قطوف من ذكرياتي مع الشيخ العياشي أفيلال تغمده الله بواسع رحمته الدكتور أحمد شعيب اليوسفي[2] بسم الله الرحمان الرحيم ﴿مِنَ الْمُومِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ، ومنهم من ينْتظِر، وما بدَّلُوا تبْدِيلاً ﴾ (الأحزاب: 23 ) وبعدُ، فهذه شَهادةٌ في حقِّ عبْدٍ من عبادِ اللهِ الصّالِحين المُصْلِحين، وكَلِمةٌ في حقِّ رجُلٍ أفْنَى عُمرَه داعيّاً إلى الله تعالى، ومُكرّساً حياتَه لِفِعْلِ الخيْراتِ وقضاءِ حوائجِ الناس، إنّهُ الرَّجُلُ الموقَّرُ، والعالِمُ المُتواضِعُ، والخطيبُ المفوّهُ، فضيلةُ أبو صُبْحِ العياشي أفيلال رحِمَه الله، وأسْكنَه فَسيحَ جنّاتِه، ونَوَّرَ مَثْواهُ بِساطِعِ أنْوارِه، ونضَّرَ ثَراهُ بأطْيَبِ أزْهارِه، وبارَك مَسْعاهُ، وَوفَّقَنا للسَّيْرِ على خُطَاه، وهي شَهادةٌ لا أبْتغِي منها أكثرَ منَ الترحُّمِ عليهِ، وتجْديدِ الوَلاءِ لرُوحِه الطّاهرة، وتَذْكِيرِ أهْلِه وأصْحابِه وتلامِذتِه وكافَّةِ مُحِبِّيه بِفضائلِه الكثِيرة التي لاَ تُنْسَى، ومآثِرِهِ العظِيمةِ التي لاَ تُمْحَى، وقديماً قال القائلُ : المَرْءُ يُعْرَفُ في الأنامِ بِفِعْلِهِ * وخَصائِلُ المَرْءِ الكريمِ كَأصْلِهِ البَحْرُ تعْلُو فَوْقَهُ جِيَفُ الفَلَا والدُّرُّ مَطْمُورٌ بأسفَلِ رَمْلِهِ نعمْ، قد يأتِي الثناءُ على أخٍ في الله شمِلَك كرمُه، أو صديقٍ أسْعَدتك صُحْبَتُه وعِشرتُه، أو عالمٍ اقتبستَ منهُ ونِلْتَ من فيضِ عطائِهِ حتّى رَوِيتَ ورَضيتَ،أوْ رجُلٍ ربَّاني أبْهرَتْكَ طريقتُه الفُضْلى في الدّعْوَةِ إلى الخيْر،وأخذتْ بلُبابِ عقلكَ سيرتُهُ الحُسنى في معاملَةِ الناس، أو… أو… أو فماذا لوْ اجتمَعتْ كل تلك الخِصَال في شخصٍ واحدٍ ؟ قلتُ : ياليْتَنِي لَوْ رُزِقتُ بَعْضَ ما رُزِق به هذا الرَّاحِلُ العَظِيم، لأنّهُ كما يُقالُ: إذا أنتَ لم ترحَلْ بزادٍ منَ التُّقى ولاقيْتَ بعدَ الموتِ مَنْ قد تزَوّدَا ندِمتَ على أنْ لا تكونَ كمثْلِهِ وأنّكَ لمْ تَرصُدْ كما كانَ أرْصَدَا نعمْ أبَا صُبْحٍ، كمْ هيَ كثيرةٌ مآثِرُكَ الخالِدة فِي تطوانَ وأحوازِها بشمالِ المغربِ، ففِي دارةِ سَفِير وهيَ دارُ القرآن الكريم بتطوانَ التي سَهِرْتَ على تشْييدِها وإعمارِها لمْ تتَوقَّفْ جُهودُك قطّ عنْ إقامةِ هذا الصّرْحِ بِناءً وتَجْهِيزاً، بلْ امْتَدّتْ عِنايَتُك أيضاً لِإنْشاءِ هيأةٍ ترْبويّةٍ تَعلِيميّة مُتماسِكةٍ وكُفْأةٍ حتّى تَضْمنَ تكْوِينَ أفْواجٍ من الأساتذة والعلماءِ والخرِّيجين الأكْفاءِ في كافّةِ ميادين المعرِفةِ وخاصّةً في مجالِ العلومِ الشّرعيّة واللغويّة وما يرتَبطُ بها من علومٍ أخْرى كالفلسفة والمنطق والتاريخ، فضلاً عنْ بَراعَتِك في التّعاوُنِ والتّنسِيق الدّائمَيْنِ مع الدوائر العليا المسؤولة على تدبير الحقل التعليمي- الديني في البلاد، وكذلك اتّصالاتِك المكثّفة بفئاتِ المُحْسِنينَ الذين قدَّمُوا ولا زالوا يُقدّمونَ كلّ أشكال الدّعم المادي والمعنوي لإنْجاحِ هذا المشروعِ الكبيرِ وتحقيق غاياتِه المنشودة. أمّا في مجالاتِ الدّعوةِ والإحْسانِ والأعمالِ الاجتِماعية فمَا أكثَر وقَفاتِك وخرجاتِك ومَآثِرِكَ التي تَشَرَّفَ المُجتمعُ التّطواني بتسْجِيلِها في ذاكِرتِه، دون أنْ نَنْسَى الفوائدَ الجلِيلة والنصائحَ الرّشيدة التي كانَ يَتلقّفُها عنك تلامذتُك وأحِبّاؤك المُتحلِّقون من حوْلِك في مجالِسِ العِلمِ والدّرْسِ وفي ساحاتِ الدّعوَة والخطابةِ، فَحَفِظُوا عنك ما حفِظُوا منَ الفوائدِ الكثيرةِ، واكتَسبُوا منكَ ما اكتَسَبُوا منَ الآدابِ الرَّفيعة ممّا أنْتَجَهُ فِكرُك الثّاقِبُ الوقَّاد، وما ارْتَوى وتَشَبّعَ بهِ فُؤادُك الرّطبُ السّجَّاد من العلوم والحِكَمِ والمعَارِفِ، وكُلُّها آثارٌ وآدابٌ حفِظتَها عنْ ظهْرِ قلْب، وحفَّظْتَنا إيّاها، كَقوْلِك : إنَّ مشقّةَ الطّاعة تذهبُ ويَبْقى ثَوابُها، وأنَّ لذَّةَ المَعاصِي تذْهبُ ويَبْقى عِقابُها، وقوْلك : كُنْ مع اللهِ ولاَ تُبالي، ومُدَّ يَديْكَ إليْهِ في ظلُماتِ اللّيالِي، وقوْلك ياربِّ ما طابتِ الدُّنيَا إلاَّ بِذكْرِك، ولاَ الآخِرةُ إلاَّ بعفْوِك، ولاَ الجنّةُ إلاَّ بِرُؤْيَتِك. هذا بعضُ ما تعلّمْنا منك أيها الرَّاحِلُ العظيم، حِكَمٌ وَفَرَائدُ لمْ يُخْطِئْها السَّعْدُ، ودُرَرٌ وفوائدُ لاَ يُحْصِيها العَدُّ، وكأنَّ هذه الدُّرَرَ هيَ المقصُودة بقولِ الشاعِرِ : إذا سَئمتَ من الوُجودِ لِبُرْهَةٍ *** فاجْعَلْ من الواوِ الكَئِيبَةِ سِيناً وإذَا تَعِبْتَ من الصُّعُودِ لِقِمَّةٍ *** فاجْعَلْ منَ العَيْنِ البَئِيسَةِ مِيماً وخِتاماً دَامَ لكَ التبجيلُ والتوقير أيّها المُجاهِد الكريم، يا مَنْ شرَّفْتَ تطوانَ بدارِ القرآن التي أقمتَ لهَا صرْحاً، وصنعتَ لها مجداً، وقَيَّضتَ لها رجالاً وجُنْداً يَتَفانَوْنَ في خِدمتِها، ويسْهرُونَ على نهضَتِها وازْدِهارٍها. فاللهمَّ ارحمهُ رحمةً واسِعةً تسَعُ السماواتِ والأرضَ، واجعلْ قبرَه في نورٍ دائمٍ لا ينقطِع، واجعلْهُ في جنَّتِك آمنًا خالِداً مطمئنّاً، آمين، والحمد للهِ ربِّ العالمين. وكتبه أحمد شعيب اليوسفي بتطوان/ بتاريخ الجمعة 04 جمادى الآخرة 1443 ه/ 07 يناير 2022 م [1] أوردتها بنصوصها وعناوينها، كما توصلت بها من السادة الأساتذة، دون تبديل أو حذف أو إضافة. [2] الدكتور أحمد اليوسفي، تولى الأستاذ رئاسة جمعية الإحسان والتوعية بعد وفاة الشيخ، وقد كان خلال حياته نائبا له في الجمعية. نقلا عن كتاب: "وارفات الظلال فيما فاضت به القرائح من محاسن الشيخ العياشي أفيلال" سيرة ومسيرة حياة رجل بأمة للمؤلف الدكتور عبد الكريم القلالي