هنا حكاية الشاعر الكبير عبد الوهاب البياتي مع المؤلف الموسيقي المغربي العالمي مصطفى عائشة رحمة الله عليهما. إذاَ المثقف العربي يعرف عبد الوهاب البياتي بدون قيد أو شرط ، لكن من هو مصطفى عائشة؟ إنه مؤلف موسيقي سيمفوني من الدرجة الأولى ، ولد بتطوان سنة 1944 ( المغرب ) درس العلوم الموسيقية في المعهد العالي للموسيقى و الرقص و الفن الدرامي بتطوان بالجناح الإسباني، على أساتذة أسبان، ألف أكثر من 400 عمل في مختلف القوالب الموسيقية: سيمفونيات، أوبيرات، قصائد سيمفونية، صوناتات، كونشرتوهات للبيانو، و القيثارة، و الكمان، موسيقى الغرفة، الليدر للبيانو و السوبرانو، ثم أعمال منفردة للبييانو و القيثارة و تعديلات موسيقية لبعض أعمال موسيقية أخرى. و لم يكن موسيقيا فحسب بل كان أديبا ، ألف في القصة القصيرة و المسرح، نظم بعض القصائد الشعرية، و ترجم دواوين شعراء إسبان إلى العربية : ف. غ. لوركا، خوان رامون خيمينيس، رفائيل ألبيرتي، خيراردو ديكو، سيرجيو ماسياس، بابلو نيرودا، الخ... في السبعينيات من القرن الماضي بدأت مراسلته مع الشاعر الكبير العراقي عبد الوهاب البياتي، حينذاك كنت طالبا بالمعهد الموسيقي العالي بمدرج الأستاذ مصطفى عائشة مشرفا على بحث تخرجي، فأصبحنا صديقين حميمين لا نفترق حتى أطلق علينا بعض الزملاء بالثنائي الدائم، على أي كنت أشتغل على أعماله الخاصة للقيثارة الذي كان شغوفا بها و خصوصا حينما شاركت بعمله الموسيقي للقيثارة "لحظات حب على ضفاف الدارو، تسع تنويعات على لحن عربي أندلسي" في المبارة العالمية للقيثارة بفرنسا مما و جدت ترحيبا مميزا من طرف العازفين للقيثارة من جميع دول العالم. منذ ذلك الوقت و هو يستشير معي كلما أبدع و أنجز عملا موسيقيا، جميع أعماله للقيثارة كنت أقوم بأدائها أمام الجمهور في الحفلات و التظاهرات الفنية و الثقافية. اقترحت على الأستاذ مصطفى عائشة أن يؤلف عمل موسيقي في قالب الليدر لصوت السوبرانو و البيانو باللغة العربية الفصحى، حبذ الفكرة ثم قال لي سوف أكتب إلى صديقي الشاعر الكبير عبد الوهاب البياتي أن يسمح و يرخص لي بإذن لبعض قصائده أن أضعها في قالب الليد . هكذا تمت اتفاقية ثقافية بين الموسيقي و الشاعر، فاختار " ثلاث أغنيات إلى أطفال وارسو" ثم قام بترجمتها إلى الإسبانية بنفسه. و بترجمة إلى الفرنسية من طرف صديقنا محمد الفرتات, و لوحة الغلاف للفنان محمد الحرثي. عمال بلادي عندما يحلم عمال بلادي بك، يا ذات العيون الذهبية أسمع الشمس تغني في فؤادي و شراع السندباد في البحار الأسيوية أبداَ تنفخ فيه الريح أنشودة حب؛ لك يا وارسو بقلبي قوس نصر شاده بالدم، عمال بلادي الترجمة بالإسبانية: مصطفى عائشة الرحماني Cuando los obreros de mi pueblo Sueñan contigo Mujer de ojos dorados En mi corazon Oigo cantar el sol. Velero del Simbad En los Asiaticos mares, Siempre en sus velas Sopla el viento una cancion de amor. Para ti, Varsovia Tengo en mi corazon Un arco de victoria Que edificaron con su sangre Los obreros de mi pueblo. الترجمة الفرنسية: محمد الفرتات Quand les travailleurs de mon pays Rêvent avec toi De tes yeux de lumière J'entends le soleil chanter dans mon cœur Et dans les mers d'Asie. Une éternelle chanson d'amour Souffler dans le voilier de Simbad Pour toi Varsovie Avec leur sang, dans mon cœur Les travailleurs de mon pays Ont bâti un arc de triomphe أطفال وارسو 'ه يا أطفال وارسو، أغنياتي باقة حمراء، من أطفال شعبي لكموا للأمهات للملايين هدية من بلادي العربية من بلاد الشمس، من أعماق قلبي إنها تذكار حب لكموا، أطفال وارسو، من بلادي العربية. القلب الأسير ليت لي – يا أيها القلب الأسير مثل أشعاري، جناحين، إلى وارسو أطير مثل عصفور على أبوابها الخضر أغني في الضحى، في فرح الطفل الأغن و أجوب الطرقات عاشقا ألقت عصا الحب به في دنيوات كل ما فيها عبير و ضياء و فراشات و أطفال من الجنة جاءوا لا ننسى أن المؤلف الموسيقي مصطفى عائشة كان صديقا للشاعر الشيلي بابلو نيرودا قبل اغتياله من طرف الطغمة العسكرية في عهد بينوشي. مصطفى عائشة كان فنانا عقلانيا أسلوبه في التاليف الموسيقي يتميز بالمعاصرة و الحداثة و التجديد، اشتغل في عدة مدارس و تيارات موسيقية مثل الدوديكافونية، و الأطونالية ، و الألياطورية، و الكلاسيكية الجديدة و الرومانسية الجديدة و هكذا. فأصبحت علاقته الحميمة مع الشاعر العراقي الكبير عبد الوهاب البياتي حينما كان ملحقا ثقافيا بالسفارة العراقية بمدريد (إسبانيا) كانت المسافة قريبة للكومبوزيطور مصطفى عائشة لزيارته. أطلق عليه نقاد الموسيقى العالمية" مصطفى عائشة أول عربي الذي كتب في قالب اللبد باللغة العربية لشعراء عرب عالميين مثل خازن عبود، عبد الوهاب البياتي، نزار قباني، جبران خليل جبران، محمد الأشعري، حسني الوزاني...." أما أسلوبه في التألي الموسيقي أطلق عليه عازف البيانو الشهير الفرنسي و مدير المعهد العالي بمرسيليا " بيير باربيزي" حينما كنا في الملتقى الموسيقي لحوض البحر الأبيض المتوسط : مصطفى عائشة سترافنسكي المغرب". انتقل إلى عفو ربه يوم 03/02/2008