الاصلاحات،وعمليات التهيئة والتأهيل التي شهدتها وتشهدها مدينة تطوان وضاحيتها، شأنها في ذلك شأن الكثير من حواضر المملكة مؤخرا، واقع جميل ، يبعث على التفاؤل ولا يمكن أن ينكره أو يستصغره، الا جاحد مستكبر . غير أن كل جهد اصلاحي ، لا يأخذ بعين الاعتبار المحيط، ولا تهيؤ له الأرضية التي تبرز رونقه وقيمته وتكملها ، مآله فقدان الكثير من بريقه واشعاعه، وقد يمسي وكأنه لم يكن،بهذا الخصوص، نستعرض بعض التناقضات التي تشوب بعض الاصلاحات الهامة التي شهدتها المدينة ، نوردها مساهمة منا في هذا الجهد،لفتا للنظر ،و تداركا للغفلة التي يمكن أن تكون قد شابت بعض المشاريع أو المخططات التي أعدها ونفذها بعض الناس الذين لا يعرفون شعاب مكة ، ولا يسألون أصحاب الدراية من أهلها، فينتهي بهم الأمر الى التيه في دروبها ..فيضيعون في متاهاتها ، وتضيع معهم مقاصد هذه المشاريع وغاياتها، وجمالية المدينة، وننتهي الى تبذيرالمال العام المرصود لهذه الاصلاحات،، وهو ليس بالهين ولا بالقليل ، خصوصا في زمن الأزمة وشح السيولة الذي نعيشه هذه الأيام.. واليكم بعض التفاصيل الموضحة لما نرمي اليه.. في عمق حي المصلى القديمة « calle luneta » ، لازال يقف مترنحا،هيكل المسرح الوطني ، الذي يعتبر أول مأوى لآبي الفنون يقام على أرض الوطن، ومثله الحي المجاور الذي كان عبارة عن قطعة فنية بديعة تضاهي بها تطوان ، الأزقة القديمة بأعرق المدن الأوروبية، حيث كانت تصطف على جنبات الشارع المؤدي اليه متاجر التجار الهنود التي كانت مختصة في بيع الساعات السويسرية والمجوهرات والأثواب الحريرية والعطور ، والتي كانت تنبعث منها روائح العود والصندل والبخور وتضفي على المكان سحرا ورونقا أخاذا ، يجاورهم فيه التجار المغاربة اليهود ، لقرب المكان من حي الملاح الذي أصبح اليوم خبرا بعد عين، وكان من خصوصيات هذا الفضاء وطرائفه، وجود دكانين ليهود مغاربة متخصصين في مسح الأحذية، مؤثثين بمقاعد مريحة ومرايا ،وجرائد ومجلات،،يمتهنون مسح الأحذية وفق طقوس خاصة، الى جانب بيع الأكسسوارات اللازمة لكي تخرج بحذاء براق جديد ، بنمط كان فيه مسح الحذاء ،متعة حقيقية، تحفظ كرامة الماسح و تضمن راحة الممسوح له! ! لكن ومع نهاية الستينات من القرن الماضي، فقد الحي كل هذه المقومات ، وأصبح على ماهو عليه اليوم، عبارة عن أطلال، يعج بالباعة الجائلين- المستقرين، والمتسكعين الذين يبيعون كل شئ، وكان ينبغي التفكير في البدأ باصلاحه ،اذ لا يليق البتة، أن يكون احد الفضاءات المفضية الى ساحة المشور السعيد .. على هذا الشكل. من هناك وفي اتجاه شارع محمد الخامس،واذا ما عرجت يمينا بجوار المتحف الأثري الأركيولوجي توجد بناية الباشوية القديمة، وهي مبنى تاريخي جميل تتوسطه نافورة وصهريج ماء كانت به أسماك ملونة جميلة كتلك التي كانت بصهريج نافورة رياض العشاق (حديقة مولاي رشيد) ،يستضيف اليوم مكاتب ملحقة ادارية ويتحمل عبئا بشريا كبيرا لا يتناسب مع معماره القديم والتاريخي، ولا يصلح لكي يكون ادارة عمومية ،بحيث يتعين التفكيرفي توظيفه في مشروع ثقافي سياحي يمكن أن يعود بالكثير من النفع على المدينة والجهة، والحي الذي يوجدبه. وعلى بعد أمتار من هذه المعلمة ، توجد الطامة الكبرى التي تعتبر وصمة في جبين المدينة،وتبخس كل الجهود الاصلاحية التي تبذل فيها،، انه فندق " درسة " ، الذي يوجد على مرمى حجر من الساحة التي تجتمع فيها كل الوفود القادمة للمشاركة في حفل الولاء ، ويتعلق الأمر بمعلمة فندقية سياحية توازي فندق "رمبراند" بطنجة،وأمثاله، والذي أصبح اليوم في وضع شبيه بأطلال فندق "لينكولن" بالبيضاء، وقدتحول الى خسارة كبرى للسياحة المحلية، ولجمالية المدينة ورونقها، اذ ترك منذ عقود يواجه عاديات الزمن ويتهاوى ببطء، دون أن يجد من ينعش الحركة السياحية بالمدينة بانقاذه، سيما وأنه أقرب فندق الى المدينة العتيقة والى معلمة "المطامر" التاريخية. وقد كانت الساكنة قد استبشرت خيرا عندما نصبت لوحة لا تحمل حرفا واحدا باللغة الوطنية الرسمية، تعلن عن بناء عمارة بالساحة المجاورة للفندق و التي كانت تستعمل موقفا للسيارات ، مع التنصيص على اصلاح وترميم الفندق ، غير أنه منذ ما يزيد على سنتين ولحد كتابة هذه السطور، اكتمل بناء العمارة، ولم يرمم الفندق ، وازدادت حالته تدهورا فاقتلعت نوافذه وازدادت حالة واجهته سوءا وتحول الى مخزن لمواد البناء المستعملة في تشييد العمارة و"مرحاضا" في الهواء الطلق، دون أن يحضى بأي اصلاح !!؟؟ بجواره ، في نفس الشارع ، شارع ولي العهد، وفي مواجهة " العمارة الجديدة"، تنتصب البناية التي كانت تؤوي الادارة الاقليمية للأمن بتطوان في الستينات ، خربة أخرى ، في وضع سئ ، مهجورة ، باستثناء زاوية صغيرة منها وضعت بها الأعمال الاجتماعية للآمن مستوصفا، وأضحت هي الأخرى تؤثر بشكل سلبي على كل جهود الانارة والصباغة والترصيف والتزيين التي عرفها الشارع مؤخرا وتنقص من قيمتها..وتشوه المنظر العام بها، دون أن يلتفت أحد اليها .. بموازاة هذا الشارع جنوبا ، وبالضبط بشارع الوزير محمد الطريس تقبع معلمة سياحية أخرى كانت تعج بالسياح الأجانب، هي " الفندق الوطني" ، الذي كان والمطعم-المقهى، التابع له، يعج بالسائحين من الداخل والخارج في وقت سابق، وانتهى به الأمر الى اغلاق أبوابه منذ سنوات ، و أمسى يتهاوى ويتآكل في صمت، وتتكرر معه مأساة فندق "درسة".. وتحولت بوابته وجدرانه الى مزبلة تعلوها القاذورات ، في ممر يعبره يوميا الألاف من المواطنين، من جمبع الأنحاء، والزوار من مختلف أصقاع الدنيا، مواطنين مغتربين وأجانب ، يحملون معهم صورا بئيسة لا تشرف المدينة والبلد .. ولا يرضاها أحد لنفسه وبلده . ان انعاش السياحة الداخلية والثقافية والرسمية والمناسباتية،بمدينة تطوان يستوجب بالضرورة اصلاح وترميم وتأهيل هذه المعالم الثلاث : المسرح الوطني وأوطيل درسة والفندق الوطني ، كخطوة أولى ، ينبغي أن تتبعها خطوات ، نأمل أن تسير في اتجاه ترميم وتوظيف بنايات هامة أخرى ذات أهمية تاريخية يتهددها النسيان والتلاشي ،كالمقر السابق للآمن الاقليمي، والمقر السابق للقيادة الاقليمية للدرك الملكي بجوار قيسارية باب النوادر، ثم السجن المدني القديم ، والذي أضحى فارغا بعد الانتقال الى السجن الجديد بحي الصومال، والذي يمكن تحويله الى فضاء ثقافي فني ومتحف لحفظ الداكرة الوطنية والمحلية ، كما أتمنى أن يشمل الاصلاح والتأهيل، مبنى المحطة الطرقية القديمة (الفارغ حاليا)، -كما تحولت محطة القطار المأسوف عليه الى متحف-،، هذا المبنى الجميل الذي يمكن أن يحول الطابق العلوي منه الى دار للجمعيات بالمدينة ، ويقسم المرأب بين ملحق لثكنة الوقاية المدنية،يساعد على تقليص المسافة بين الثكنة الحالية ووسط المدينة، ثم موقف لسيارات البلدية وموظفيها والمنتخبين بها،وتحويل الموقف الحالي بباب البلدية الى فضاء أخضر .. ومستراح للساكنة يتوفر على مراحيض عمومية تفتقر اليها المدينة في أشد فضاءاتها ازدحاما . (وقد كنت بسطت هذا الاقتراح منذ ما يزيد على سنة على بعض المسؤولين ونشرت مضامينه على صفحات جريدة تمودة-تطوان، ضمن ركن " نقط على الحروف" الذي كنت أحرره بها). كم أتمنى أن تلقى هذه المؤسسات نفس ما حضيت به عمالة الاقليم السابقة من اصلاح وترميم ، بعد أن أصبحت تؤوي باشوية المدينة .. ولن أنهي هذا الرجاء – وقد حشرت أنفي في أموركم – دون أن أسجل ملاحظة يشاركني فيها كثير من الناس، و تتعلق بأعمدة وفوانيس الانارة الجديدة التي أثثت بها شوارع المدينة،وذلك لحجمها الكبير الذي لا يتناسب والفضاء الذي وضعت فيه، بحيث أفسدت كل جهود التوسعة التي مست الآرصفة ولم تحصل عمليا أي فائدة من ازالة مواقف السيارات لفائدة الراجلين، والذي خلف احتجاج واستنكار جانب من تجار "الانسانتشي" ، فشارع الوحدة مثلا ، أصبح مزدحما بدون وجود الراجلين !! نظرا لعدد وشكل وحجم الفوانيس الموضوعة به، ولمن أراد التأكد فليذهب ، الى ناصية الشارع من جهة المدرسة الاسبانية وليلق بنظره في اتجاه البريد المركزي وسيظهر له ما نقول من اكتظاظ بالاعمدة ، شريطة أن يكون احتفظ في ذاكرته بصورة الشارع قبل" الاصلاح" ! وكان يكفي أن تعلق المصابيح في وسط الشارع بخيط فولاذي يثبت في الجدارين المتقابلين، لتتحرر الارصفة وتزداد اتساعا ورحابة، وتكون الانارة أكثر جمالا ورومانسية .. وأما الحجارة العجيبة التي رصفت بها شوارع المدينة ، والطريقة التي وضعت بها ، فسنرجئ الحديث عنها الى فرصة قادمة ،، بمشيئة المولى،، وكل صيف بارد وأنتم سالمون .. م.ز. الحسيني 30 يونيو 2013