محمد الأشعري: الشعر جوهر كل الأعمال الأدبية والفنية وما يهمني هو التأمل في التغيير.
أكد الشاعر والروائي المغربي محمد الأشعري أن الشعر هو جوهر كل كتابة أدبية، على أساس أن "الطموح الأساس في عملية الكتابة لا يتمثل في مجرد بناء نص ملائم للجنس الأدبي الذي ينتمي إليه، وإنما يكمن في بناء رؤية شعرية داخله". جاء ذلك في افتتاح ندوة "شعراء يكتبون الرواية"، التي نظمتها دار الشعر في تطوان، يوم الجمعة الماضية، بفضاء المكتبة العامة والمحفوظات بالمدينة، أمام حضور كبير تابع أشغال هذا اللقاء حول تجارب الشعراء الروائيين في المغرب.
ويرى الأشعري، وزير الثقافة والاتصال السابق، والروائي المتوج بجائزة البوكر العربية سنة 2011، أننا نعثر على الكثير من الشعر في مجالات غير مجال القصيدة، مثل اللوحة والسينما والمسرح. بل و"حتى في بعض الكتب الفكرية والنظرية، نصادف انبثاقات شعرية" يضيف الأشعري.
ودعا المتحدث إلى ضرورة إقامة حوار بين الشعر وباقي أشكال الكتابة والإبداع، والفلسفة أيضا، متوقفا، مثلا، عند ذلك الحوار الخلاق الذي قام بين الشعر والفلسفة في ألمانيا، بما أغنى الشعرية الألمانية الحديثة والمعاصرة، إلى غير ذلك من صيغ الحوار بين الشعر والتشكيل، أو الشعر والسينما، أو الشعر والمسرح، في تجارب إنسانية عالمية.
وبصرف النظر عن كتابة الشعر أو الرواية، فليس هاجس الأجناس الأدبية هو ما يهم الرجل، بل إن الأسئلة التي تهمني، يقول الأشعري، هي "تلك المرتبطة بالزمن، وبالتناقضات التي نعيشها... ما يهمني هو التأمل في التغيير، وما يتبدى على أنه تغيير، وما هو بتغيير".
أما الشاعر والروائي حسن نجمي، فيعلن منذ البداية أنه يكتب الرواية بروح الشاعر، حيث "أتصرف بروح الشاعر، وأنا أكتب الروايات بالطريقة التي أكتب بها الشعر، منطلقا من جمل وشذرات وفقرات ومقاطع، وإن كنت أكتبها وأنا أفكر بالرواية". لهذا، يرى نجمي أنه ليس لنا أن نتحايل، فلا نحترمَ متطلبات ومستلزمات الكتابة الروائية حين نكتبها.
وإذا كانت الحكاية هي الأساس في كل عمل روائي، يضيف صاحب رواية "جيرترود"، إلا أننا، "ونحن نقرأ النصوص الكبرى، نعثر على روح الشعر في الكثير من الروايات". من هنا، يخلص المتحدث إلى أن "العلاقة بين الشعر والرواية لا تقوم على التضاد والتناقض والصراع، وإنما هي علاقة إثراء وإغناء وحوار مثمر ومستمر".
علاقة إثراء وإغناء وحوار مثمر ومستمر بعد شهادة الروائيين المشاركين في الندوة، تناول الكلمة ناقدان يمثلان أهم الأصوات النقدية في المغرب والعالم العربي، ويتعلق الأمر بالناقد شرف الدين ماجدولين، وقبله الناقد سعيد يقطين، الذي أَصَّلَ لسؤال الشعر والسرد في التراث العربي في مداخلته، وهو يتحدث عن جدل "الشعري والسردي". وذهب عالم السرديات المغربي إلى أن سؤال الندوة إنما يرتبط بسؤال الأجناس الأدبية، أساسا، وأن التصنيف الثلاثي الموروث عن الشعرية الأرسطية، والمتمثل في الملحمة والدراما والشعر الغنائي، كان دَفَعَ البعض إلى القول بأن الشعر العربي لا يدخل في باب الملاحم ولا الدراما، وعليه، فإن شعرنا العربي هو شعر غنائي. هذا التصور الذي قال به جورجي زيدان أولا، ثم أدونيس من بعده في "الثابت والمتحول" لا يصدق على الشعر العربي القديم، بحسب يقطين. الذي لطالما انشغل بهذا السؤال، لما كان منخرطا في الدراسات السردية المرجعية التي راكمها منذ نهاية الثمانينيات وإلى اليوم.
ولقد تبين له بعد طول بحث وتأمل مديدين، أن الشعر العربي ليس بغنائي، إذ يحضر فيه السردي بقوة، وقد تضمن أخبار العرب وأيامهم وتجاربهم وحكمهم، وهو ما دفع يقطين، في بعض مباحثه، إلى الوقوف عند شخصية "الشاعر الراوي"، ليخلص إلى تأصيل الأواصر القائمة ما بين الشعر والسرد في تراثنا الأدبي. قبل أن يصل بنا يقطين إلى الشعر العربي الحديث والمعاصر، ليسجل استمرار حضور السردي في الشعر، من قصائد بدر شاكر السياب إلى نصوص محمد الماغوط، وسواهما من الشعراء العرب. وفي الأخير، ينتهي يقطين إلى ضرورة إقامة حوار مستمر بين الشعر وباقي الأجناس الأدبية، كما سعت إلى ذلك دار الشعر في تطوان، من خلال هذه الندوة، "مع فتح حوار نقدي حول ما نكتب، سعيا في تطوير تجاربنا، وتجاوز الأفكار السائدة".
أما الناقد شرف الدين ماجدولين، فقد تتبع في مداخلته تحول شعراء عالميين وعرب ومغاربة إلى كتابة الرواية، من حيث هو اختيار متصل بمقاصد تعبيرية خاصة، بصرف النظر عن تفسيرات الشعراء أنفسهم لأسباب انتمائهم الكتابي الجديد، حيث تراوح توصيفاتهم بين مجازات السفر والسياحة والتجوال بين الأجناس الأدبية. كما أشار المتحدث إلى حالات كتابية كانت لها أبعادها وتأثيرها الملحوظ في تمثل هذه الوضع، في السياق الثقافي العربي، حيث استحضر رواية "البؤساء" للشاعر الفرنسي فيكتور هوغو، التي ترجمها إلى العربية، أول مرة، شاعر أيضا هو حافظ إبراهيم، في لحظة لم تكن فيها الرواية قد شكلت صورتها الواضحة في الأدب العربي الحديث.
وفي مقارنة بين نماذج مشرقية ومغربية، سعى ماجدولين إلى نقل إجابات بعض تلك الأسماء وما تضمنته من تفسيرات تفيد مؤرخي الأدب ونقاده، وإن كانت لا تحظى بالأهمية ذاتها لدى الكتاب أنفسهم، ممن لا يطرح معظمهم سؤال التحول على نفسه.
وختم المتحدث مداخلته بالإشارة إلى أن الأدب المغربي الحديث، في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، كان بصدد تشكيل رصيده، ومن ثم فإن ظاهرة الكتابة في عدة أجناس كانت قاسما مشتركا بين عدد كبير من الأدباء المغاربة من أحمد المديني إلى عبداللطيف اللعبي، ومن الطاهر بن جلون إلى محمد الأشعري.