احتفال واحتفاء بالدكتورة "أمينة بركاش" بتطوان نظمت جمعية "السرطان كلنا معنيون" مساء الخميس 28 يونيو 2018 حفلا تكريميا للدكتورة "أمينة بركاش"، تم خلاله تقديم شهادات متنوعة من فعاليات جمعوية وحقوقية وإعلامية في حق المحتفى بها والتي أجمعت على الخصال العالية للدكتورة وللعطاء الغزير لسيدة استثنائية، ومن ضمن الشهادات التي قدمت في حقها تنشر"بريس تطوان" كلمة الأستاذ والإعلامي الأمين مشبال.
بادئ ذي بدء أود أن أتوجه بالشكر للأصدقاء في جمعية "السرطان كلنا معنيون" على دعوتهم الكريمة لأشارك في تكريم هرم من الأهرامات التي تفتخر بها مدينة تطوان وسيدة استثنائية تجمع ما بين موهبة وعلم علاج أعطاب الروح. في أواخر سبعينيات القرن الماضي، كان ما يعرف بمستشفى "مايركا" بتطوان يشتغل تحت إشراف طبيب إسباني يسمى ب"طوريكانو،الذي كان يشتغل على طريقة مستشفيات الأمراض العقلية التي عرفتها أوروبا في العصر الكلاسيكي حيث كان المرضى يرمون في البحر أو في فضاءات مغلقة ويلقون معاملة لا إنسانية لا تليق حتى بالدواب.وهو الوضع الذي أفرد له الفيلسوف الفرنسي الراحل ميشيل فوكو أطروحته المشهورة "تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي".
كان سكان تطوان يهابون ذلك المستشفى، وكان المرض العقلي سبة وشتيمة تنضاف وتثقل كاهل المريض وعائلته بالمزيد من الألم والمعاناة..وكان الجنون آنذاك أكثر وقعا على نفسية سكان تطوان من أمراض أخرى فتاكة وقاتلة باعتبار أن نظرة المجتمع آنذاك كانت محكومة بالأساطير التي حيكت في القرون الغابرة حول المرض والتي كانت تعتبر صاحبه مسكونا بأرواح شريرة.
مجيئ الدكتورة بركاش، وتسلمها إدارة المستشفى منتصف الثمانينيات، شكل بداية التحول بل والقطيعة مع النظرة السابقة، فأصبح أصبع الاتهام يوجه إلى المجتمع بدل المريض، فالشخص المصاب بالعصاب أو الدهان، إنما هو نتاج مجتمع مشحون بالعنف وعلاقات القوة والإقصاء والتشيؤ مما يؤدي لا محالة إلى سقوط العديد من أفراده ضحايا. (adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({}); مقاربة الدكتورة أمينة بركاش أحدثت ثورة طبية واجتماعية في نفس الآن، فلقد شرع وجه المستشفى بالتغير ولم يعد يحمل طابع الحجز والاعتقال واتخذت معاملة المرضى منحى إنسانيا، وتمكنت تلك الرؤية من تحقيق مصالحة ما بين الأسر والمجتمع وضحاياه من المرضى بحيث تم الاعتراف بكون المجموعة البشرية طرفا من المشاكل ويتعين عليها بالتالي احتضان مرضاها.
كما أثبتت تجربة الدكتورة أمينة بركاش، خلافا لما هو سائد، أنه يمكن بإمكانيات بسيطة إنجاز الكثير لصالح المواطنين البسطاء، وبأن حب الوطن والمواطنة قيم وممارسة.
وعلى الرغم من الإيذاء الذي تعرضت له الدكتورة بركاش في حياتها في شخص زوجها الدكتور محمد الجعيدي الذي كان أحد ضحايا حملات الاختطاف والاعتقال التي تعرض لها مناضلو اليسار المغربي في سنوات الرصاص، فإنها لم تغير في أسلوبها بل ازداد إصرارها على الأداء المتميز. بعد أن غادرت الدكتورة عملها في المستشفى وفتحت عيادتها الخاصة، واصلت خدمة المجتمع التطواني من موقعها الجديد ،بل واصلت استقبال مجانا بعض مرضاها القدامى الذين تعوزهم الإمكانيات المادية لمتابعة العلاج. الدكتورة بركاش بتواضعها أدركت أن العلم مثله مثل نهر الحياة لا يتوقف، لذا كانت دوما حريصة على المشاركة في المنتديات الطبية الدولية المختصة، كما لم تبخل بعلمها سواء عبر نشر مقالات علمية أو عبر مرورها المتألق ببرنامج "بصراحة" على أمواج إذاعة البحر الأبيض المتوسط ميدي 1. فهنيئا لتطوان وهنيئا للمغرب بهاته القامة العلمية والإنسانية التي قدمت ولا تزال نموذجا مشرقا للمرأة المغربية، وهنيئا لك الدكتورة أمينة بركاش .فمن النادر جدا أن يفي شخص كما وفيت وكفيت ،ومن النادر أن يحمل شخص قلب المحبة كما حملت.