أكدت الأستاذة سعاد حميدون، فاعلة جمعوية ورئيسة جمعية "السرطان.. كلنا معنيون" بتطوان، على أهمية الكشف المبكر عن السرطان، باعتباره الوسيلة الأوحد والأنجع للتشافي بأقل التكاليف والأضرار مع الحصول على نتائج علاجية مُرضية ومشجعة. وتابعت المتحدثة لبريس تطوان، في إطار الحملة الوطنية التحسيسية حول أهمية الكشف المبكر عن سرطاني الثدي وعنق الرحم، أن رحلة العلاج تقوم على مجموعة من العوامل، مشددة على عدم إغفال الجانب النفسي لما يلعبه من دور جوهري في الاستشفاء. كما رصدت أهم الإكراهات التي تواجه المؤسسات العلاجية بجهة طنجةتطوانالحسيمة، مسلطة الضوء على الرهانات لتحسين جودة الخدمات الطبية. وإليكم نص الحوار: 1/ الحديث عن السرطان يسلط الضوء في كل مناسبة عن الكشف المبكر، فهل فعلا اكتشاف المرض بشكل قبلي يسرع من عملية العلاج؟ من الأمور المهمة جدا في تحقيق نسب التشافي العالية والسريعة، دون هدر للمال والوقت والجهد البدني، ودون التحول إلى سرطانات أخرى والوصول إلى الحالات الحرجة المستحلية الشفاء أو الصعبة (METASTASES)، هو الكشف المبكر والمبادرة الفعلية في العلاج الطبي بعد الاكتشاف مباشرة. إذ قد يحدث في بعض الأوساط نتيجة تفشي الجهل والأمية والهشاشة الاقتصادية، اللجوء إلى الطب الشعبي والشعوذة على اختلاف أنواعها، بحثا عن وهم الكرامات، وفي أحيان أخرى نادرة الخوف من البتر الذي يصيب المعنيات بهلع وخوف شديدين، مما يجعل الحالة تتفاقم وقد تخرج عن السيطرة. 2/ بعد اكتشافها للإصابة، تبحث كل سيدة عن يد تمتد لها وتقدم لها الدعم بمختلف أشكاله، فما هي القواسم المشتركة بين المصابات اللواتي يلجن الجمعية؟ كما هو معلوم، خبر الإصابة في حد ذاته نقلة نوعية من إنسان يعيش يومه بما قسم الله، إلى إنسان فاقد للبوصلة… متخبط في المسارات والآراء والاتجاهات … هذه واحدة من القواسم المشتركة الرئيسية بين جميع الوالجات للجمعية، أضف إلى ذلك بحثهن عن الداعم المادي والنفسي، فكما تعرف بعد الاصابة يصبح المرء بين مطرقة الداء المكلف وسندان الحاجة أو العجز المادي. جميع المخرطات من ذوات الفئة الهشة ماديا، يتوفرن على بطاقة "الراميد" مما يعني استحالة التوجه للعيادات الخاصة، بل حتى التشافي بمستشفيات حكومية مكلف جدا لهن، خصوصا إذا عرفنا أنه عليهن التنقل يوميا أو أسبوعيا من تطوانلطنجة على الأقل أو الرباط، قصد تلقي العلاج. فمشكل التنقل وحده عبء مادي ينضاف إلى مسلسل المصاريف العلاجية مثل التحاليل المخبرية والتشريحية والإشعاعية (توفر الجمعية خصما على هذه الفحوصات وفق شراكات مع مختلف القطاعات). هؤلاء النساء يتقاسمن أغلبهن الأمية، فهن في حاجة لمن يرتب أوراقهن، ويضبط مواعيدهن، ويوجه خطوات علاجهن وفق التسلسل المطلوب، ومن هنا تعمد الجمعية على استقبال المريضات ومرافقتهن وتتبعهن أثناء العلاج وبعده. 3/ كم يبلغ عدد المصابات المسجلات بالجمعية؟ وما أنواع السرطانات الأكثر انتشارا بينهن؟ يصل عدد المصابات بالسرطان المنخرطات بجمعية "السرطان .. كلنا معنيون" إلى 421 مريضة، بنسبة إجمالية تقدر ب 69%. ويشكل سرطان الثدي 49% منها، يليه سرطان عنق الرحم بنسبة 16%، بينما تتقاسم باقي مختلف أنواع السرطانات نسبة 4% (سرطان الرئة، الدم، العظام وغيرها… ). وحسب ما تلحظه الجمعية إثر تعاطيها المباشر مع الملفات، فإن الأعداد في تزايد مستمر إذ لا يمر الأسبوع إلا وقد التحق عدد يتراوح بين 2 إلى 3 أشخاص، أي بمعدل شهري متوسط يصل إلى 10 شخصا . لكن الملاحظة الأخطر هو أن نسبة تفوق 30% من إجمالي المنخرطين يأتون إلى الجمعية وقد وصلوا مرحلة متقدمة من المرض (METASTASES ). 4/ رحلة العلاج تستوجب تظافر مختلف الجهود، فما هي الإكراهات والرهانات التي يمكن رصدها على مستوى المؤسسات العلاجية بجهة الشمال؟ نلاحظ أن السلطات الصحية (نتكلم عن جهة طنجة – تطوان – الحسيمة) تركز على بناء المراكز إلا أن نسبة تجهيزها بما يلزم من الأجهزة التي تستوعب الفئات المستهدفة داخل الجهة ضعيفة جدا، مثال على ذلك نجد أن مركز الشيخ أحمد بن زايد ال نهيان لعلاج السرطان الذي يستقبل عددا كبيرا من المرضى الجدد يوميا من تطوان، طنجة، العرائش، شفشاون، وزان، العرائش بأقاليمها يتوفر على جهاز واحد للعلاج بالأشعة، الشيء الذي قد يتسبب في عدم وصول المريض لهذا المرفق في الوقت المناسب وبالتالي نسبة استفحال المرض أو الموت ترتفع بشكل مهول مع زيادة نسبة المصاريف على الدولة والمريض. نلاحظ أيضا أن السلطات الصحية تغفل الجانب النفسي للمريض بشكل شبه كلي، بالرغم من وجود أبحاث تؤكد على أن علاج المريض بالسرطان لا يمكن أن يكون بمعزل عن نفسية متوازنة ومستقرة، لولا تدخل بعض جمعيات المجتمع المدني على قلة إمكانياتهم. وعلى سبيل الرهانات لتحسين جودة الخدمات الطبية أيضا يمكننا أن نذكر إحداث جناح خاص بالسرطان داخل المستشفى الجهوي للتخصصات بتطوان والذي في طور البناء، وكذا الرفع من الميزانية المخصصة للأدوية وأجهزة الفحص. 5- ما الدور الذي يلعبه الجانب النفسي في العلاج ؟ لنتفق على أن الأمراض أغلبها يصيب العضو ويتعامل معها المصاب بنوع من الواقعية، مقتنعا بأنه أمر عارض ينتهي باختيار العلاج المناسب، إلا مرض السرطان فهو رغم تقدمنا العلمي والثقافي الفكري، لا زال يبصم في المخيال الإنساني بذاك "الشبح القاتل "، فأغلب الأوساط تتجنب تسميته الصريحة وتكتفي بكنايات وإيحاءات عنه "ذاك المرض، العدو ، اللعين، الطير -باعتباره ينتقل من عضو لآخر- …"، هذا مجرد حال المتحدث عنه، فما بالنا عندما ينقلب حال الشخص من متحدث إلى مبتلى به دون سابق إنذار ؟!! يصاب المبتلى بصدمة، فأول ما يتبادر إلى ذهنه ثنائية "النجاة والموت"، وكثيرا ما يعرج التفكير إلى المحيط (الأبناء والأسرة..) آلاف التساؤلات وآلاف الأولويات لمن يتركهم ؟؟ من يكفلهم؟؟ مصادر تمويل العلاج ؟ … والكثير من الأسئلة المرتطمة بجدار واقع الحال، وهذا تصريح بانهزام واستسلام قبل محاولة العلاج .!! تفكير سلبي كهذا كفيل بإضعاف المناعة الذاتية، وإضعاف الرغبة في العلاج، وتتفاقم الحالة رغم إنخراطها فيه لأنه انخراط سلبي. لهذا فإن جلسات الإنصات (التي تنظمها الجمعية) تجعل المعني يعبر عما يدور في خلده… يفكر بصوت مسموع… يشرك الآخر باحساساته، بحزنه، بألمه… يفضفض، يخرج الطاقة السلبية منه، ويتنفس الصعداء، لأن الكتمان وتحميل الذات ما لا تطيق يخنق النفس ، ويضيق الصدر، ويولد الوسواس والقهر. في مثل هذه الجلسات يستشعر الاطمئان والمؤازرة، ودعم الآخر له ويشعر أنه ليس مختلفا أو عنصرا شاذا، غير سليم، غير نافع، أو ربما مكلِّف لأسرته ومحيطه. إنصات الآخر له يفرج عنه، ويفرغ ما يجثم على نفسه ونفسيته. وبإنصاته لمعاناة الآخر وتجاربه وتقدمه في العلاج يفتح باب الأمل عريضا على مصراعيه أمامه. ففي جلسات الإنصات يتم تقويم الشعور السلبي والانهزامية والبحث عن مواطن القوة والعزيمة، والإيمان بأنه مرض وإن كان شرسا علينا أن نكون أشرس منه فالبقاء للأقوى والأصلح. المرض لا يعني بالضرورة الموت، ونحن كبشر لا نقاوم الموت أو نغيبه، بل نقاوم المرض ونهزمه لنعيش ما تيسر لنا من عمر بايجابية وأمل. 6 – بما أننا في شهر التحسيس بأهمية الكشف المبكر عن سرطاني الثدي وعنق الرحم، ما النصيحة التي يمكن أن تقدميها للنساء في سن الإنجاب؟ (السليمات منهن، ومن اكتشفن الورم) أهم نصيحة يجب أن نقدمها لأنفسنا جميعا هي الاهتمام بتفاصيل الحياة التي تحمل بين طياتها الجمال مهما كانت بسيطة، وعيشُها بكامل الحب. ومن أهم الأولويات التي لابد أخذها بعين الاعتبار قبل اللجوء إلى الفحوصات الطبية والمخبرية؛ الالتزام بالتغذية السليمة والمداومة على الرياضة خصوصا المشي في الهواء الطلق، الابتعاد عن التوتر والقلق، العيش بقناعة أننا في دار ابتلاء، فلابد من منغصات وإكراهات وجب تدبيرها بحكمة وعقلانية، الفحص الدوري الذاتي للثدي عقب كل دورة ومراقبة تغيرات الكتل الغددية، مع تغيرات الإفرازات النسائية واستشارة الأخصائيين في هذا المجال متى لاحظن تغيرا غير طبيعي، وليس الاقتداء بآراء وتجارب الصديقات والقريبات، لثن لكل حالة خصوصياتها. أما بالنسبة لمن اكتشفن الإصابة، فأهم نصيحة هي المبادرة فورا بزيارة الطبيب، وإعداد الفحوصات اللازمة للانطلاق في عملية الاستشفاء، والمحافظة على الجانب النفسي والثقة بالذات، والأمل في الانتصار وهزم المرض اللعين، مع اعتماد نظام غذائي متوازن ومناسب لخضوعهن للعلاج كمكمل له، والتواصل مع من لهم خبرة في التعامل مع هذا الداء قصد التوجيه والدعم لربح الوقت كالجمعيات ذات الاختصاص مثلا، لأن عامل الوقت عنصر فارق في تسريع العلاج. وأخيرا ؛ متى من الله بالشفاء، علينا أن نحافظ على هذه النعمة ونقدرها، فما كان العلاج ليكون لولا فضل الله أولا ثم الطب ثانيا والعزيمة ثالثا.