عندما يثار الحديث عن متاعب الصحافة الرقمية، وخاصة عن الجدل الدائر حول الملائمة ببلادنا يذهب البعض إلى تحميل عبئ هذا الجدل للمهنيين رغم أن الحكومات السابقة تتحمل جزءا كبيرا من هذا العبئ الذي لا زال ساريا إلى اليوم، بل هناك من يجزم أن مسؤولية الحكومة واضحة ومباشرة في هذا الارتباك الذي تشهده للأسف الشديد الصحافة الرقمية. في هذه الورقة سنحاول أن نذكر ببعض المحطات الأساسية التي لم توفق فيها الحكومات المغربية في التعامل بشكل واضح ومهني مع الصحافة الرقمية. سأبدأ من البداية، ونسجل أن حكومة 2002 حاولت أن تقارب تقنين الوسائل الرقمية في آخر تعديل لظهير 1958 بعبارة واحدة تتضمن عقابا وتهديدا للصحافة الرقمية وليس تقنينا لها: “تعاقب بالغرامة والسجن كل الجنح والجرائم المرتكبة بأية وسيلة إعلامية أو بكل وسيلة إلكترونية”. رغم أنه قبل 2002 كانت هناك مواقع إخبارية رقمية من بينها مواقع رقمية ساهمت في رأس مالها اتصالات المغرب وكان بعض صحفييها يتوفرون على البطاقة المهنية للصحافة (casa.net) (menara.ma) وهم الذين قاموا بتدريب وتكوين بعض صحفيي يومية الأنباء الحكومية سنة 1999، وكنت واحدا ممن استفادوا من هذا التكوين الرقمي. من بين المحطات الأساسية التي تظهر بجلاء ارتباك الحكومة السابقة قولها إن قبل 2012 لم يكن هناك أي موقع إخباري رقمي مصرح بهظن بمعنى أنه لا وجود لأية صحيفة إخبارية رقمية قانونية وأنه منذ 2013 أصبحنا نتوفر على أزيد من 300 موقع إخباري رقمي، بمعنى أن كل المواقع الإخبارية الرقمية الصادرة قبل 2012 لم يكن مصرحا بها وبالتالي فهي غير قانونية، وهنا نسائل حكومة بنكيران كيف يمكن للحكومة أن تسمح بمنح بطاقة الصحافة المهنية لبعض العاملين في هذه المواقع التي صدرت قبل 2012، وفي مقدمتها صحيفة “هيسبريس”، رغم أن الوضعية القانونية للصحف الرقمية لم تتغير لا قبل 2012 ولا بعد 2013؟ في المحطة الثالثة، نجيب عن سبب تبجح حكومة بنكيران بالطفرة العددية للمواقع الرقمية الإخبارية بعد سنة 2013 لأنه في هذه السنة وبالضبط يوم 9 أبريل 2013، وبسبب رفض وكلاء الملك بالنيابات العامة بمختلف المحاكم الابتدائية، قبول ملفات المواقع الإخبارية بسبب غياب قانون ينظم الصحافة الرقمية، جاء منشور وزير العدل والحريات مصطفى الرميد يطلب من وكلاء الملك بالمحاكم الابتدائية قبول طلبات التصريح بإنشاء مواقع إخبارية في غياب قانون تنظيمي للإعلام الرقمي، رغم أن هذا المنشور الوزاري لا قوة قانونية له ولا يمكن أن يكون ملزِما، لأنه لا يعتبر إلا منشورا داخليا لا يتضمن إلا تحايلا على كلمة “صحافة” في الفصل 5 من ظهير 1958، حيث اعتبر أن لفظة “صحافة” في هذا الظهير الذي يعود لخمسينيات القرن الماضي قد تعني الصحافة الورقية كما يمكنها أن تسري أيضا على الصحافة الرقمية، ورغم ذلك فإن حكومة بنكيران اعتبرت أن المواقع الإخبارية الرقمية التي تم قبولها بموجب هذه القراءة العجيبة للفصل 5 من ظهير 1958 قانونية، رغم أنها لا تستوفي كل الشروط المهنية والعلمية. لكن الغريب هو أن حكومة بنكيران ستصدر سنة 2016 مدونة جديدة للصحافة والنشر وستعمل على مطالبة الجميع، سواء الذين صدروا قبل سنة 2012 أو ما بعد 2013 بناء على منشور وزير العدل والحريات، بالملائمة مع المدونة الجديدة للصحافة والنشر، وهنا يمكن أن نتصور حجم الارتباك الذي أحدثته الحكومة السابقة، إذن فمن هي الجهة التي يجب أن تلام: الصحفيون أم حكومة بنكيران؟. في ذات السياق، يمكن أن نسجل أن اللجنة العلمية التي تم إحداثها لوضع مشروع مدونة الصحافة والنشر لم تكن تضم بين أعضائها أية هيئة متخصصة في الصحافة الرقمية بعد انسحاب ممثل الرابطة المغربية للصحافة الرقمية بسبب المشاكل التي شهدتها الرابطة. عدم اهتمام حكومة بنكيران بالصحافة الرقمية تمثل أيضا في إسقاط القانون الخاص بالصحافة الرقمية بعدها كانت اللجنة العلمية تشتغل على أربعة قوانين بدل ثلاثة: قانون الصحافة والنشر وقانون الصحافة الرقمية وقانون الصحفي المهني وقانون المجلس الوطني للصحافة، ليتم في نهاية المطاف التخلي عن قانون الصحافة الرقمية وإدراجه كباب في قانون الصحافة والنشر. نسجل أيضا في نفس الاتجاه أن الحكومة السابقة لم تكتف باستبدال قانون الصحافة الرقمية بباب تابع لقانون الصحافة والنشر بل إن هذا الباب جاء هزيلا ولا يفي بالغرض المطلوب (10 فصول من 126 فصلا) ولا يتطرق للعديد من القضايا الجوهرية والأساسية في الفضاء الرقمي المغربي كإذاعة الويب وقنوات الويب مثلا. ولكن يجب أن نعترف ببعض المبادرات والاجتهادات التي قامت بها حكومة العثماني الحالية بإعادة النظر في العديد من المقتضيات القانونية التي أثارت نقاشات كبيرة والتي قامت بنسخ بعض البنود والفصول القانونية، مثل: * تفادي ازدواجية العقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي وقانون الصحافة. * استثناء المطبوعات الدورية الإدارية والعلمية، سواء كانت على حامل ورقي أو رقمي من شروط التوفر على مدير نشر. * فضلا عن مقتضيات مرتبطة بمكانة ومهام مدير النشر من خلال تدقيق شروط التوفر على صفة مدير نشر وذلك بإضافة خيار التوفر على صفة صحافي مهني لمدة لا تقل عن 10 سنوات. * تدقيق المسطرة المحددة لإجراءات سحب المادة الصحفية من موقع الصحيفة الرقمية وتعطيل الولوج إليها. * فصل جرائم الحق العام المرتكبة عن طريق وسائل النشر عن الجرائم الصحفية المحضة.