منذ يومين فقط، جاءني صوت صديق ورفيق العمر أحمد الطريبق عبر الهاتف، ليستفسر عن أحوالي ويحدثني عن اللمسات الاخيرة التي يريد وضعها على كتاب يتضمن سيرته الذاتية. اتفقنا أن نلتقي عندما تسمح الظروف بذلك،فالاجواء التي تخيم على العالم تجعل المرء يتساءل هل سيقدر له أن يكون من ضمن الأحياء الذين سيشهدون عالم ما بعد جائحة الكورونا. تعرفت على أحمد الطريبق صيف 1972، ومنذ ذلك التاريخ أصبح جزءا من ذاكرتي . كنا معا ضمن النواة الاولى التي أسست النقابة الوطنية للتلاميذ بتطوان بإشراف عبد القادر الشاوي، وخضنا معا تجربة العمل السري في منظمة “إلى الأمام” بإشراف أخيه عبد العزيز. ولما اعتقل في صيف 1974 في إطار مطاردة البوليس السياسي لأخيه عبد العزيز،وتم نقله إلى كوميسارية طنجة ثم درب مولاي الشريف ،عرف كيف يتحمل وكيف يناور زبانية اليوسفي قدور للحفاظ على سلامة التنظيم في تطوان، ومكنني من أستنشق هواء الحرية فترة زمنية مهمة قبل أن أعتقل إبان سنتي الجامعية الأولى في شهر فبراير 1976. لم ينقطع اتصالنا بعد ذلك، وأتيحت لنا فرصة اللقاء والنقاش أثناء زيارته لأخيه عزيز بالسجن،وعايشنا موت أحلام وولادة أخرى،إلى أن عدت إلى تطوان واستقرت بها. بعد خروجي من السجن أخذت اتعرف على وجه المثقف العصامي في شخصيته. ذلك أن أحمد بعد مغادرته درب مولاي الشريف،ورغم الظروف المادية والأسرية القاسية، واصل دراسته الجامعية في شعبة الفلسفة إلى أن حصل على الدكتوراه في الفلسفة،وأصبح أحد المتخصصين الملمين بالفلسفة الغربية وتحديدا فوكو. أحمد الطريبق من القلائل جدا من جيل السبعينات الذين بقيت على احتكاك مباشر بهم.كنت أزوره أو نجلس بقهى شعبي قرب بمنزله،كلما شعرت بالوحدة وبالرغبة في البوح.كنت أتمتع بمجالسته خصوصا لما يشرح لي بأسلوب بسيط نظريات ومفاهيم فلسفية. ظل أحمد يشجعني على مواصلة دراساتي العليا وكنت أناقش معه مختلف الاشكاليات التي يطرحها البحث. لن أنسى أبدا جميله لما قبل تعويض أحد أعضاء لجنة المناقشة الذي اعتذر قبل 10 أيام من موعد المناقشة، مما كان سيجعلها في كف عفريت.بذل أحمد الطريبق مجهودا لا يستهان به للإطلاع على الأطروحة في وقت قياسي وكان في الموعد. ذكرياتي مع أحمد عنوان لحياة وتجربة تقاسمنا فيها أحزانا كثيرة وأفراحا كثيرة.قد تجف الدموع في عيني لكن لن تجف أبدا في قلبي.وداعا رفيقي وأخي وصديقي أحمد.