قبل البدء: كتب أحدهم في "لومند"،لنصدق أن شهادة ميلاد أوباما غيرمزورة. ولكن أن نصدق شهادة تثبت أن بوش الإبن غير أمي، مسألة فيها نظر. كرست سعاد أنقار كتابها " العائش في النغم " لتخليد المرحوم مصطفى عائشة الرحماني. وساعدتنا بذلك على التعرف على عالم مجهول هو عطاء طائفة من الموسيقيين المغاربة، ومنهم مصطفى عائشة الذي عاش غربتين. غربة فنان منغمر في ملكوت الفن، وغربة اختارها إذ تعلق بإنتاج الموسيقى الكلاسيكية، وهي إبداع قل في محيطنا من يأبه به. وقد وفقت المؤلفة في تشخيص الملامح الإنسانية التي كان ينفرد بها موسيقار تطوان الذي رحل في صمت. وأعترف أني قبل كتاب سعاد أنقار لم أكن أعرف عنه الكثير رغم انتمائنا إلى نفس سماء تطوان التي يحدها درسة شمالا وغورغيز جنوبا، ربما لأنني قضيت على ضفاف أبي رقراق أكثر مما قضيت في بلد المنظري الذي لا أطرقه إلا زائرا. وقد غبطت بطل " العائش في النغم " الذي يفوقني في درجة الانتماء، لأنه لم يغادر ربوع كيتان. و لهذا بقي صيته محصورا هناك، فيما بين عارفين بعبقريته، من الملمين بأسرار الفن الجميل الذي تعاطاه. ومنهم من قدمت سعاد في هذا الكتاب الواقع في 130 صفحة، شهاداتهم التي يعتد بها. ورد في إحدى تلك الشهادات أن مصطفى عائشة كان متواضعا أكثر من اللازم. وشرحت المؤلفة كيف أن الرجل كان منزويا. وربما يرجع ذلك إلى قلة انتشار الولع بالموسيقى الكلاسيكية في وسطنا، وإلى العزلة التي فرضها على نفسه، والأمثلة أكثر من أن تحصى. ويضاف إلى ذلك بعض التعقيد الذي وسم بعض مؤلفاته الموسيقية، الأمر الذي صعب تقديمها. اختار مصطفى أن يحمل في اسمه الفني الذي وقع به أعماله، اسم والدته تعلقا بها وراغبا أشد الرغبة في أن يرافقه اسمها في مسيرته الفنية تيمنا ووفاء . ولا تخلو دراسة المؤلفة لسيرة الموسيقار التطواني من إشارات مفاجئة، منها أن مصطفى كان يحتفظ بالأقلام التي يستعملها حتى تلك التي يجف حبرها. وأنه كان يكتب أعماله بالحبر الصيني. على أن أكبر مفاجأة هي البيبلوغرافيا الغنية جدا التي خلفها الموسيقار. وجلها أعمال قدمت في الخارج، في إيسطمبول وخيريث وسرقسطة وبرلين وأحيانا في بضع مدن مغربية. وتلمح المؤلفة إلى أن سنة 1973 كانت بداية الكشف عن مصطفى عائشة، حيث لم يبق في المعهد الموسيقي بتطوان أساتذة إسبان. وكانت في ذلك بداية انحسار الحفلات الموسيقية بالمعهد، التي كانت فرصا نادرة تتيح انتعاش الروح. وبعد ذلك ببضع سنوات نشر كتابا لحن فيه قصائد الشاعر عبد الوهاب البياتي، وكان بعنوان " ثلاث أغنيات إلى أطفال وارسو ". وتزايد عطاء الرحماني مع السنين. وتحكي الصوبرانو سميرة القادري أنها غنت له أكثر من خمسين قطعة. 7 مايو 2011