على الرغم من تلك الحالة من الحزن العميق التي تخيم علينا والظروف العصيبة التي تمر منها بلادنا، جراء الزلزال الرهيب والأعنف في تاريخ المغرب على مدى قرن من الزمان، الذي ضرب بقوة 6,9 درجات على سلم ريشتر مساء يوم الجمعة 8 شتنبر 2023، مخلفا وراءه خسائر مادية وبشرية فادحة، حيث أسفر عن مقتل حوالي ثلاثة ألف شخص وأكثر من ألفي إصابات بليغة، ناهيكم عن حجم الدمار الهائل الذي عرفه إقليمالحوز والمناطق المجاورة لمدينة مراكش. فإننا نسجل بفخر كبير تلك الحملة التضامنية المنقطعة النظير، حيث هب المغاربة بشكل تلقائي على قلب رجل واحد في اتجاه مراكز تحاقن الدم لإنقاذ حيوات المصابين، وضجت الأسواق التجارية منذ فجر يوم السبت 9 شتنبر 2023 بالأشخاص المتطوعين الذين سارعوا إلى اقتناء ما يلزم من أطعمة ومياه وألبسة وأغطية ومنتوجات الحليب ومختلف البضائع الأولية، لتنطلق قوافل السيارات والشاحنات من كل جهات المملكة الشريفة نحو جبال الأطلس، متحدية صعوبة التضاريس والمسالك الوعرة، من أجل إسعاف الضحايا وتقديم المساعدات الضرورية، للتعبير عن المعدن الأصيل والنفيس للمغاربة في مثل هذه اللحظات الموجعة، وتلقين العالم أجمع درسا آخر في معنى حب الوطن والاعتزاز بالانتماء إليه دون مركبات نقص، وقيم التضحية والتكافل والتآزر والتعاون. وفي المقابل ظهر كالعادة في مثل هذه الأحداث المأساوية عدد من الأشخاص عديمي الضمير والمسؤولية، الذين تستهويهم لعبة الصيد في الماء العكر، من خلال إشاعة الأخبار الزائفة على وسائل التواصل الاجتماعي، والعمل بشتى الأساليب القذرة لبث الذعر والرعب في أوساط المواطنات والمواطنين، ذهب بعضها حد الادعاء بأن "زلزال الحوز" زلزال مصطنع من قبل جهات خارجية تريد الشر بالمغرب وشعبه، مستغلين بذلك الحالة النفسية التي يوجد عليها الكثير من البسطاء المرعوبين لهول الكارثة. مما اضطرت معه وزارة الداخلية إلى العودة من جديد للتحذير من هكذا إشاعات مغرضة، عبر بلاغات متوالية تدعوهم بواسطتها إلى مزيد من التعبئة واليقظة وتوخي الحيطة والحذر مما يروج له من أكاذيب وأضاليل، والحرص الشديد على استقاء الأخبار من مصادرها الأصلية الموثوق بها في وسائل الإعلام الرسمية، تفاديا لكل ما من شأنه التلاعب بعقولهم والتأثير على مشاعرهم وعواطفهم. وليس وحدهم مروجو الأكاذيب من يستفزون مشاعر المواطنين ويقلقون راحتهم، بل هناك فئة أخرى من الأوغاد الذين يسعدهم كثيرا ليس فقط المناسبات الدينية مثل شهر رمضان الفضيل أو عيد الأضحى وغيرهما، بل كذلك حدوث الفواجع والكوارث الطبيعية من فيضانات وزلازل، حيث أنهم لا يتورعون عن اللجوء إلى النصب والاحتيال عبر القيام بحملات وهمية، بهدف جمع التبرعات إن على مستوى منصات التواصل الاجتماعي أو بشكل مباشر وبطرق ملتوية، حيث لوحظ خلال هذه الأيام تزايد عدد اللوائح الخاصة بجمع التبرعات لفائدة ضحايا الزلزال وعائلاتهم، حيث يسعى أصحابها إلى تحقيق ثروات مادية ضخمة. إذ أنه طالما استاء المواطنون من تنامي ظاهرة استغلال عمليات جمع التبرعات والمساهمات المالية لأغراض شخصية، وتحويلها إلى مهنة سهلة للاغتناء السريع، بعيدا عن أعمال البر والإحسان. وفي ظل ما باتت تعرفه عمليات توزيع المساعدات وخاصة جمع التبرعات من عبث وانحراف عن مراميها الإنسانية النبيلة، واستجابة للأصوات المطالبة بتقنين هذه العمليات وضبطها بشكل قانوني لسد الطريق أمام الانتهازيين وتجار المآسي، جاء القانون 18-18 القاضي بتنظيم عمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية، ووضع مجموعة من الشروط والقواعد المتعلقة بتوزيع هذه المساعدات، من أجل القطع مع تلك الممارسات الدنيئة التي تهدف فقط إلى النصب والاستيلاء دون موجب حق على تبرعات العموم، كما لم يفته سن مجموعة من العقوبات لكل من يخالف مقتضياته… ومن أجل ذلك أمر ملك البلاد وعلى غرار "صندوق كورونا" بفتح حساب عاجل تحت اسم "الصندوق الخاص بتدبير الآثار المترتبة عن الزلزال الذي عرفته المملكة المغربية" تخصص موارده المالية للنفقات المتعلقة بالبرنامج الاستعجالي الذي يهدف بالأساس إلى تقديم الدعم وإعادة تأهيل وبناء المنازل المدمرة على مستوى المناطق المتضررة، والنفقات المتعلقة بالتكفل بالأشخاص في حالة صعبة، خصوصا اليتامى والأشخاص في وضعية هشة. والتكفل الفوري كذلك بكافة الأشخاص بدون مأوى، وخاصة فيما يرتبط بالإيواء والتغذية وكافة الاحتياجات الأساسية والنفقات المتعلقة بتشجيع الفاعلين الاقتصاديين على الاستئناف العاجل للأنشطة بالمناطق المعنية… إن "زلزال الحوز" الرهيب بقدر ما خلف جراحا عميقة وآثارا نفسية بليغة، حيث ليس من السهل على الإنسان تجاوزها، وخاصة أولئك الذين تهاوت بيوتهم على رؤوسهم واختفت دواويرهم وأصيبوا بإصابات متفاوتة الخطورة أو فقدوا أصدقاءهم وجيرانهم أو فردا من أسرهم أو كل أفرادها. بقدر ما أثبت للعالم أن المغاربة شعب متماسك في السراء والضراء، ويعرف جيدا كيف يطوع المحن والشدائد مهما بلغت حدتها بالتضامن والتلاحم خلف عاهلهم المفدى، لكن هذا لا يمنع من الاستمرار في التعبئة واليقظة.