شهدت مدينة تطوان إحداث أول دار للشعر في المغرب، في ربيع 2016، بناء على مذكرة تفاهم بين وزارة الثقافة في المملكة المغربية ودائرة الثقافة في حكومة الشارقة. ومن يومها، تواصل الدار فعالياتها الشعرية والثقافية، وهي تستضيف مئات الشعراء والنقاد والباحثين المرموقين من داخل المغرب وخارجه، مثلما تنفتح على جغرافيات شعرية متنوعة بتنوع المغربي الثقافي والشعري. وقد أقامت دار الشعر فعالياتها في 15 مدينة مغربية، في مسارح وقاعات كبرى، وفي حدائق شهيرة ومواقع أثرية عريقة. اختارت وزارة الثقافة مدينة تطوان لإقامة أول دار للشعر في المغرب، تكريما لهذه المدينة التي شهدت ميلاد الحداثة الشعرية المغربية والعربية. فمنذ أربعينيات القرن الماضي، ظهرت في هذه المدينة مجلات شعرية جمعت بين شعراء وكتاب مغاربة ولبنانيين وإسبان، في طليعتهم الشاعرة الإسبانية طرينا ميركادير، مؤسسة مجلة "المعتمد"، ورفائييل ألبيرتي وخوان رامون خمينيث الحائز على جائزة نوبل، والشاعر المغربي محمد الصباغ الذي كان مسؤولا عن القسم العربي للمجلة، ومحمد البوعناني ومحمد السرغيني…، وكبار الكتاب اللبنانيين أمثال جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وبولس سلامة ورياض معلوف… وفدوى طوقان وإبراهيم طوقان من فلسطين، وعيسى الناعوري من الأردن وفؤاد التكرلي من العراق… كما شهدت المدينة منذ تلك الفترة انطلاق احتفالية عيد الكتاب، والمسابقات الشعرية والأدبية الكثيرة، التي قدمت للعالمين العربي والإسباني وجوها أدبية جديدة حينها، أمثال طرينا ميركادير من إسبانيا وإبراهيم الإلغي وآمنة اللوه من المغرب… وقبلها، كانت مدينة تطوان قد شهدت تأسيس مكتب الترجمة الإسبانية العربية، على عهد الجنرال فرانكو. وتأسست دار الشعر في تطوان يوم 17 ماي 2016، حيث ثم تشكيل مجلس إداري ترأسه السيد محمد لطفي المريني. وفي هذا اليوم سوف يتم تدشين الدار، بحضور وفد إماراتي يتقدمه رئيس دائرة الثقافة في حكومة الشارقة السيد عبد الله، كما جرى تدشين مكتبة دار الشعر، في الطابق الأرضي للدار، وهي تضم آلاف العناوين، وتعد أول مكتبة شعرية في المغرب والعالم العربي، وأصبحت مرجعا للباحثات والباحثين في الشعر، ووجهة للمهتمين به من المغرب وخارجه. أقامت دار الشعر بتطوان مئات التظاهرات والفعاليات الشعرية، في نحو 15 مدينة مغربية، وأشركت وكرمت في فعالياتها جل الشعراء المغاربة، من مختلف التجارب والحساسيات الشعرية، مثلما تواصل تنظيم جوائز وورشات وملتقيات للشعراء الشباب، في طليعة ذلك جائزة الديوان الأول للشعراء الشباب… كما استضافت الدار عددا من الشعراء العرب والعالميين، أمثال غسان زقطان والمتوكل طه من فلسطين. ونوري الجراح وخلود شرف من سوريا والمنصف الوهايبي وآمال موسى من تونس وعبد الهادي سعدون من العراق ووجاويد آختر من الهند وفيكتور رودريغيث نونييث من كوبا وكارل نوراك من بلجيكا وليندا فرانس من إنجلترا وجوسسيبي كونطي من إيطاليا وراكيل لانثيروس من إسبانيا وخورخي طوريس ميدينا من كولومبيا وغاي بينيت من الولاياتالمتحدةالأمريكية. ومن أهم هذه الفعاليات "ليالي الشعر" و"ليالي الزجل" و"ليلة الملحون" و"ليلة الشعر الأمازيغي" و"ليلة الأندلس"، وهي تجمع شعراء وعازفين موسيقيين في احتفاليات راقية، إلى جانب تظاهرة "شعراء ونقاد" و"شاعر بيننا" و"شاعر في الذاكرة" و"ديوان" و"حدائق الشعر"، و"الأطلال" الذي يقام في فضاءات المواقع الأثرية المغربية، ولقاء "بحور الشعر" الذي يقام في شواطئ المغرب، واستضاف عددا من شعراء المهجر المغاربة، في مقدمتهم الكاتب العالمي الطاهر بنجلون. كما تنظم الدار سلسلة من الندوات الأكاديمية والورشات التعليمية، والملتقيات الشعرية، مثل ملتقى الشعر الإسباني وملتقى الشعر والمسرح… وتتوج الفعاليات السنوية لدار الشعر بتنظيم مهرجان الشعراء المغاربة والذي كرم كبار الشعراء المغاربة، في طليعتهم مبدع النشيد الوطني الشاعر المغربي الراحل مولاي علي الصقلي، والشاعر عبد الرفيع جواهري والشاعر عبد الكريم الطبال. كما أحيى حفلات المهرجان في دوراته الأخيرة نجوم الغناء المغربي والعربي، مع الفنانة كريمة الصقلي ومع مجموعة ناس الغيوان، وأخيرا مع أيقونة الأغنية العربية الملتزمة المطربة اللبنانية أميمة الخليل. لقد كان لدار الشعر ولا يزال أثر جميل على المشهد الثقافي المغربي والعربي، لما استطاعت هذه الدار أن تكون مستقرا ومقاما للشعراء المغاربة والأجانب، باختلاف تجاربهم ومذاهبهم في الكتابة الشعرية الراقية. ولا تزال أبواب الدار مفتوحة أمام كل الشعراء، مثلما لا تزال نوافذ الدار تطل على كل الجغرافيات الشعرية. العنوان: تطوان إرث وطموحات متوسطية إشراف: كريمة بنيعيش / سعيد الحصيني (بريس تطوان) يتبع...