استمرت حرب تطوان من نوفمبر 1859 إلى مارس 1860. وخلدت أحداثها الرئيسية من قبل ثلاثة رسامين إسبان مشهورين هم سلفادور دالي، الذي كرس سلسلة من اللوحات لمشاهد الحرب بما في ذلك لوحة عملاقة تبلغ مساحتها 12 متراً مربعاً، وماريانو فورتوني الذي وصف معركة واد الرأس التي منحت النصر النهائي للإسبان، والفنان سبيليان خواكين دومينغيز بيكير الذي رسم اجتماع أطراف النزاع لاستعادة السلام. هذه الحرب، التي نتجت عن محاولة غزو إسباني للأراضي المغربية ولتطوان على الخصوص، حدثت في سياق سياسي وجيوسياسي وصحي معين. أولاً، عانى المغرب، الذي مني بالهزيمة في معركة إيسلي عام 1844 وضعفت هيبته، من مضايقات من فرنسا التي قصفت مدن طنجة وموكادور وسلا. وفي تلك الفترة، سعت مملكة إسبانيا، التي استولت على وجه الخصوص على سبتة ومليلة، إلى ضمان "امتداد استراتيجي" لهاتين المدينتين على حساب القبائل المحاربة التي كانت تقاطعها وترفض وجودها على أراضيها، كما سعت أيضا إلى تحقيق طموحها وتأكيد وضعها كقوة لا تقل وزنا عن فرنساوانجلترا. من جانب آخر، كانت انجلترا، التي تتطلع إلى السيطرة على ضفتي مضيق جبل طارق، مستعدة للدفاع عن مصالحها الجيوستراتيجية والتجارية. ثانيا، عرفت هذه الفترة تدهورا خطيرا للظروف الصحية في المنطقة مع انتشار وباء الكوليرا في كل من إسبانيا والمغرب، الذي كان ينشر الموت في كل الأرجاء. المعارك: اندلعت حرب تطوان بعد حوادث بسيطة كان من الممكن احتواؤها بالطرق الدبلوماسية التقليدية. لأن اسبانيا، في ذلك الوقت، كانت تسكنها رغبة جامحة للهجوم على "المورو" واختلاق أية ذريعة لإعلان الحرب على المملكة الشريفة. وكانت القوات الاسبانية، المقسمة إلى ثلاثة فيالق وفرقة واحدة، والمكونة من 50 ألف رجل و60 قطعة مدفعية، بقيادة رئيس الحكومة ووزير الدفاع الجنرال ليوبولدو أودونيل. تصل تباعا إلى الأراضي المغربية على مراحل، مدعومة في ذلك ب 20 سفينة حربية مزودة ب 327 مدفعا. كما استفادت اسبانيا، في ذات الوقت، من مؤازرة القوى النافذة أنداك، فرنسا وروسيا والنمسا وبروسيا، التي أرسلت ضباطا رفيعي المستوى لتمثيلها داخل المركز الإسباني لقيادة العمليات الحربية. في الجانب المغربي، حشد السلطان مولاي عبد الرحمن جيشه، حيث دعا إلى الجهاد ضد الكفار، وأوكل إدارة العمليات إلى شقيقه مولاي العباس، الذي سينضم إليه فيما بعد أخوه الآخر مولاي أحمد. وكانت أعداد هذا الجيش تتعزز يوما بعد يوم بوحدات جديدة ليصل عدده إلى 40 ألف محارب، ورغم ضعف السلاح الذي كانوا يتوفرون عليه من بنادق بسيطة ذات طلقات قريبة المدى، وبضع قطع من المدفعية، كانت عزيمة هؤلاء المشاة والفرسان، المعروفين ببسالتهم الأسطورية، قوية بقناعتهم الدينية، وحقهم الراسخ في صد الغزاة. واختار الجنرال أودونيل السير نحو تطوان عبر منحدرات الساحل حيث اضطر جيشه إلى خوض عشرات المعارك ضد القوات المغربية التي كانت تعاود الهجوم موقعا تلو الآخر. وبالتالي، استغرق الوصول إلى تطوان، انطلاقا من سبتة مدة شهرين، عان فيها الجنود الإسبان من ويلات الضربات المغربية والمرض والجوع في ظل اضطراب التموين القادم من البحر. وقعت معركة تطوان في 4 فبراير 1860 بالقرب من بوابات المدينة. وكان الجيشان في مواجهة بعضهما البعض إلى أن استطاعت قوة نيران الإسبان أن تتغلب على القوات المغربية، وأفضت الاشتباكات الدامية المباشرة إلى فوزهم. حصل الإسبان على 8 مدافع و 800 خيمة وأجبروا مدينة تطوان، التي تحصن بها عدد قليل من المحاربين، على الاستسلام. وهكذا احتل الجيش الإسباني مدينة تطوان التي دخلها في 6 فبراير 1860. السلم: انطلقت محادثات السلام في 23 فبراير 1860، في اجتماع ضم مولاي العباس ووزير الخارجية محمد الخطيب من جهة، وقائد الجيش الإسباني مع جنرالاته بريم وغارسيا وكيسادا وأوستاريز من جهة أخرى حيث فرض الاسبان مجموعة من الشروط من ضمنها احتلال مدينة تطوان، ورفض الجانب المغربي هذا الشرط الاسباني المستأسد، مما أدى إلى انهيار المفاوضات. وقرر الجنرال أودونيل بعد ذلك متابعة سيره نحو طنجة. وعند وصوله إلى سهل وادي الراس في 24 مارس، تواجه جيشه مرة أخرى مع الجيش المغربي الذي جمع قواه ورص صفوفه بأعداد ضخمة وحصل على أسلحة جديدة، إلا أن الجيش المحتل فاز مجددا في هذه المعركة. ورغم هذا الانتصار، تبين للقائد العسكري الإسباني صعوبة احتلال مكان غير مضياف في بيئة معادية وخوض حرب طويلة ضد خصم مستعد للقتال إلى أجل غير مسمى، يمكنه إقامة تحالفات مع قوى أخرى بشكل يقوي شوكته. وتم الاتفاق، بسرعة، في اليوم التالي على شروط السلام بين مولاي العباس وأودونيل الذي تنازل على احتلال مدينة تطوان. ونصت معاهدة السلام التي وقعها السلطان محمد الرابع في 26 أبريل 1860 على دفع تعويض حرب ثقيل قدره 105 مليون فرنك ذهبي، وتوسيع إقليمسبتة وحدود مليلة طبقا لاتفاق 1859، ومنح إقليم إفني، ووعد المغرب بتمكين إسبانيا من صفة الدولة الأولى بالرعاية في المجال التجاري. وحشدت اسبانيا لحرب تطوان جيشا قوامه 50 ألف جندي وكلفتها هذه الحرب مقتل ما يقرب من 1200 جندي وضابط وخمسة ألاف جريح، ناهيك عن خمسة ألاف آخرين قتلهم وباء الطاعون على الأراضي المغربية، بأي مكسب ترابي مهم. بالنسبة للمغرب، فقد حشد جيشا معادلا، إلى حد ما لعدد الجيش الاسباني وربما يكون تكبد خسائر أكبر في الأرواح البشرية. وإذا كان قد نجح في إنقاذ تطوان من الاحتلال الإسباني، فإن التعويض الثقيل الذي كان عليه أن يدفعه لإسبانيا سيزيد من إضعافه وانهاكه. العنوان: تطوان إرث وطموحات متوسطية إشراف: كريمة بنيعيش / سعيد الحصيني (بريس تطوان) يتبع...