يقول صاحب "مخطوط تطاون" (106) وكذلك سيدي العربي الفاسي في تقييده (107) أن سيدي المنظري كان عليه أن يطلب الإذن في إعادة بناء تطاون من أمير شفشاون مولاي علي ابن راشد (108). ويقول الفقيه السكيرج (109) أن سيدي المنظري "رفع أمره لامير الوقت، دون أن يذكر اسم هذا الأمير، ونحن نعلم أن أمير الوقت بالنسبة لسكان الشمال آنذاك كان هو مولاي علي ابن راشد لا أمير فاس.
أما الناصري (110) فقد قال أن المنظري طلب الإذن من السلطان مولاي محمد الشيخ الوطاسي وهوهنا لا يعتمد على ما وجده عند المؤرخين المغاربة الذين سبقوه بل إنه أخذه من عند المؤرخ الإسباني كاسطييانوس(111) الذي لايمكن الإعتماد عليه لأنه لم يبين مصدره في ذلك خصوصا وأن كلامه يتنافى مع جميع المصادر البرتغالية المعاصرة للأحداث والتي تشهد بأن مولاي علي ابن راشد كان هو "سيد القوم بين المغاربة ولم يكن يعترف بسلطان فاس"(112).
ويؤكد هذه الشهادات البرتغالية ما قاله جميع المؤرخين بأن أمير شفشاون لم يكن يعترف بالهدنة المبرمة بين السلطان مولاي محمد الشيخ الوطاسي وملك البرتغال ألفونصو الخامس يوم 80 رمضان 894 (27 غشت 1489) (113) وفي هذا الصدد يقول المؤرخ البرتغالي المعاصر للأحداث كويس (114) أن ابن راشد يهاجم المدن التي نحتلها بالمغرب لأنه لا يحترم الهدنة المبرمة بين ملك البرتغال وسلطان فاس والسبب في ذلك أنه لا يعترف بهذا السلطان ولاهو بخاضع لنفوذه. وهذا ما يدل على أن مولاي علي ابن راشد كان هو صاحب الأمر والنهي بالناحية الشمالية الغربية، خلافا لما يدعيه الفقيه داود عندما يقول بأنه كان مجرد "صاحب شفشاون وحاكم هذه النواحي الجبلية في ذلك العهد " (115) فيصفه "بالشيخ" لا بالأمير (116) مع أن سيدي العربي الفاسي في "مرآة المحاسن "، (117) وابن عسكر في "دوحة الناشر" (118) يطلقون عليه لقب الأمير. وحيث أننا أثبتنا أن مولاي علي ابن راشد كان يحكم الناحية الشمالية الغربية باستقلال عن سلطان فاس شأنه في ذلك شأن عدد غير قليل من الأمراء المحليين الذين كانوا بنواحي مغربية مختلفة، فهل يعقل أن يكون سيدي المنظري قد توجه إلى السلطان الوطاسي في طلب الإذن للقيام بالتجديد الثاني لمدينة كانت آنذاك تحكم الحكم المباشر لمن أعاد بنائها أول مرة ؟
وهنا نتسائل لماذا فضل الأستاذ داود الأخذ بعين الاعتبار ما قاله الناصري (119) مع العلم بأن هذا الأخير اعتمد في قوله على أن ما جاء به الإسباني كاسطييانوس الذي كتب تاريخه في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي وهو مخالف لما أكده سيدي العربي الفاسي المتوفى بتطاون سنة 1052 (1643). صحيح أن الأستاذ داود (120) يقول بنوع من الإبهام أن سيدي المنظري ربما طلب الإذن من مولاي علي ابن راشد " إلا أن عملا مهما كهذا لا بد فيه من إذن سلطان المغرب، ( 121) وهذا الكلام هو الآخر غير مقبول لأنه سبق لنا أن أثبتنا ان أمير شفشاون لم يكن يخضع لنفوذ سلطان فاس آنذاك. وهنا يجب أن نقول أن عدم اعتراف مولاي علي ابن راشد بالسلطان مولاي محمد الشيخ الوطاسي يرجع سببه إلى الهدنة المبرمة بين سلطان فاس وملك البرتغال الفونصو الخامس يوم 80 رمضلن 894 (27 غشت 1489) هذه الهدنة بمقتضاها تعهد السلطان المذكور بعدم مهاجمة المدن المحتلة من طرف البرتغال لمدة عشر سنوات ولم يكن مولاي علي ابن راشد ( وهو الذي أسس مدينة شفشاون ثم أعاد بناء مدينة تطاون من أجل مهاجمة المدن المحتلة ) ّأن يظل مكتوف اليدين أمام الإعتداء القائم على تراب وطنه.
ونجد في المصادر البرتغالية ما يشهد بأن الجهاد الذي اعلنه أمير شفشاون ضد المدن المحتلة قد ألحق بها اضرارا كبيرة لدرجة ّأن الملك البرتغالي خوان الثاني أصدر يوم 18 غشت 1490 (فاتح شوال 895) مرسوما تنازل بمقتضاه عن قبيلة بني عروس وفرقة بني قماح من قبيلة أهل سريف لصالح قائد القصر الكبير السيد طلحة العروسي بشرط ان يقوم بمحاربة مولاي علي ابن راشد (122).
بريس تطوان عن مجلة تطاون /مجلة تعنى بتاريخ شمال المغرب