المبصرة و عقولها الواعية التي تسمع وترى وتعي الأخطاء البشرية عند افتراض حسن النية وتتداركها فورا؟ لقد أصبح كثير من مسؤوليكم مع الأسف يعيرون المشتكي أذن كيال حسب تعبيرنا في الجنوب، وعند الاقتضاء يصرفونه بما يرونه قدرا مقدورا،أو يحيلونه على جهة أخرى.و القصد من ذلك في الحقيقة هو إبعاد المشتكي عن أبوابهم.فمعذرة السيد الوزير إذا طرحت عليكم مشكلا وقع خارج زمن مسؤوليتكم،و لتلتمسوا لي عذرا إذا احتد اللسان و شطت العبارة. فالحق يركب صاحبه المركب الوعر كما تعرفون. السيد الوزير:لي بنية كانت تعمل معلمة بإحدى مدارس المغرب العميق، محتملة بعدا عن والديها يناهز الخمسمائة كيلومتر.و قد كانت تعمل بين قوم عزيز محترم ضيفهم،مطمئن آمن جارهم، يكرمون من عمل بينهم و لو نأت به الديار. فكيف إذا كانوا يعرفون أصله وفصله،و يعمل بينهم كما هو شأن ابنتي؟ فأبوها كان هناك، و خلف والحمد لله صيتا تعتز به إذا ذكر. ثم إني سررت و أنا أسمع السيد رئيس الحكومة يطلب من سلفكم من على منبر البرلمان تعيين الإناث قرب أسرهن.و سعدت بنتي وهي تراه يفرض بجرأة هذا الامتياز نقطا إضافية تخولهن الاستفادة من الحركة الانتقالية للاقتراب من أسرهن إذا قدر الله الاقتراب ضدا على تحفظات تيارات مناهضة. لا أخفيكم سيدي أنني نصحت بنتي بالمشاركة في الحركة الجهوية أو المحلية فحسب. فلم يكن لها من مشكل هناك إلا البعد الجغرافي عنا هنا بعاصمة سوس. غير أني لم أحتمل دموعها و هي تريد أن تقترب من حضن الأم و دفء الأسرة،فتركت لها الخيار .و كان أن شاركت في الحركة الوطنية و استفادت ككل المستفيدين. و كانت سعيدة بتحقيق بعض الحلم:فقد تقلصت المسافة التي كانت تقطعها إلى حوالي الثلث،وعينت حيث طلبت، في مؤسسة تعمل فيها إحدى صاحباتها….إلى هنا و الأمر طبيعي جدا. غير أني لاحظت بعين المجرب عدم مغادرة أي مدرس للمؤسسة التي التحقت بها ابنتي. ومعناه عندي تعديل محتمل في البنية التربوية بزيادة قسم واحد.غير أن الأمر لم يكن كما قدرت مع الأسف. السيد مدير المؤسسة التي عينت بها ابنتي كان في المستوى اللائق برجل التربية جازاه الله خيرا يوم توقيع محاضر الدخول. غير أنه عبر عن أسفه لكون بنتي فائضة عن حاجة مؤسسته.بل أكثر من هذا: فقد تم تقليص البنية التي اشتغلت بها مؤسسته في الموسم الماضي، فأصبح ثلاثة من المدرسين القدامى فائضين أيضا.وهكذا اصبحت بنتي رهن إشارة الإدارة ضدا على إرادتها التي عبرت عنها في مطبوع الحركة باختيار التعيين في المكان الذي طلبت أو البقاء حيث كانت(الاختيار رقم 11 من مطبوع الحركة).فما رأي السيد وزير التربية في هذه الحالة؟ و ما معنى أن تنقل معلمة من مكان عرفت فيه الاستقرار لتصبح بمكان لا تعرف له كوعا من بوع؟ هل هذا هو الامتياز الذي يتحدثون عنه؟وهل من ظلم للأنثى في وزارتنا أكبر من هذا؟أم تراه مقنعا قولهم : إن الحركة تمت بناء على الخريطة التوقعية؟و أي توقع هذا الذي نحتاج بعده إلى تقليص البنيات التربوية إلى هذه الدرجة؟ لقد كانت أمور الخريطة المدرسية تدبر بحزم و دقة بوزارتكم في الماضي،و لم يكن في يد رجال التخطيط سوى قلم للرصاص و ممحاة.لكنهم كانوا رجالا مسؤولين يتقنون عملهم:كانت الخريطة المدرسية آنذاك تعد بعد بداية الموسم الدراسي،وتعدل خلاله بناء على الافتراضات و الإسقاطات، ثم تحسم بعد النتائج النهائية،قبل إجراء الحركة و قد كانت يومها واحدة ووحيدة و يلتحق كل بمكانه دون مشكل أو تعثر، و يعين الخريجون الجدد بعدها في ما فضل من المناصب الشاغرة،و تمر المواسم الدراسية بسلام.أليس حريا بعصرنا هذا أن يكون أكثر تنظيما و ضبطا، وأن تكون مثل هذه الوقائع جزءا من التاريخ؟مع الأسف السيد الوزير، واقع الحال بخلاف المفترض بدليل الحالة التي أعرضها عليكم. معذرة سيدي، و لكنه الإحساس بالظلم الإداري يؤجج النيران في الصدر: لقد كانت بنتي آمنة مستقرة حيث كانت. و كانت عشر ساعات على الطريق المعبدة توصلها إلى باب بيتنا، فأصبحت بقرار إداري في حضن جبال تقودها إليها طريق غير معبدة عوض حضن أمها المنشود.فلماذا تكون عرضة لهذا التصرف في زمن أراده المغاربة للحق و القانون؟ لماذا يتم نقلها إذا لم يكن المنصب شاغرا؟ما مبرر ألا يعرف المنتقلون أنهم قد يجدون أنفسهم في حالة فائض عن الحاجة؟و ما جدوى الاختيار (11) إذا كانت الإدارة ستخضعهم لاعادة الانتشار لاحقا و لو كان جوابهم عن السؤال المطروح في الاختيار 11 هو (لا)؟ لماذا تصم الإدارة الآذان عن معرفة هذه الهفوات،و تصرف النظر عن حلها حال وقوعها؟لماذا العبث بأعصاب الأمهات و الآباء ؟هل هذه هي الحكامة التي كثر الحديث عنها؟ثم لماذا لا تتم الاجابة عن التظلمات المكتوبة التي تتوصل به إدارتكم؟و أين هو حسن التدبير؟ لقد اشتغلت طويلا في الإدارة التربوية السيد الوزير إلى جانب عدد من السادة النواب،و أعرف ما كانت الادارة الاقليمية تلجأ إليه لتدبير مواردها البشرية.بل لقد كلفت مرات عديدة بهذه المهمة. أعرف أن الإدارة تملك تعيين الخريجين الجدد حسب ما تحدده مذكرة وزارية في الموضوع:تعطى الأسبقية للإناث و هو إجراء لا يستنكره إلا معاند أو أناني أو عابث و يعين الكل بناء على طلبه وبنقط تخرجه و حسب حاجة الإدارة في الأماكن الشاغرة فعلا،المتبقية بعدالحسم النهائي في الخريطة المدرسية، و بعد الحركة الانتقالية و التحاق المنتقلين الجدد بمقرات عملهم الثابتة المعلومة.أما أن يجد المستفيد من الحركة الوطنية نفسه في حالة فائض، ثم يعين حسب إرادة أي مسؤول إداري ليعيش هذه الوضعية إلى ما الله به عليم، فهذه بدعة هذا العصر التي نحتاج إلى من يقنعنا بمشروعيتها و يرشدنا إلى أنسب طرق البث فيها. ثقوا أنكم بمعالجة هذه النازلة بالحفاظ لبنتي على منصبها المطلوب أو أي حل آخر يرضيها حتى لا تتحمل مضاعفات الخطإ الاداري، ثقوا أنكم ستوفرون علينا الكثير من التظلمات،ومن الشكاوي، و من الصبر،أو حتى من الدعاء الذي تعلمنا أنه ليس بينه و بين الله حجاب، وستسطرون مبادرتكم في صحيفتكم لتذكروا بها بين الناس،تدخلا يعيد الأمور إلى نصابها،ويعطي درسا لكل مسؤول أن يكون مسؤولا حقا في عمله و قراراته.فقد ربط دستورنا المسؤولية بالمحاسبة لو كانوا يعلمون. هذه باختصار شديد شكواي إليكم السيد الوزير، وقد حاولت أن ألتزم فيها حدود اللياقة في الكلام كما ينبغي مراعاة لمقامكم و دوركم.أما الفاعلون الإداريون الذين يقررون ضدا على إرادة الناس في إدارتكم فلا نملك إلا أن نقول لهم سلاما سلاما،و نترك لكم أن تقولوا لهم بلسان المسؤول ما ينبغي أن يقال. و قل رب أدخلني مدخل صدق،و أخرجني مخرج صدق، واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا.صدق الله العظيم. و السلام عليكم و رحمة الله