مراكز التنمية البشرية بالمغرب ... أخرج المارد الذي بداخلك ب 3000 درهم في ثلاث أيام! يخلط كثير من العامة بين التنمية الذاتية والتنمية البشرية، وهو أمر شائع بين غالب الناس، وكذلك بين مدربي التنمية الذاتية أنفسهم – وهذا الخلط عند بعضهم مقصود! - فما المقصود بالتنمية البشرية والتنمية الذاتية؟ 1- التنمية البشرية: يستعمل مصطلح التنمية البشرية عامة عند الحكومات لتحقيق النهوض بعدة مستويات للتنمية، ولها عدة مقاييس ومعايير، وتشمل التنمية البشرية، المجالات الاقتصادية، والاعتراف بحريات وحقوق الإنسان، وبالديمقراطية، ومجالات عدة. وتقاس التنمية البشرية بنسب تشغيل الأطفال والمرأة، الفقر، ومعدلات الرواتب، والأوضاع الصحية، وجودة التعليم، وأوضاع البيئة والعمل والرفاهية والقدرة الشرائية ومستويات الأمن لمجتمع ما، أو جماعة معينة. وهذا تعريف بسيط مقتطف من تعريف التنمية البشرية من طرف الاممالمتحدة. ولمعرفة المزيد يمكن الاطلاع على تقرير الاممالمتحدة بالرابط التالي: http://www.un.org/arabic/esa/hdr/2004/pdf/pr/hdr04_ar_summary.pdf 2- التنمية الذاتية: تعتبر التنمية الذاتية من الأمور المهمة التي يتطلبها كل مجتمع بل تنمية قدرات ومؤهلات كل فرد على حدى، لأن الحاجة إلى هيكلة الفرد تختلف من شخص لآخر، وتختلف عند نفس الشخص من ميدان لآخر. هي استعادة الناس للمبادرة وحقهم في الاختيار؛ اختيار أهداف الحياة ومعنى التقدم ومضمونه، وحقهم في المشاركة في التنمية وفي بناء مستقبل الفرد والمجتمع. والتنمية الذاتية هي تمكين أبناء المجتمعات المحلية تنظيميًّا وعلميًّا وتكنولوجيًّا كي يكونوا منتجين ومبدعين. وبعد معرفتنا للفرق بين التنمية الذاتية والتنمية البشرية، يسعدني أن أتحدث هنا عن شروط ممارسة مدرب التنمية الذاتية، وباعتبارها صلب موضوعنا، فكيف يمكننا التمييز ما بين مدرب ناجح وآخر يمتهن التدريب فقط لاستغلال الآخرين، ولكي نجيب على هذا السؤال علينا معرفة مميزات مدرب الحياة الحقيقي التي يمكن تلخيص بعضها فيما يلي: 1- المؤهلات العلمية؟ إن الشخص المتعاطي مع البحوث العلمية، والأطروحات، والذي ينتقي كل الأفكار ما يصلح له ولغيره بمنهجية علمية، بعد مداعبته لأفكار كثيرة، وتعامله مع مراجع عدة، وخبر مجال العلوم والدراسات، أكيد إنه الشخص المؤهل لأن يعتمد عليه في أي ميدان كان، سواء التنمية الذاتية أو غيرها. 2- الخبرة التدريبية؟ إن الخبرة التي يكتسبها المدرب عبر ندوات ومحاضرات ألقاها أو استمع إليها، أو الممارسات التي قام بها في ميدانه، أو التقويمات أو التحسينات التي يقوم بها في كل مرة، ستجعل منه بكل تأكيد مدربا متمرسا، وهذا يؤكد لنا أن الدراسة العلمية وحدها أي الشواهد الجامعية -وإن كانت العليا منها- لا تكفي للقول عن أي شخص في ميدان ما أنه متمرس، فمثلا الذي تلقى دروس السباحة فهو ليس بعيدا عن الغرق، لكون هذه الدروس لا تغنيه شيئا إن ساءت أحوال البحر، لدى فالمؤهلات بدون الممارسة والتدريب لا تؤهل الشخص لممارسة مهنة مدرب حياة. أما تعلم كل شيء من أشخاص ليسوا بارعين سوى في ارتداء البذل الأنيقة واستخدام الكلمات المرتبة فهذا هو الهُراء بذاته، حيث تقول الفاعلة الجمعوية والصحفية شيرين الحبنوني : «...أولا خلق طريقة يمكن أن نميز بين الكوتش وشبه الكوتش إن صح التعبير، بلغة أخرى ترك المجال للمتخصصين، فكما يقال "أهل مكة أدرى بشعابها". ثانيا سن قوانين إطار تؤطر هؤلاء وطبعا تفعيلها على أرض الواقع، فأي ميدان يجب أن يكون تحت وصاية القانون.... ».
لكن ما يهمني ليس الحديث عن الفرق بين التنمية البشرية والتنمية الذاتية، ومؤهلات المدربين، بقدر ما يهمني بروز ظاهرة غريبة جدا أصبحت تغزوا مجتمعنا العربي وخاصة المجتمع المغربي، ألا وهي ظاهرة بيع الوهم والأحلام ممن يسوقون لأنفسهم مدربون التنمية البشرية - الخلط حصل لهم بين التنمية البشرية والتنمية الذاتية- وهم أشخاص من شركات تحترف ارتداء ولبس بذل انيقة للغاية، واستخدام كلمات مرتبة لبيع الهراء للشباب، حسنا فلنعد محاسن هؤلاء وصفاتهم التي تخدم الشباب العربي، والمغربي بصفة خاصة:
1- البذلات الأنيقة: فإن كانت غالب الدورات والعبارات المعسولة موجهة بصفة عامة للشباب فلماذا هذه البذلات إذن؟ !، وكذلك ابتسامات مستفزة لا تدل سوى على إحساس جمهورهم أنهم أقل تفكيرا وتدبيرا منهم العظماء، والأذكياء الذين وجدوا للأخذ بيد الشباب من طريق الهلاك، إلى طريق النجاح والنجاة ! 2- الشهادات: الشهادات الهائلة التي يقدمها المحاضر أو المتدرب ويقوم بعرضها على الشباب، التي تفوق أحيانا 20 شهادة رغم صغار سنهم! وهذا منطقيا وعمليا غير ممكن إلا إذا كانت تلك الشهادات مزورة، والتي حصلوا عليها من جامعات أوروبية وأمريكية- كما يدعون-، وإن كنت غير مقتنع بكلامي، ومصرا على رأيك فما عليك سوى طلب من المدرب عناوين البريد الإلكتروني لتلك الجامعات وأن تقوم بمراسلاتهم، لكي تكتشف غالب تلك الإيميلات غير موجودة أصلا ! 3- صورة مشاهير التنمية الذاتية: كصورة إبراهيم الفقي رحمه الله، في ملصقاتهم الإعلانية، ودوراتهم، وهذا يرجع لعدم ثقة المدرب في نفسه أولا! فكيف سوف يقدم لك نصيحة الثقة بنفسك، ويدعون أنهم خرجين معاهد الفقي وطارق سويدان وغيرهم، وهذا لكي يضيف لك مزيدا من جرعات الثقة بنفسك، والإحصائيات غير الرسمية سوف تؤكد لك أن 90% من مدربي التنمية البشرية - أعود وأذكرك بالخلط الحاصل بين التنمية البشرية والذاتية للمدربين أنفسهم ! ، مصدر الإحصائيات هو نفس مصدر شواهدهم ! . 4- الأثمنة الباهضة: هي أهم وأكثر ميزة تميز هؤلاء، السؤال الذي يجب أن تطرحه عليك الآن هو: هل عليَ دفع أموال طائلة من أجل حضور محاضرة لشخص ما؟ أم عليّ أن أصبح أكثر تفاؤلًا؟ أو أن أركز على الأمور الجيدة في الحياة؟! وهل أنت في حاجة لدفع أموال كثيرة لمعرفة هذه المعلومة؟! وهنا أستشهد برأي المنشطة التلفازية والفاعلة الجمعوية شيرين الحبنوني : «ظاهرة التنمية الذاتية أو ما يعرف بالكوتشينغ أصبحت ظاهرة لا مفر منها واقع أصبحنا نعيشه ونحاول التعايش معه؛ في الأواني الأخيرة صار تجارة ربحية أكثر ما هي تنمية ذاتية خصوصا عندما تجد دورات بمبالغ خيالية، سأتفق في الشق الأول على كون أي عمل يقدم يجب أن يكون بمقابل طبعا لن نختلف، لكن إن أسندت لأهلها يعني الكوتش المتخصص صاحب الشواهد العليا في مجال الكوتشينج وليس من هب ودب يصنف نفسه كوتش ويشرع في دورات دون حتى معرفة تفاصيلها المسبقة، وهذا ما يفسر قولي بكونها تجارة ربحية أكثر من أي شيء آخر.». وما يزيد الطين بلة هي تلك الأمثلة الهائلة للنجاح والتفاؤل، التي يدونونها في كراساتهم، ويحفظونها عن ظهر قلب، أو قصص مشاهير العالم الذين نجحوا بعد فشلهم، فهل حقا أنك تحتاج لاستثمار كل هذه الأموال الغزيرة، لكي تسمع وتعرف قصص تلك المشاهير التي تملأ صفحات الأنترنيت، وفيديوهات اليوتوب مجانا نعم فق من غفلتك صديقي القارئ - مجانا بالمعنى حرفيا!- للأسف الوصف الوحيد للاستثمار الذي يدعونه، هي تلك الأموال التي تدخل جيوبهم لتجعل منهم أغنياء من وراء معاناتك، وما سيحصلون عليه المدربون وراء هذا الهراء وتلك الكلمات المنسقة، وقصص أعدت من وحي الخيال مسبقا، وهذا ما يطلق عليه الكذب والخداع. وهنا أستشهد بخبير في التنمية الذاتية الدكتور طريق سويدان حيث قال في إحدى محاضراته يصف بها هؤلاء: بعنوان مهزلة التنمية البشرية! « شواهد المدربين للتنمية البشرية، أغلبها شواهد غير معترف بها، حيث يمكنك الحصول على شهادة الدكتوراه فيها ب 3000 دولار ! خلال شهر! ويتحدثون عن كلام فاضي: لا يوجد مستحيل، أنت تقدر، أطلق عنانك، أعد أنا نعم أستطيع، وأطلق القوة العملاقة التي بداخلك، والعملاق الخفي... فإن كانت هذه هي الدورات التي تكلفك مئات الدولارات، أقول لك اذهب لجبل، وحقق هدف الطيران، وقل أنا أستطيع أن اطير، أستطيع فعلها، وارمي بنفسك من قمة الجبل! وسوف تطير -ههه آسف للضحك رغم جدية الموضوع لكنه اجتاحني وأنا أنقل شهادته- أو إذا أردت أن تكوني مبدعة، روحي نامي بفراشك بالليل وقولي أنا مبدعة، أنا مبدعة ... وفي الصباح تصبحين مبدعة! النجاح لا يصنع بهذه الألعاب، بل بالتخطيط، والتحديد، ومنهاجيات مدروسة بشكل جيد، وواضحة، ومؤهلات وقدرات، وإن لم تكن تمتلكها فشارك مع غيرك لتحقيق هدفك… ». المرجع يوتوب:
https://www.youtube.com/watch?v=dvwdSBwchis ويزيد الأستاذ والفاعل الجمعوي هشام أحرار: «وجهة نظري أظن أن التنمية الذاتية أصبحت ضرورية في مجتمع ممتلئ بالتناقضات والاكراهات خاصة الشباب الذين يعيشون في دوامة من البطالة و العجز و انعدام الثقة في النفس وضبابية الرؤية المستقبلية وانعدام الهدف لذلك أصبحت التنمية الذاتية بالنسبة لهم طريقا سلسا لتغيير واقعهم الى الافضل وقد عرفت بينهم من خلال محاضرات الأستاذ المرحوم ابراهيم الفقي والتي تركت أثرها في النفوس. أنها مؤخرا أصبحت لدى العديدين مصدرا للدخل والاستغناء فأصبحت تسمع عن دورات متنوعة يؤطرها شباب يعمل كثير منهم على القيام بحملات إعلانية على مواقع التواصل الاجتماعي قصد استهداف أكبر عدد من الشباب الذين يصطدمون في آخر المطاف بأثمنة باهضه قد تساوي راتب شهر كامل مما يجعلهم في حيرة حول أهداف هذه الدورات. ورغم هذه الأثمنة المرتفعة إلا أنها لا تساوي في الغالب محتوى هذه الدورات خاصة أن المدرب لا تتجلى فيه صفات الفرد المثالي الذي يحاول إيصال صورته للمتدرب وكذا لكون المحاضرة تغيب عنها الواقعية في كثير من الأحيان ولا تعدو مجرد خطبة حماسية سرعان ما تتبدد عند الخروج من الدورة. لذلك وجب على الشباب النظر بنوع من الحذر من تنامي الاسترزاق من هذه الدورات وتحول أهدافها من تنمية الشباب إلى تنمية دخل المدرب خاصة وأن كثير من رواد التنمية الذاتية كالأستاذ طارق السويدان صاحب برنامج إعداد القادة قد خرج في شريط له يحذر بشدة من هذه الدورات المدفوعة كونها طريق من طرق الربح السريع لذلك بشكل عام إن التنمية الذاتية إذا غابت الإرادة عن المتلقي تصبح مجرد كتابة في الرمل لكون الأخيرة بالإضافة إلى الإيمان والصبر الطريق الناجع للوصول الى المبتغى... » وتعتبر الأوضاع السياسية والاقتصادية والفوضى، للبلدان العربية والمغرب خاصة، ساهمت في انتشار مثل هذه الشركات التي تبيع الوهم للشباب المغربي، وكذلك القناعات المغلوطة للشباب في الوصول للقمة بسرعة، أو أي وسيلة، وهنا يقول محمد بن عيسى، فاعل جمعوي وباحث علم الاجتماع: «يمكن القول على أن مفهوم اللامعيارية الذي إستعمله عالم الاجتماع الفرنسي ايميل دوركايم قادر على تفسير مجموعة من الظواهر الاجتماعية التي يعرفها المجتمع المغربي. فمفهوم اللامعيارية يعني هي الحالة التي تقل فيها قدرة المجتمع على التوجيه الأخلاقي لأفراده وتضاؤل التزام الناس بالمعايير إلى حدّ يتعطّل معه عملها؛ فتفضي بالمجتمع إلى الفوضى، والصراع التناحري، وارتفاع معدلات الجريمة والانحراف والانتحار، وقد تؤدّي إلى التفسّخ والانحلال وهو الأمر الذي نراه الآن. مما أدى إلى انتشار مجموعة من الأشخاص الذين يحاولون تسويق الوهم للشباب بأنهم يتوفرون على قدرات خارقة في جعلهم أبطال وقيادات مجتمعية في عشرة أيام على صيغة " كتاب تعلم الفرنسية في عشرة أيام "، وبالتالي جني المال من وراء تسويق الوهم واللعب بمشاعر وأحلام الشباب، إن العولمة والعالم الرأسمالي المتوحش لا يعترف بالأخلاق بقدر ما يعترف بالأرقام والأرباح». وتزيد الفاعلة الجمعوية شيرين : «الأسباب التى جعلت هذه الظاهرة تنتشر بكثرة رغبة الإنسان في التغير والبحث عن من يساعده في تحقيق ذلك؛ فعندما تجد دورة بعنوان كيف تصبح سعيدا، خطوات السعادة، كيف تجعل نفسك متألقا في عملك، كيف تحافظ على أسرتك .....وعناوين عريضة تجلب الإنسان الذي يفتقر الى تلك الخصائص....من البديهي أن يجرب هذا الأخير دورة تحت غطاء هذه العناوين التى غالبا ما أجزم أن صاحبها لا دراية له بالمجال بل نسب لنفسه لقب الكوتش ليشرع في المحاضرة وتعبئة عقول المشاركين بمعلومات ربما سيدنا جوجل تكلف بها.....» ويضيف الأستاذ والفاعل الجمعوي محمد شقور: «ظاهرة عادية في زمن إفعل كل شيء المهم هو الربح مع استنكارها ورفضها وضرورة تقنين هذا المجال بسبب الجهل، الفراغ العاطفي، ضعف التوجيه المدرسي والجامعي، قلة أو انعدام مرافق القرب، والأنشطة الموازية، غياب مواد دراسية تعتني بالجانب النفسي باستثناء الدور اليسير الذي تلعبه مادة التربية الإسلامية». وبالإضافة إلى الأسباب التي ساهمت في انتشار هذه الظاهرة، نجاحها في بلدان عربية أخرى كمصر وقطر، وغيرهما بدون رقيب. وحققت الشركات أرباحا طائلة وراء ظاهرة الكوتشينغ، فكان من السهل على تلك الشركات نقل نشاطاتها ونسخ التجربة كما هي للمغرب، و تحقيق أرباح خيالية أيضا من وراء معاناة الشباب الاقتصادية، والنفسية، والاجتماعية، وأحيلكم للرابط التالي يعالج نفس الظاهرة: https://goo.gl/ndyZ3g بمصر وكذلك حتى في دولة تتميز بغناها كقطر: https://goo.gl/kUC252
وأخيرا يمكننا أن نقول إصلاح الوضعية السياسية، بإدماج الشباب في أخذ القرار، والوضعية الاقتصادية للبلاد وخلق استراتيجيات فعالة لإدماج الشباب وخلق تعليم جيد، من أسباب علاج هذه الظاهرة، كما يقول الفاعل الجمعوي ياسين شقور في هذا الباب: «العلاج إدراج مواد دراسية تعنى بالجانب الاجتماعي والنفسي للتلميذ والطالب بغض النظر عن التخصص، تكوين متخصصين في هذا المجال، نشر ثقافة الاستماع إلى البرامج التي تعنى بهذا المجال والتي تستضيف ذوي الميدان وليس من هب ودب». وتقول الفاعلة الجمعوية والمنشطة التلفازية شرين الحبنوني: «أن تكون الدورات في المعاهد والمؤسسات التعليمية والجامعية لفائدة الطلبة والتلاميذ، يعني تبرمج وفق برنامج مسطر مع النيابات التعليمية وتؤطرهم في المواضيع التى تهمهم لكي يكسب التلميذ والطالب طرق مهنية للتواصل على يد متخصص ألا وهو الكوتش».
أستاذ عادل اولادمحند مكون بالمعاهد العليا للتكنولوجيا بالمغرب خبير مجال المعلوميات